fbpx
السودان بلد الطيبة والسماحة لايستحق ما يجرى له !

 

بقلم / علي عبدالله البجيري

السودان بلد عربي شقيق يعاني من عدم الاستقرار منذ استقلاله عام 1956م. تعاقبت عليه حكومات عدة ورؤساء عسكريين ومدنيين ، لم ينعم هذا البلد الأصيل بالأمن والاستقرار والتنمية إلا في فترات زمنية قصيرة. داهمته الحروب الأهلية والحركات الانفصالية في أوقات مبكرة من تاريخه السياسي، إلا ان الحرب الدائرة رحاها اليوم في الخرطوم حاضرة بقوة في حياة كل أسرة سودانية كانت في السودان أو خارجه .حرب مؤسفة لم يغب عنها التدخل الخارجي، والذي يمثل بعداً آخر للقتال الدائر اليوم في العاصمة الخرطوم.
لقد تشرفنا أنا وأخي المستشار عبد الرحمن المسيبلي في ثمانينات القرن الماضي، بأن نعمل وندير سفارة بلادنا ” اليمن الجنوبية ” في الخرطوم، مما اتاح لنا العيش عن قرب مع شعبه الودود والتعرف على أوضاعه السياسية وقواه الوطنية ضف الى تقاليده وموروثاته الاجتماعية. عشنا سبعة اعوام مليئة بالأحداث السياسية أبرزها انتفاضة الشعب السوداني في ابريل عام 1985م ضد حكم المشير جعفر النميري التي صاحبتها الأغاني الوطنية للفنان محمد وردي رحمة الله تغشاه “أصبح الصبح ولا السجن ولا السجان باقي”. على اثرها استطاع شعب السودان ان يتنفس الصعداء وينتهج النظام الديمقراطي والتعددية الحزبية والحياة المدنية.
شعب السودان بطبيعته يعشق الحرية والديمقراطية والحكم المدني، ينتفض بين مرحلة واخرى لمواجهة حكم العسكر، مستبدلا إياه بالحياة الديمقراطية المدنية ولو لفترة قصيرة، كونه سرعان ما تتقوض تلك الديمقراطية بانقلاب الجيش مجددا عليها والاستيلاء على السلطة. هكذا عاش الشعب السوداني منذ الاستقلال عام 1956م تواق للحرية والديمقراطية، رافضا لحكم العسكر وماقتا للانظمة الديكتاتورية المتسلطة. فطوال مساره السياسي استطاع شعب السودان ان ينتفض في مايو 1964 في وجه نظام الفريق ابراهيم عبود، وفي ابريل عام 1985م انتفض في وجه نظام المشير جعفر النميري، وفي ابريل عام 2019م أنتفض أيضا في وجه نظام المشير عمر البشير. فعلا انه شعب يستحق وصفة بصانع الثورات في وجه طغيان العسكر.

وهاهو الشعب السوداني مستمر في مسيرته النضالية ، مدركا بانه لا خيار له إلا تصعيد نضاله من أجل إحلال النظام المدني الديمقراطي، وما مراوغات القيادات العسكرية وتمسكها بالسلطة ما هو إلا الإنحدار باتجاه الهاوية، وهذا ما حدث بالفعل أن انفجر الموقف عسكريا في ابريل 2023م بين القادة العسكريين الرئيس ونائبه في اطار الصراع على السلطة وتقاسم المصالح ونهب الثروات، دون مراعاة لأمن وسلامة الشعب ومصير البلد برمته.
وبسبب المصالح والصراع على السلطة يكتوي الشعب السوداني بنار الحرب التي تدخل شهرها الرابع من دون بارقة أمل للخروج من هذا النفق المظلم أو إشارات توحي بوقف حمام الدم وما يحمله من مآس إنسانية، ومخاطر باتت تزج به في حروب أهلية تهدد وحدة أقاليمه وبالتالي الإنهيار الكلي للدولة السودانية.

والنتيجة حتى اليوم وحسب تقرير للمنظمة الدولية للهجرة فإن ثلاثة ملايين مواطن هُجرو من منازلهم وفروا إلى الأقاليم السودانية المتناثرة وإلى دول الجوار المتباعدة، بحثاً عن الأمن والأمان، تاركين خلفهم وطن غني بالموارد من الذهب والنفط والثروة الحيوانية والأراضي الزراعية، بلد كان مرشحا بأن يصبح من اقوى اقتصاديات الوطن العربي وسلت غذاء العالم .
ختاماً : في قمة القاهرة لدول جوار السودان تم تداول العديد من الأفكار والمقترحات، جميعها تهدف الى وقف الاقتتال ومعالجة الأزمة والحد من تداعياتها. القوى المتصارعة على الأرض رحبت بمخرجات قمة دول الجوار، ولكن للاسف وحتى الان لم يلمس منها بارقة أمل في الإلتزام بوقف الاقتتال، هذا ما يدعوا الى ضرورة مشاركة شعب السودان وقواه السياسية المدنية في تحقيق مخرجات قمة القاهرة، بان يلعب دورا ميدانيا ويخروج عن بكرة أبيه الى الشارع، – وهو صاحب تجربة في هذا المجال- لإسكات أصوات القذائف والرصاص. ففي وضع الاقتتال السوداني، ليس هناك طرف ثالث يستطيع ايقاف الحرب الا الشعب السوداني بكل مكوناته السياسية والاجتماعية.
. فدون انتفاضة الشعب السوداني مجددا مطالبا بوقف الحرب واحلال السلام والنظام الديمقراطي، فإن الصراع سيمتد ليطال حاضر ومستقبل الأجيال القادمة. لذا يستوجب على طرفي القتال الإنصات إلى صوت العقل والتجاوب مع مقررات قمة دول الجوار لإنهاء القتال والعودة إلى مسار الحوار وتسليم السلطة للشعب صاحب المصلحة الحقيقية التواق للسلام والاستقرار والحرية.فهل آن لهذا الليل أن ينجلي، فهذا الشعب الأصيل لا يستحق هذا الوضع الكارثي. انه السودان بلد الطيبة والسماحة والكرم الفطري.