fbpx
قبيلة يافع في جيش فتح مصر

إن تناول دور قبيلة يافع الحِميَرية في فتح مصر، لا يعني مطلقاً التحيز أو التعصب لهذه القبيلة، أو التقليل من دور القبائل الأخرى، وإنما هدفنا إبراز ذلك الدور في إطاره التاريخي. ولقد كتب البعض عن دور القبائل العربية في فتح مصر، وكتب آخرون عن دور القبائل اليمنية في مصر، وبفضل ما حفظته لنا المصادر رأيت أن أخصص هذا البحث لقبيلة يافع الرعينية الحِميَرية، التي كان حضورها قوياً في فتح مصر، واسمها مسموعاً وواضحاً في القرون الثلاثة الأولى للهجرة جنباً إلى جنب مع بقية قبائل حِميَر خاصة وقبائل اليمن والعرب بشكل عام ، ولا يمكن فصل الحديث عن سياق حركة الفتح ومشاركة القبائل العربية الأخرى التي سجلت للعروبة والإسلام تاريخاً مشرفاً.
فمن المعروف أن الجيش الذي فتح مصر بقيادة عمرو بن العاص في سنة 20 هجرية كان في غالبيته من اليمنيين، ومنهم قبائل حِميَر وفي عدادها قبيلة يافع الحِميَرية، فقد كان مُبَرِّح ابن شهاب الرُّعَيْني اليافعي على ميسرة عمرو بن العاص يوم دخل مصر، كما شهد معه فتح مصر أيضاً أخوه بِرْح بن شِهاب فتح مصر وشريح بن أبرهة وعمرو بن شعواء ودِرع بن يَسكُن وثُوَب بن شَرِيد. ويمكن الاستنتاج أن وجود مبرح ابن شهاب في قيادة ميسرة جيش الفتح يدل على كثافة عدد اليافعيين المنضوين في تشكيلة هذا الجيش، خاصة إذا ما علمنا أن قيادة جيوش الفتح كانت تسند في الأساس لزعماء ورؤساء القبائل وسبب ذلك أن القبيلة كانت في بلاد العرب قبل الإسلام تشكل أساس المجتمع العربي، كما كانت القبيلة تتألف من عشائر وبطون يربطها النسب وصلة الدم، وكان للأنساب أهمية كبيرة عند العرب، حيث كان شعور الاعتداد بالقبيلة هو الشعور السائد أبان الفتح الإسلامي. يذكر الدنيوري أنه كان لكل مقاتلة جند قائد ولكل قبيلة ضمن الجند قائدها وزعيمها. وقد كان مبرح قائداً وزعيماً في قومه، بدليل أنه كان قد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في أربعة نفر في وفد بني رُعَيْن .
وإذا ما عرفنا أن العناصر العربية التي تم حشدها في كل من المَدَدَين الأول والثاني للمسير نحو مصر كانت في واقع الأمر من قبائل اليمن التي استقرت بالشام قبل الفتوحات الإسلامية، أومن تلك التي شاركت في فتوحات الشام، فأننا نستنتج أيضاً أن القائد مبرح بن شهاب ومن معه من قبيلة يافع الحِميَرية المشاركين في فتح مصر، أمثال أخيه بِرْح بن شهاب وشريح بن أبرهة وعمرو بن شعواء ودِرع بن يَسكُن وثُوَب بن شَريد(سنورد ترجمتهم عند نشر البحث كاملا في وقت لاحق)، قد سبق لهم أن شاركوا قبل ذلك في فتوحات الشام وأبلوا بلاء حسناً، وأنهم قد انضووا هناك تحت أمرة القائد عمرو بن العاص، مع غيرهم من قبائل حِميَر وفرسانها الذين كان لهم باع في فتح الشام، ولاشك أنه قد لحقت بهم أفواج أخرى ممن التحقوا بهم فيما بعد أثناء فتح مصر وبعد ذلك أيضاً.
وقد كان لقبيلة يافع الحِميَرية دورها المشهود له في اجتياز نهر النيل ورَكْز علم المسلمين. ويذكر بعض المؤرخين أنه جاء ذكر القائد المحدث مبرح بن شهاب والقائد البطل حسان بن زياد، وأن خطتهما لاجتياز نهر النيل كانت معروفة، وأن قبيلة يافع كانت في صدارة القبائل اليمنية التي تمكنت من اجتاز نهر النيل، وأول من ركزت أعلامها في الضفة الغربية، وسمي ذلك المكان الذي نزلت به القبيلة اليافعية بالجيزة، وما زال اسم الجيزة حتى اليوم معروفاً بهذا الاسم.
كما كان لقبيلة يافع الرعينية الحِميَرية مشاركتها في فتح الإسكندرية، يدلنا على ذلك ما أورده ياقوت الحموي عن بطولة القائد اليافعي مبرح بن شهاب ومأثرته التي اجترحها حين كان مع عمرو بن العاص في فتحه للإسكندرية إذ دخل من باب سليمان وخارجة بن سليمان من البقيطا فجعلا يقتتلان حتى التقيا بالقبة فرفعا السيف فسمي ذلك المكان قبة الرحمة لذلك وبه يعرف إلى الآن، أي إلى عصر ياقوت الحموي. وهذا يعني أن مبرح بن شهاب كان مع القائد عمرو بن العاص في فتح الإسكندرية أيضاً على رأس مجموعة من المقاتلين من أبناء قبيلته. ومما لا شك فيه أن عددا من اليافعيين قد سكنوا الإسكندرية مع غيرهم من القبائل العربية في وقت لاحق بعد الفتح، لأن الإسكندرية لم يكن فيها خطط ، أسوة بالفسطاط أو الجيزة، التي كان لليافعيين خطة في كل منهما، وإنما كانت “أخائذ”، أي من أخذ منزلاً نزل فيه هو وبنو أبيه ، وممن حفظ لنا التاريخ أسماءهم من قبيلة يافع سليمان بن إبراهيم اليافعي الإسكندراني، أبو الربيع، (توفي سنة 264هـ).
————————————————–
جزء من دراسة لي بعنوان (دور قبيلة يافع الحِميرية في مصر في القرون الثلاثة الأولى للهجرة) نُشرت في مجلة كلية الآداب جامعة بنها – مصر في ابريل 2012م (سأنشرها لاحقا كاملة)..