fbpx
الظالم المغرور والمؤمن الصادق

بقلم | حسين صالح غالب السعدي

مما قرأت واطلعت وتعاملت وعشت الواقع خيره وشره على مدى حياتي وما تجرّعت من مرارات من الظلم والإقصاء والتهميش في حياتي الكفاحية ثم أنار لي ربي الطريق وعرفني عن قرب بأن أهل الدنيا لهم أهداف محدودة , فإذا بلغوها سئموا الحياة ؛ هدفهم السلب والنهب والفيد بعد أن يصلوا إلى كل أهدافهم المادية المحدودة ؛ يبدأ السام والملل والشعور بالفراغ ينتابهم مهما بلغوا من الكبر والغرور مبلغاّ ؛ ثم يتحسّرون على فُقد ما جمعوا فيبدأون بالانتقام ممن حولهم فيعجزون : أي يكبروا  ويشيخوا نفسياً حينما تنتهي أهدافهم المريضة والعدوانية ولا يستطيعون أن يبطشوا بالمساكين والضعفاء بسبب تسليط الله عليهم بمن هو أظلم منهم وأشدهم بأساً وظلماً فعندها يملوا حياتهم ويصبحوا مكروهين من أقرب المقربين إليهم وممن كانوا يفتون لهم افتراءاً وطمعاً في أموالهم وكذلك أتباعهم من أشباه الرجال مسلوبي الإرادة والعقل والفكر .

أما المؤمن الصادق في إيمانه فهو قريب من القلوب محبوب عند المؤمنين وهو لا يشيخ ( لا يعجز أمله وطموحه ) ويشعر أنه شباب دائم ؟ لأن هدفه كبير جداً , مهما سعى في طريق هدفه المسافة الطويلة ، فقد تجد إنساناً في سن متقدم , نفسيته نفسية شباب , والسعادة الدائمة تغمره من كل النواحي ، لكن في المقابل إذا كان من المتنفذين فهو في جحيم مهما أظهر قوته وسطوته فإنه يشيخ إذا عجزت قواه وأهدافه السيئة ؛ أما الصالح الذي يعرف حقه وحقوق غيره ولا يسلب ولا ينهب ولا يتنفذ وإنما يعمل لآخرته فأهدافه متجددة , وكبيرة جداً , ولا نهاية لها , فهو في شباب دائم في عمل الخير وحب الخير للغير وهذا سر نشاط المؤمن , هدفه الله عز وجل ؛ ومهما طلب العلم وعمل من الأعمال الصالحة , فحياته هل من مزيد في الخير ؟ لذلك : المؤمن شاب دائماً , قد يضعف جسمه وقواه وبصره وصحته , لكن نفسيته في شباب دائم , وهذا سر الإنسان المؤمن , صحيح بقوة إيمانه بالتفاؤل والحب لله وفي الله ومن أجل الله , فقربه من الله يجعله يشعر بمشاعر تورثه القوة النفسية.  لي قريب تجاوز الـ 100 عام ، فقلت له كيف الصحة ؟ قال : الحمد لله ، صحتي جيده بحسب سني فهو نشيط يعمل ليل نهار بلا كلل ولا ملل هدفه الآخرة , الإنسان حينما يصل إلى الهدف الذي ينبغي أن يصل إليه , ويعرف الله , ويستقيم على أمره , ويعمل الأعمال الصالحة ، يسلم بقدر طاعته لله , ويسعد بقدر قربه منه سبحانه وتعالى وبقائه في هذه الحياة لأهداف سامية ، والآخرة مبتغاه لذلك يعمل لها بكل ما أوتي من قوة ونشاط ونفسيته دائما مطمئنة فيريد أن يسعى لهدف نبيل .

وهدفي مما وضحت أعلاه هي لأخذ العظة والعبرة وهنا قصة أوجهها الى كل مظلوم وبالأخص أبناء الجنوب المظلومين وهي قصة عالم رباني أراد الحجاج أن يقتله ، فالإمام الحسن البصري ( رحمه الله ) أدى رسالة العلماء , كان في عهد الحجاج , أدى الرسالة , وبيَّن و لم يصمت , فلما بيّن , وبلغ الحجاج ما قال فيه ، قال الحجاج : يا جبناء , والله لأروينكم من دمه , فأمر بقتله ، فجاء بالسيّاف , والسيّاف مد النطع استعداداً لقطع رأس الإمام الحسن البصري , فلما جيء به لقطع رأسه , ورأى السياف , ورأى كل شيء جاهزاً , علم أن منيته قد قربت , فدعا الله عز وجل , بدعاء لم يفهمه أحد , فإذا بالحجاج يقف له , ويستقبله , ويقول له : أهلاً بأبي سعيد , أنت سيد العلماء ؛ ويسأله ويستشيره ويضيّفه ويعطّره ويشيّعه إلى باب القصر, عند ذلك صعق السياف والحاجب من تصرّف الحجاج , فتبعه الحاجب فقال له : يا أبا سعيد ! لقد جيء بك لغير ما فعل بك , فماذا قلت لربك وأنت داخل ؟ قال له : قلت : { يا ملاذي عند كربتي , يا مؤنسي عند وحشتي , اجعل نقمته عليّ برداً وسلاماً , كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم } .

فردّدوا معي : { يا ملاذنا عند كربتنا ، يا مؤنسنا عند وحشتنا ، اجعل نقمة الناقمين علينا برداً وسلاماً ، كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم ، وكما جعلت الإمام أبا سعيد ـ الحسن البصري ـ يُستشار ويُضيّف ويُعطر ويُشيع الى أبواب القصور بعز وكرامة بعد أن كانت النوايا السيئة مبيّتة . فيا أهلي وناسي أبناء الجنوب وغيرهم : المظالم تُرفع عنا بالعودة الصادقة الى الله سبحانه وتعالى وصدق الالتجاء إليه لا غير . وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المظلومين من المؤمنين والحمد لله رب العالمين .