fbpx
ويُسْقِطون أغصان الزيتون!

يوسفُ كان فتى شاحباً، وعلى سِجل جسده النحيل تتذبذب خطوط الزمن، فتظنه تارةً طفلاً، وتارةً تراه قد صار أكبر قليلا.

يوسفُ كان يحبُ الحياة، يحبُ الحياة في حالتيها: يحبُ الحياة إذا ما أستطاع إليها سبيلا… وإذا ما أستطاع، فيوسفُ يحبُ الحياة!

يوسفُ استفزه صوتٌ عميقٌ مُجَلْجِلٌ في داخله، صوتٌ أرقه وأرقه. وفي كلمات الأغنيةِ (أما استعدنا الكرامة أو موت وِسط الميادين)، لم ينتبه! الموتُ فاجأه، توارى في ظل الكرامة، وفي لغو العبارة… يوسفُ لم ير الموت، ورأى أمامه الكرامة!

في ميدانٍ دائريٍّ، الزمنُ مُحْتكرٌ، والبجع على الرصيف واقفة. هنالك كان يوسفُ مُثخناً بالأسئلة، على الجمر واقفٌ، ونار الكرامة، وفي حوزته “خِرقةٌ”، لها من الألوان أربعة، ولم تكن قبضةً من أثر النبي، كانت خرقةٌ، بل خرقةٌ باليةٌ. لكن الغزاة وحدهم من علموه كيف يُمكن أن ” يتَحَمَّل عبء الأساطير كي يُخْرِجَ الوحشَ من قصَّة السنديانْ”.

يوسفُ ما زال مثخناً بالأسئلة، يحاولُ أن يُعيد الصياغة: ما الـ ” كـ  ر ا مـ  ـة “؟

الذئابُ على مقربةٍ من اصطياد النَفَس، وكانوا أسرعُ من نسمةِ البحر، وبزغةِ الفجر، وسرعة الضوء… خشي يوسفُ أن يُعيد الصياغة في عيون الذئاب، وربما فكر سريعاً بدمع أمه، ودمع أبيه الذي “سينظر في صورته باكياً: كيف بدّلت أدوارنا يا بُني، وسِرت أمامي..أنا أولاً، وأنا أولاً!”.. فأرتبك، وتبعثر خَـجِـلاً!

يوسفُ قفا راجعاً إلى ما يستطيع، ما يستطيع من حياةٍ، لكن الذئابُ أبت! فأمطرت ظهره وابلاً من رصاصٍ مُصفى، فسقط، ثم سقط….

ويوسف كان يريد الحياة .. كان يريد الحياة.. يريد الحياة!

نصيحة سارتر لبني جلدته (المستعمِرين):

(في لحظةٍ ما يصير العدوان الاستعماري في نفوس المُستعمَرين إلى ذعرٍ. ولستُ أعني بالذعر ما يشعرون به من خوفٍ إزاء أساليبنا في القمع، هذه الأساليب التي لا ينضب معينها! لستُ أعني هذا فحسب، وإنما أعني أيضاً ذلك الخوف الذي يثيره في نفوسهم حنقهم هم. إنهم مُحاصرون الآن بين أسلحتنا المصوبة إليهم وبين تلك الاندفاعات الرهيبة وتلك الرغبة في القتل التي تصعد من أعماق قلوبهم والتي لا يتعرفونها دائماً، لأنها ليست في أول الأمر عنفهم هم، وإنما هي عنفنا نحن وقد انقلب وأشتد وأصبح يُمزِّقهم. والحركة الأولى التي تقوم في نفوسهم هي أن يدفنوا دفناً عميقاً ذلك الغضب المكتوم الذي تستنكره أخلاقهم وأخلاقنا معاً، والذي ليس مع ذلك إلا أخر ملجأ تفرغ إليه إنسانيتهم. أقرؤوا “فانون” وستعلمون أن جنون القتل إنما هو اللاشعور الجمعي للمستعمرين في زمن عجزهم) مقدمة “معذبو الأرض”، ص9.

ونصيحة عابرِ سبيلٍ:

يتكرر السلوك، فيصبحُ ثقافةً، والثقافة تغدو عرفاً، والأعراف تتناظر وتتناجى وتتماهى. لم يتعظ بعد الجالس على كرسي “البلطجة” في صنعاء من دروسٍ كثيرةٍ، ودروسٍ من عُقر داره، فالقانون الحاد “ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة”، ليس في صالح أي طرفٍ، وأقولها بكل قناعة، لا خوفاً ولا ضعفاً ولا ادعاء الوعظ، أن يتحول هذا القانون إلى صياغةٍ في أرض الواقع، فليس في صالح أحد مُطلقاً. لعل الجميع باتوا، في الآونة الأخيرة، يكثرون بالحديث عن “القضية الجنوبيّة” و “حق الجنوبيين”، وكأني ألمح أمراً خفيّا من وراء البُعد الأخلاقي الحاضر بصورةٍ لا لبس فيها، أحياناً، لكأنه يقول ” طالما وأنتم تفعلون بالجنوبيين ما تفعلون، فأنتم تستحقون ما حل وسيحل بكم، وبكل جدارةٍ .. بكل جدارةٍ”! .. وبهكذا تجني دائماً على نفسها براقش!.. فهل ستفهم براقش؟