fbpx
لات ساعة مندم .. بقلم / دعاء سويدان
شارك الخبر
لات ساعة مندم .. بقلم / دعاء سويدان
ن تعتري المجتمعات على اختلافها وحتى الثورية منها بعض الآفات فتلك هي سنة الحياة وديدنها، لكن أن تتحول الآفة إلى إلى ظاهرة مستطيلة في مجتمع ثوري فذلك مما لا يمكن تبريره أو التخفيف من وطأته أو السكوت عنه أو الإكتفاء باستنكاره بين الحين والآخر.
هذا هو الوضع القائم حاليا في الجنوب المحتل حيث أضحى تعاطي المواد المخدرة على سبيل المثال لا الحصر أمرا طبيعيا جدا لا مناص منه ولا محيد عنه. وهنا تكمن الخطورة الأبرز إذ إن شرائح واسعة من مختلف الفئات العمرية لا تجد حرجا في ابتياع القات واستهلاكه على رؤوس الأشهاد والمتاجرة به دونما حسيب أو رقيب أو حتى وازع أخلاقي وديني. بل إن الظاهرة أصبحت مقبولة ومنتشرة على نحو واسع ومخيف ينذر بنتائج وخيمة وعواقب غير محمودة. فلماذا الإنجرار إلى خيارات أقل ما يقال فيها إنها بائسة؟
إذا تذرع البعض بالفراغ فذلكم عذر أقبح من ذنب وإهانة للجنوبيين وثورتهم، أيجوز الحديث عن فراغ نفسي وإجتماعي ونحن نخوض غمار النضال على مستوياته كافة ونسعى إلى التحرر من الرجعية ونضع اللبنات الأولى لدولة الجنوب الموعودة؟ الثائرون لا يستريحون، الثائرون لا يهدأون، الثائرون لا يشعرون بالفراغ، كل لحظات حيواتهم سعي وكفاح وجهاد وإحساس بالمسؤولية، بالحمل الملقى على عاتقهم، وبعظم المهمة الموكلة إليهم. لا مكان في قواميسهم للتبلد أو الخنوع أو قلة النشاط.
أما إذا كانت الحجة أن الإحتلال اليمني أغرق الجنوب بالمشكلات ودفع أهله دفعا إلى المهالك وأسوأ المسالك، فذلك أيضا غير مقبول. صحيح أن أمراء الحرب دمروا كل المؤسسات وعاثوا فيها فسادا وعطلوا الشباب من العمل وأفقروا الناس وسلبوهم خيراتهم وخلقوا الكثير من مساحات اللاشيء واللامعنى واللاهدفية، لكن لايمكن بالموازين الثورية والمعايير المنطقية أن يتحول هذا الواقع إلى مبرر للإنسحاب من الحياة وتدمير كل ما هو جميل فيها وتهشيم القدرات وإخماد الطاقات والإنزلاق إلى المهاوي والإنسياق إلى الموبقات.
ثم إن الثورة تحتاج إلى أناس أقوياء سليمي العقول أصحاء النفوس متجددي الأرواح، لا يعرفون الهمود أو التراجع أو الإنزواء أو التقوقع أو الإنحدار، يحرصون على البراءة من العيوب ويأنفون من كل ما يمكن أن يشوه أشكالهم أو يؤذي صحتهم الجسدية والنفسية والعقلية، نعم هؤلاء هم الثوار الحقيقيون، يتمسكون بصورة جميلة لماضيهم وواقعهم ومستقبلهم وأحلامهم وأمانيهم، ولا يجارون الخصم في أساليبه لأنهم يعلمون أن في ذلك ضياعا للحدود الفاصلة بين الطرفين واضمحلالا للفروقات القائمة بينهما.
فلنلتفت قليلا إلى خطورة ما يقدم عليه شبابنا وأطفالنا وانعكاساته القاتلة على ثورتنا. إن عودة سريعة إلى الذات لهي كفيلة بتخليصنا من كل ما يقيدنا ويضغط على واقعنا ويحشرنا في عنق الزجاجة ويمنعنا من الإنعتاق. هذه هي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. ليلة القدر الحقيقية هي اللحظة التي نستعيد فيها قلوبنا ونطرد من عرصات نفوسنا كل خنوع وميل إلى الإنقباض وتقاعد عن الفاعلية ورغبة في التقهقر والتلاشي واقتناع بالتخلف بل واستحبابه وتقاعس عن المنافسة والعمل والإصلاح ومواكبة العصر.
خلاصة القول إن تعاطي المواد المخدرة وخصوصا القات والإدمان عليها والمتاجرة بها وتحويل استهلاكها إلى عادة أو تقليد أو طقس إجتماعي يشترك الكبار والصغار في تأديته، لهي أفعال لا تمت إلى الوعي الثوري بصلة، ولا ترجع إلى النباهة الفردية والإجتماعية بسبب، ولا تتصل إلى ثقافة التحرر والإعمار بنسب. إن التجهيل وإغراق المجتمعات بوسائل اللهو والإنحراف وإشغال الشباب بالحقوق الجزئية والقضايا الثانوية هي من أهم أساليب الإستعمار في تدمير المستعمَر وتمويته وتحويله عن واقعه والحيلولة دون ثورته وتقدمه. فلنتنبه جيدا إلى ما يغزو المجتمع الجنوبي من أفكار وثقافات غريبة ولنستدرك الخطأ الفادح الذي نرتكبه يوميا قبل أن يفوت الأوان ويحل وقت لا ينفع فيه الندم.
أخبار ذات صله