fbpx
الانقلابات الإفريقية..فرنسا تبكي على الاطلال

 

كتب/ علي عبدالله البجيري

تتساقط الانظمة السياسية الموالية لفرنسا كحجار الدومينو في غرب ووسط أفريقيا الواحدة تلو الأخرى. تغير ملحوظ يمس التوازنات السياسية والاقتصادية في القارة السمراء.
لن تكون جمهورية الغابون هي الأخيرة التي لحقت بركب النيجر وبوركينا فاسو ومالي وغينيا، لكي تصبح خامس دولة إفريقية في قبضة الجنرالات خلال السنتين الماضيتين، بل ستلحق أيضا دول أخرى طالما والأرث الاستعماري الاقتصادي لازال قائما، ومستمرا في نهب خيرات تلك البلدان ويستحوذ على ثرواتها.

انه التواجد الاستعماري الجديد الذي لازال يهيمن على مجتمعات تلك البلدان ويؤثر على ثقافتها وعاداتها بل ويتحكم بمسار نظمها السياسية ويتدخل في تعيين قياداتها على قاعدة التقاسم في نهب الثروات.

أحداث أفريقيا ،تأتي في ظل صراع دولي، وتحولات تشهدها القارة للخروج من قبضة الدول الغربية واحتكاراتها، باتجاه التنويع في علاقاتها الاقتصادية والسياسية، والتوجّه شرقاً نحو الصين وروسيا…ذلك أن الإرث الاستعماري لا يزال يخيم بثقله على الشعوب الإفريقية، التي ترى أن الدول الغربية “خرجت من الباب ورجعت من الشباك” تعيد إنتاج وتوريث الحكم لطبقات لا تلبي طموحات شعوب القارة، بل تحمي مصالحها فقط، وهنا يكمن سر التأييد الشعبي للانقلابات العسكرية من منطلق الرغبة في التخلص من التفوذ الاستعماري، على أمل أحداث تحولات اقتصادية تنقذ القاره من الفقر والتخلف.

ولعلي أطرح أمام القارئ بعض الملاحظات في ذات السياق:
اولاً : إن القاسم المشترك بين انقلابات القارة السمراء هوا أن الانقلابات “استقبلت بابتهاج وترحيب شعبي ” وهذا يعود لتدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية وتفشي الفساد في بنية السلطة العليا ، والدور المؤثر والمدمر للارث الاستعماري الفرنسي الأجنبي المسيطر على مقدرات تلك البلدان.
‏ثانيا : في الاربعين السنة الماضية شهدت القارة الافريقية نحو 100 محاولة ناجحة وتعد هذه النسبة عالية جدا مقارنة بعدد دولها البالغ 54 ،وهناك أسباب وعوامل أخرى كثيرة تؤجج الأوضاع وتؤدي إلى الانقلابات العسكرية، ومنها الفساد وتفشي الفقر ، وسوء إدارة الحكم، وتدني الأداء الاقتصادي.

ثالثاً : أن ظاهرة الصراع القائم بين النخب العسكرية، والنخب المدنية في عدد من الدول الأفريقية قاد في كثير من الاوقات إلى حسمه باستيلاء العسكريين على السلطة بحجج واهية ومعروفة خطابها بقول”بسط هيبة الدولة وحفظ أمنها واستقرارها من التشظي والانقسام”.

رابعا : كل القيادات العسكرية التي حكمت هذه القارة كانت فاشلة، ولم تحدث أي تغيير يذكر في مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، بل دخلت في إشكاليات كبيرة جداً انعكست سلباً على أوضاع البلاد، مما أدى إلى ظهور حركات مسلحة معارضة، فضلاً عن تفشي ظاهرة الصراعات والانقسامات المجتمعية، وهذا ما عايشته عن قرب في السودان وأرى نتائجه الكارثية اليوم.
خامسا : قضية الانقلابات العسكرية في أفريقيا لها علاقة أيضا بعوامل هيكلية ووظيفية، جعلت هذه القارة مهيأة دائماً لهذا النوع من الحكم، لقد أحدثت الحقب الاستعمارية إشكاليات في هيكلة دول القارة، لا سيما خلق بنية ذات طبيعة عسكرية، وجعلت المواطن الأفريقي تحت تسلط العسكر وهم وحدهم أصحاب الكلمة والقوة.
سادسا : عند حدوث” إنقلاب النيجر، جن جنون الرئيس الفرنسي ،ذهب إلى التهديد بالتدخل العسكري عبر الوكلاء قبل أن يتراجع خشية التورط في حرب لا نهاية لها، ولجأت دبلوماسية بلاده إلى التصعيد السياسي والاعلامي لعلها تنجح بالعقوبات، فيما عجزت عنه بالتدخل العسكري.

وفي حالة “إنقلاب الغابون” لم يكن هناك سند من داخل القارة مثل ” الإيكواس” ليوفر أي غطاء سياسي وعسكري،بل رأينا كيف يسوق الإعلام الفرنسي ومعه الاتحاد الأوروبي مبررات للانقلابيين،بان الانتخابات في “الغابون” شابها التزوير وهذا الموقف لم نسمعه قبل الانقلاب؟؟
سابعا : دعونا نأخذ “الغابون” على سبيل المثال لما تعانيه القارة من ظلم،. فعدد سكان هذه الدولة ب 2.3 مليون نسمة، وتعد صاحبة أعلى معدل دخل للفرد في إفريقيا بفضل ثرواتها الذهب واليورانيوم والنفط والغاز إضافة إلى “المنغنيز ” . ومع كل هذه الثروة فإن” ثلثي سكان هذا البلد يعيشون تحت خط الفقر بحسب تقارير دولية”.

ختاماً : لقد شيد الغرب حضارته على اجساد وجثث أبناء إفريقيا وخيراتها.. وحول القارة إلى مجرد” بقرة حلوب”يتحدثون عن إفريقيا، لكنهم يتناسون ما فعله أسلافهم بالقارة السمراء وبأهلها وخيراتها وتاريخها، وهذا ما ينبغي أن يُدرس وتتناقله أجيال اليوم والغد. لقد بدأ النهب المنظم لافريقيا منذ نحو سبعة قرون.. وكانت تلك المرحلة الأولى تحمل عنواناً بارزاً هو (سرقة الإنسان الأفريقي)، فعلى مدى أكثر من أربعة قرون كانت تجارة الرقيق المهنة الأساسية التي امتهنتها الدول الأروربية.والتاريخ يوثق أنَّ قرابة 12.5 مليون إفريقي قد شُحِنوا مُقيَّدين بالسلاسل عبر المحيط الأطلسي إلى الأمريكتين.ومنذ ذلك التاريخ والقارة السمراء تنهب بدءا من الإنسان والانتهاء بالثروة.
اليوم المشهد السياسي تغير وانتفضت إفريقيا مجددا مطالبة بحريتها وسيادتها وثرواتها ،ولهذا لم تكن الانقلابات الإفريقية مفاجئةً. لقد توافرت كل عوامل ونذر السخط الشعبي.إنها لعنة الظلم والفساد وتجويع الشعوب ونهب الثروات وكتابة دساتير تخدم الحُكام، وتحمي إلارث الاستعماري الغربي