مقالات للكاتب
كتب/ علي عبد الله البجيري.
لا يستطيع اي محلل سياسي أن يجزم بما تتضمنه خطط الدول الكبرى وخفايا حساباتها. فالاحداث في النزاع الروسي الأوكراني تجاوزت سقف التوقعات. والدور الأمريكي الغربي نجح في استفزاز وتوريط الدب الروسي في العمق الأوكراني رغم محاولات موسكو تجنبه. لقد نجحوا في إشعال حرب خطيرة بين شعبين متجاورين، ينتميان إلى القومية السلافية والكنيسة الارثذوكسية.
نعم لعبت أمريكا على كل المتناقضات، وقادت حركة دبلوماسية واعلامية نشطه لا سابق لها ففي يوم واحد بتاريخ 24 /مارس الماضي 2022 أنعقدت
ثلاث قمم في بروكسل, هي قمة حلف شمال الأطلسي/الناتو, وأُخرى للاتحاد الأوروبي, والثالثة للدول السبع ذات الاقتصادات الأقوى في العالم، وأهم قضية في القمم الثلاث ،مناقشة موضوع واحد عنوانه” كيفية مواجهة روسيا البوتينية”
الواضح أن هذه القمم قد وقفت على نتائج الحرب التي انقضى على اندلاعها خمسة اسابيع، وتمت عملية تقييم مجرياتها وما قدمته دول حلف شمال الأطلسي من أسلحة للدولة الأوكرانية وما يمكن أن تقدمه مستقبلا.
وأكدت هذه القمم على تطابق وجهات نظر القادة الاوروبيين في ممارسة المزيد من الضغط العسكري والمالي والاقتصادي ضد روسيا، بما يمنع موسكو من تحقيق اي نصر عسكري في اوكرانيا، مع التأكيد على عدم التدخل العسكري المباشر في الحرب.
صحيح ان دول حلف ” الناتو” اكدت على استعدادها التدخل المباشر فيما اذا تجاوزت العمليات الحربية الروسية خطوطها الحمراء، مما يفرض على الحلف تنفيذ المادة الخامسة من الميثاق للدفاع المشترك. وفي هذا السياق أعلن قادة الحلف بأن الناتو مستعد لتقديم ما لديه من أحدث الأسلحة الهجومية للجيش الأوكراني، إضافةالى تشكيل أربع مجموعات قتالية من قوات الناتو موزعة على رومانيا والمجر وبلغاريا وسلوفاكيا.
ويهمني هنا أن أسجل عددًا من الملاحظات حول تلك القمم الثلاث، ومسارات الحرب والاقتصاد والأسعار وأسوق ذلك في النقاط التالية:
اولاً..من الواضح أن القمم الثلاث قد بعثت برسالة واضحة إلى موسكو مفادها رفض المطالب الروسية بشأن عدم توسع حلف الناتو شرقاً، وتحقيق أمن متكافئ للدول، وسحب القوات القتالية الأطلسية من شرق أوروبا.
ثانياً.. اعتماد دول الناتو لانماط تكتيكية جديدة تجاه روسيا، تقوم على الاستنزاف العسكري في العمق الأوكراني، وشل حركة الاقتصاد الروسي، والتطبيق الصارم للعقوبات الدولية باتجاه خلق أزمات اقتصادية ومالية متفاقمه.
ثالثاً.. الغرب الأوربي يستخدم الأرض الأوكرانية وجيشها كخطوط دفاع أمامية ويضحي بشعبها دون اكتراث للقيم الاخلاقية ولا القوانين الانسانية.
الخاسر في هذه الحرب هو الشعب الأوكراني المعتدى عليه في أرضه وهو من يدفع الثمن ويشرد من وطنه، إنها الحرب تلقي بظلالها سلبا على دول العالم، وارتفاع الاسعار بينما توقفت الصادرات الأوكرانية
للقمح الذي تعتمد عليه دول كثيرة، مما يهدد الوضع الإنساني الغذائي العالمي.
رابعاً.. كشفت القمم الثلاث أن أميركا لن تقبل بنظام عالمي جديد، يكون بديلاً لنظام القطب الواحد الذي تتربع على قمته. وهذا النهج يعني أن الناتو لا يقبل بهيكلية أمنية جديدة في أوروبا والعالم، تشارك فيها روسيا والصين والهند ودول أخرى.
خامساً.. الرئيس الروسي بوتين أعلن أن روسيا لن تقبل بعد الآن مدفوعات بالدولار أو اليورو لشحنات الغاز..خبراء الاقتصاد وصفوا هذا القرار بأنه بمثابة “قنبلة اقتصادية” لبوتن بوجه الغرب.
ختاماً..قمم ثلاث أنهت أعمالها، والحرب مستمرة وتصريحات “بايدن ” ضد “بوتين” خرجت عن المألوف في العلاقات الدبلوماسية والعلاقات الدولية. فالصراع على المصالح وتنفيذ استراتيجيات الهيمنة والسيطرة، تؤكد أن الدول العظمى لم تعطي اي اعتبار لحق الشعوب في ان تعيش بسلام وأمان في اوطانها وإدارة ثرواتها وحماية سيادتها، كما أن الآمال بخلق نظام دولي جديد متعدد الأقطاب تعترضه كثيرا من التحديات الأمريكية والغربية، فهل تنجح الصين وروسيا والهند في تحقيق هذا الحلم وتعيد إلى العالم التوازن السياسي والاقتصادي والعسكري ، سؤال تجيب عليه مستجدات الاحداث في الأيام القادمة؟!