fbpx
مخاض عسير..وامتحان صعب

ضبابية المشهد..وتعقيدات الواقع الجنوبي العام التي يمر بها الجنوب حركت العقول والأقلام..وأعادت المشاعر والانفعالات..وأنطلق سباق الرصد والتحليل والمتابعة، واستشراق تداعياتها، بإختلاف سياقاتها وتعبيراتها..في وضع يسوده الضمور..وضع مختلط بمجد النصر، وذروة تسونامي الفساد الإحتلالي..وفي أجواء امتزجت فيه الحماسة بالإحباط..واليقين مع الشك..والتناقض بين الموجود والمفقود..وضع خدمي ومعيشي خانق..ومصاعب تشق على الناس في حياة كل يوم، أكثر بكثير مما نتصور، لأن الازمة التي أمسكت بخناق عدن خاصة، هي مثل عائمات الجليد القليل منها ظاهر فوق السطح، والكثير غاطس تحت الماء، وما كان فوق السطح أستطاعة السلطة المحلية بالمحافظة أن تمسك بما بدأ أمامها من خيوط شبكة لعبة الفساد،وفساد اللعبة، ذلك كان في حدود ما أستطاعت أن تراه من قبح ضفادع الفساد..الغطاء انكشف وسينكشف الكثير.

 

لعل من الحصافة الإستدلال في ضوء معاينة الواقع الحقيقي فإذا أنطلقنا من مسلمة، أن لكل فعل فاعل وله دافعا، وأن فهم هذا الفعل يفترض تشخيص وقائعة ومعرفة دوافعه ودلالاته الظاهرة منها وما خفي، فإنه يمكن القول إن ما يجري اليوم في الجنوب، لا يمكن فهمه بالتحليل والتفسير ولا تحديد مالآتها بالتوقعات، إلاّ من خلال معرفة موطن الفعل وفهم مساراته والفعالين فيه وكشف أدواته والدوافع المحركة له..فما نفهمه في هذه الحالات، أن ما يجري اليوم من إرث عبث العابثين، كان متوقعا، أن لم نقل مخططا له، لاسيما وايادي مافيا الاحتلال، تعبث بكل شيء فينا، ومفاتيح حياتنا بيدها..تخرجنا بقوة قادر من الظلمات إلى النور، ومن النور إلى الظلمات..والساحة اصبحت خلاء، يحرك فيها من يشاء..وما يهمنا من كل ذلك هو أن امزان السماء تمطرنا ليل ونهار، برصاصات الراجع، وعلى رؤوس أطفالنا.

 

وضع الحال التي آلت إليه الأمور ليس اكتشافا جديداً، بقدر ما هي عوامل تتداخل فيها مخلفات وبقايا نظام الإحتلال

ويتداخل فيه فاعلون مختلفون، لا سيما وتاريخ عفن هذا الفساد تتجذر في ذهنيات بطون حيتانه، وديدان الشراكة، فأجتثاث بنيان هذه التركة المثقلة ليس أمرا هينا، وليس مجرد شعار أو تمني ساذج لأن الأمر يتعلق بجهدا وطنيا مخلصا، يشترك فيه الجميع المسنود بضرورة أن تجتمع الإرادة والحقيقة والثقة والمصداقية والتسامح والالتزام، في نفس الموقف، إذا سلمنا بحسن المنطق، ومصداقية النوايا..

ويبدوا أننا بحاجة إلى وقت ينقلنا من واقع الفساد إلى واقع منطق الاستحقاق والنزاهة..ومن المحسوبية إلى تكافؤ الفرص..ومن معركة الشرعنة إلى معركة الوجود..ومن واقع التفكك والتشرذم إلى واقع الكيان (الحامل) السياسي الجنوبي الموحد، والقيادة السياسية الموحدة..ومن مشروع الأقلمة إلى دولة الجنوب العربي الفيدرالية المستقلة.

بناء على هذه المعطيات ومن الناحية الواقعية والمنطقية يمكن القول إن الموقف الداعم والمساند للقيادات الثورية الجنوبية الشابة التي تمسك اليوم زمام إدارة شؤون المحافظات الجنوبية المحررة..أصبحت حقائق الواقع السياسي الناشئ ما بعد الحرب تفرض دواعي هذا الموقف، إنطلاقا من المصلحة العليا لشعب الجنوب..ومن الشعور بعظمة هذا الشعب وكبريائه..فالجنوب بحاجة اليوم إلى كل رجاله وأبنائه الشرفاء.

 

وينبغي في هذا السياق التذكير بأن قبول تحدي تلك الرموز القيادية الجنوبية المناضلة إدارة شؤون محافظاتها، ليس إلا تقديم أنفسهم من جديد كمشروع إستشهاد وتضحية في أن ترتفع بهدف التحرير والاستقلال، إلى مستوى إنتصاره الناجز والنهائي.

نعم هؤلاء القادة يمروا مع شعبهم اليوم بظروف حرجة للغاية..تتكاثر عليهم الضغوط، والحكومة الضائعة والتائهة خارج الحدود مشغولة بمبادرة ولد الشيخ وتصريحات كيري..أهمها ضغوط الحقائق الإقتصادية والإجتماعية والخدمية والأمنية، ومن المفيد القول أن الأخيرة وصلت بشهادة الجميع إلى مستوى غير متوقع من الاستقرار والنجاح الأمني.

 

لهذا فلم يعد من الممكن أن تترك تلك القيادات الجنوبية الإستشهادية لوحدها..فهي تحتاج إلى من يساندها وإلى من يقف إلى جانبها..لا نتركها أمام من يزرع في طريقها العقبات والعراقيل أو أمام من يتمسكون بسلوك يحاط بمفاقمة المناكفات والتشكيك التي تسقط عليها الإتهامات تارة بتكريس سياسات شرعنة سلطة الإحتلال وتارة ببيع القضية وحرفها عن مسار أهدافها الحقيقية، والآخر الإتجار بدماء الشهداء..وهناك إستدعاء أقاويل تذهب بإتجاه مناطقية هذه القيادات على شكل تحريض، وبإمكان هذه التحريضات، بمنحاها المناطقي أن تزود تلك الأقاويل بالوقود، لتشعل فتيل نار الفتنة والتفرقة، التي لا يقبلها شعب الجنوب تحيت أي ظرف كان، ليس هذا بما إستشهدنا به محاججة للدفاع عن القيادات الجنوبية التي نحن بصدد الحديث عنها، بل هو الدعوة إلى أنه لإمر أساسي لسنا بحاجته، ووضعنا أمام لحظات خطر، إلى المزايدات والقفز على الواقع وتكريس نوازع المناطقية والتفرقة..

فهذه مرحلة هي بحاجة تفعيل النقد العقلاني الموضوعي المتزن..وبحاجة إلى ثورة تصحيحية لاخلاقياتنا اولا، حتى نعيد التوازن والمنطق إلى ما ينتج عنا من أقوال وافعال.

والسؤال الإفتراضي هنا الذي لا يبخس أو يقلل من كفاءات وقدرات الآخرين..هو من يقبل أو يرضى بأن يتحمل المسؤولية في مثل هذه الظروف..؟ وفي الواقع أزدادت الأعباء وأتسع الرتق على الراتق لأن العبئ أضافت إليه أعباء..وأيادي الهدم والتخريب معاولها لن تتوقف والحمولات الثقيلة زادت في تسارع النزول بإكثر ما يمكن أن تمسك به الرافعات..والآن من يقبل من يمد يده ليمنع الإرتطام في القاع؟ من يقبل المسؤولية؟ واهم ذلك من يقدر؟

والله المستعان