fbpx
مهازل الساسة والسياسة: موقف المشترك من الانتخابات نموذجاً

مهازل الساسة والسياسة: موقف المشترك من الانتخابات نموذجاً

أمين اليافعي

ذاكرة شعوب العالم الثالث هي ذاكرة وقتية، قصيرة، وهي أشبه بمحطة “ترانزيت” نادراً ما تحتفظ بأشياء ومعلومات تخص الأحداث التي تشهدها، ولو وُجِد أن كانت هناك عملية “اختزان” عارضة فمردها، في الأساس، حدوث خطأ ما في التقدير!


هذه الذاكرة التي تميل إلى النسيان، وعل عجلٍ تطوي صفحاتها، هي أكثر ما يراهن عليها السياسيون (مع كل الاعتذار لهذا “المصطلح” الراقي الذي يأتي ـ في قواميس اللغة ـ من الجذر “ساس” والذي يعني القيام على الشيء بما يصلحه) لإمرار مواقفهم وممارساتهم المتقلبة جذرياً تجاه ذات الحدث، وخلال مدة زمنية خاطفة،  حتى وكأن الجمهور الذي يتعاطون معه هو مجموعة من الأطفال الصغار السذج أو المعوّقين ذهنيّا على حد تعبير نعوم تشومسكي في وصاياه العشر “لإستراتيجية السيطرة”!


دعونا نتطرق سريعاً ـ في هذا المقال ـ إلى أحد مواضيع الساعة الساخنة في اليمن، وهو موقف “أحزاب اللقاء المشترك” من الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 21 فبراير الجاري، ونقارنه بما كان عليه موقفها من ذات الموضوع قبيل قيام الثورة.


فأحزاب اللقاء المشترك التي أعلنت تأييدها للثورة في وقتٍ متأخر بعض الشيء، أي بعد مرور شهرٍ كامل على خروج الشباب إلى الساحات، وكانت خلال هذه الفترة منشغلة بدعوة النظام إلى مواصلة الحوار معها، وهو الحوار الذي بدأ منذ وقت مبكر، اعتبرت ـ هده الأحزاب ـ الزحف يوم 21 فبراير إلى صناديق الاقتراع سيكون صناعة التاريخ وبناء اليمن الجديد الذي ينشده الشعب في الانتخابات. كما دأبت، في الأيام الأخيرة، على وصف كل من يدعو إلى مقاطعة الانتخابات بأوصافٍ شتى، فبين التخريب والفوضى، ومشاريع مشبوهة إلى الاتهام بدعم صالح في البقاء بالسلطة.


فما كان موقف هذه الأحزاب قبل قيام الثورة من أي عملية انتخابية مقبلة؟


تقول في رؤية أصدرتها بتاريخ 7 مارس 2006 بخصوص إصلاح الإدارة الانتخابية والنظام الانتخابي جاءت تحت عنوان “رؤية اللقاء المشترك: لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة وعادلة” ما نصّه: «أثبتت التجارب الانتخابية السابقة، وبما لا يدع مجالا للشك، بأن مصداقية العملية الانتخابية تتوقف في المقام الأول على استقلالية وحيادية الإدارة الانتخابية، التي تحتل اللجنة العليا للانتخابات موقع الصدارة فيها نظراً للدور المحوري الذي تضطلع به كأعلى سلطة لإدارة العملية الانتخابية».


وتضيف قائلة: « الأمر الذي لا يتوفر للجنة الحالية والتي سجلت على نفسها قائمة طويلة من الأخطاء والتجاوزات والمخالفات والجرائم الانتخابية أفقدتها صفة الحيادية والجدارة في إدارة عملية انتخابية ناجحة، تبعث الطمأنينة والثقة بها وبنتائجها لدى الأحزاب والتنظيمات السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، وكل أبناء الشعب »، وقد عدّدت قائمة طويلة بالمخالفات والاختلالات والتجاوزات المرتكبة.


وتقول في مقدمة نفس الرؤية: « لم يعد مقبولاً اليوم تكرار استنساخ التجارب الانتخابية السابقة بمختلف أشكالها (البرلمانية والمحلية والرئاسية) بما رافقها من اختلالات وانتهاكات سافرة للدستور والقانون و تزوير إرادة الناخبين، وبما أفرزته من نتائج مشوهة ومنقوصة الشرعية، ساهمت سلباً في الحيلولة دون تراكم عوامل التغيير والتحول السلمي الديمقراطي المنشود، مكرسة مظاهر الديمقراطية الشكلية ، وإعادة إنتاج السلطة لذاتها في مشهد ديكوري يفرغ التعددية الحزبية من مضامينها السياسية والديمقراطية، تنعدم معها أي إمكانية للتداول السلمي للسلطة. الأمر الذي يفرض ضرورة العمل على إيجاد بيئة انتخابية تتوفر لها شروط حياد الإدارة الانتخابية ونزاهتها وشفافيتها، ومناخ سياسي ملائم يتيح فرص المنافسة الديمقراطية المتكافئة وفقا للدستور والقانون ».


وخلال السنوات اللاحقة لصدور هذه الرؤية، ظلّت العملية الانتخابية بما هي عليه من مخالفات واختلالات وتجاوزات وجرائم؛ فلم يتم إجراء أي تعديلات دستورية لإصلاحها وتطويرها، ولم يُعاد تشكيل قوائم اللجنة العليا للانتخابات أو يتم أي تصحيح وتنقية لجداول الناخبين كما دعت الرؤية.


وفي الاجتماع الاستثنائي لأحزاب اللقاء المشترك المنعقد بتاريخ 28 سبتمبر 2010 (أي قُبيل أشهر قليلة من الثورة)، جددت هذه الأحزاب تأكيدها على أن اللجنة العليا للانتخابات هي لجنة “فاقدة للشرعية”. فيما انتقد الشيخ حميد الأحمد، وهو القطب البارز في حزب الإصلاح، في الاجتماع الأول لقائمة الـ(100) الممثلة لأحزاب اللقاء المشترك وشركائها في لجنة الحوار الوطني مع حزب المؤتمر الحاكم وحلفائه، أنتقد الشيخ بشدة إصرار السلطة على اختصار أزمات اليمن في الانتخابات.


وكانت أحزاب اللقاء المشترك قد أوقفت الحوار (الذي لم يتوقف، في الحقيقة، قط؛ لا قبل الثورة ولا بد الثورة) عدة مرات نتيجة تجاهل الحزب الحاكم لدعواتها المتكررة والمطالبة بضرورة إصلاح الإدارة الانتخابية والنظام الانتخابي وتعديل قانون الانتخابات وتقويم السجل الانتخابي قبل الذهاب في أي ترتيبات أخرى.


ومن الطريف في الأمر، أن نائب الرئيس عبدربه منصور هادي، والمرشح التوافقي في الانتخابات الرئاسية الحالية، كان قد دعا في تصريح له نشرته صحيفة “الميثاق” (التابعة لحزب المؤتمر الحاكم) بتاريخ 1 نوفمبر 2010 أحزاب اللقاء المشترك بالعودة إلى جادة الصواب وتغليب المصلحة الوطنية العليا والمضي قدماً للوصول إلى إجراء الانتخابات، مضيفاً في ذات التصريح: « إن المشترك لو عمل على تنفيذ اتفاق فبراير خلال العامين الماضيين لحلت مختلف القضايا العالقة وأهمها التعديلات الدستورية وتعديل قانون الانتخابات والاستفتاء وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات، ولما وصلنا إلى ما أوصلنا إليه المشترك من انسداد في مسار الحوار الوطني بسبب تهربه ومحاولته تعطيل إجراء الانتخابات والتنصل عن اتفاقي فبراير، و17 يوليو التي سعى جاهداً لإشغال الرأي العام والساحة الوطنية بقضايا وجزئيات لا علاقة لها بمتطلبات الحوار الجاد و المسؤول ولا بتنفيذ الاتفاقات».


فهل أدركت أحزاب اللقاء المشترك الآن “جادة الصواب” التي دعاها إلى العودة إليها الحزب الحاكم في السابق، وقبل قيام الثورة؟


لقد أكدت أحزاب اللقاء المشترك بسلوكها في الموافقة على دعم انتخابات رئاسية تتطلع إلى أن تبنى عليها مستقبل البلد وفي ظل مخالفات واختلالات وتجاوزات (فظيعة) تشوب العملية الانتخابية برمتها على أن الإجراءات المتبعة من قبل النظام الحاكم في السابق كانت إجراءات شرعية وقانونية ونزيهة وشفافة، وبالتالي فهي تؤكد، وبصورة غير مباشرة، ما كان يقوله علي عبدالله صالح في أن خروجها على نظامه المستمد شرعيته من الشرعية الدستورية ما هو إلا محاولة للانقلاب على الشرعية الدستورية!


فمن الذي، إذن، لا يريد لهذا النظام (المجرم) أن يرحل، ويحول بقوة دون سقوطه المدوي؟!


كان هذا بعضاً من فصول مسرحية الانتخابات الهزلية التي أردنا أن ننعش بها الذاكرة بعض الشيء، وقد حاولنا هنا أن نتعرض للانتخابات بما هي إجراء منفصل وبغض النظر لمخالفتها الصريحة لنصوص الدستور كونها ليست بانتخابات تنافسية وتُجرى حول مرشح توافقي وحيد، وتلك مهزلة أخرى، تُضاف إلى قائمة المهازل المستمرة!