fbpx
ثورة شعبية أم صراع طائفي؟! ، أين مصلحة السنة العرب؟ الشيخ | عبدالرب السلامي
شارك الخبر
ثورة شعبية أم صراع طائفي؟! ، أين مصلحة السنة العرب؟ الشيخ | عبدالرب السلامي

بعد انقضاء عهد الائمة الاثناء عشر وظهور الاعتقاد برجعة صاحب السرداب منذ القرن الثالث الهجري أصبحت الاثناعشرية مجرد طائفة دينية لا أثر لها في الواقع السياسي، حيث اصبح من أصول الاثناعشرية اعتزال السياسة وتعطيل الجهاد حتى يخرج المهدي المنتظر، وظلت هذه عقيدتهم على مدى حوالي ألف عام تقريبا، وهذا هو التفسير في عدم وجود تأريخ لصراع طائفي بينهم وبين أهل السنة طوال تلك القرون الطويلة..
في العهد الصفوي وجدت الفرقة الاثناعشرية داعم سياسي لانتشارها في إيران، حيث أصبحت المذهب الرسمي للدولة الصفوية التي سعت للمزج بين ماهو ديني اثناعشري وماهو قومي فارسي، وفي أوائل القرن الماضي أحيت الحركات القومية الفارسية الروح الشعوبية في شيعة الفرس ضد العرب والاتراك، فتكونت الدولة الإيرانية في عهدها الحديث على أساس الانتماء المركب القومي والطائفي، لكن المرجعيات الدينية الشيعية التقليدية -طوال حكم الدولة الصفوية ثم في فترة حكم الشاهنشانات من بعدها- ظلت بعيدة عن ممارسة السياسية بمفهومها المباشر، وظلت ملتزمه بدورها الديني التقليدي.. حتى جاء الإمام الخميني في النصف الثاني من القرن الماضي بتبني نظرية “الولي الفقيه” وهي نظرية شاذة في الفكر الشيعي، وملخصها ان الفقيه المجتهد يقوم مقام المهدي المنتظر في فترة الغيبة!، وبحسب تلك النظرية تقوم “دولة الولي الفقيه” مقام الإمام الغائب الى حين خروجه!، وهذه نظرية جديدة ليس لها في المذهب الشيعي سلف معتبر.. وقد وجدت النظرية الخمينية معارضة شديدة من المرجعيات التقليدية باعتبار نظرية الولي الفقيه خروجا وافتئاتا على حق صاحب الزمان الغائب!، ولاتزال تلك المعارضة الدينية للنظرية قائمة الى اليوم لاسيما في أوساط طلاب العلوم الدينية.
بالجمع بين “الصفوية” و”الخمينية” تشكل مشروع الثورة الاسلامية في إيران على أساس قومي طائفي استبدادي توسعي.. فهو مشروع “قومي فارسي من الناحية القومية، وطائفي رافضي من الناحية الدينية، ونظام كهنوتي استبدادي يحتكره الملالي من الناحية السياسية، ومشروع توسعي استعماري من الناحية الاستراتيجية”.
يوجد لهذا المشروع خصوم ومخالفين كثر من داخل الصف الشيعي ذاته، لكن الإعلام الايراني والإعلام الغربي والعربي يحرص على عدم ابراز الصراع الشيعي الداخلي لأسباب كثيرة بعضها يعود إلى تخلف الآلة الإعلامية العربية وبعضها يعود لسياسات القوى الكبرى تجاه مستقبل الصراع في المنطقة!
فلو كان للعرب السنة مشروع استراتيجي متكامل فإنهم سيستطيعون احداث اختراقات في الوسط الشيعي ويمكنهم الاستفادة من الخلاف الشيعي الداخلي لصالح المشروع السني العام، فهناك تيارات دينية وسياسية واجتماعية شيعية معارضة للمشروع الصفوي الخميني يمكن لأهل السنة الالتقاء معها لمصلحة مشروع الأمة “الاستراتيجي” إن وجد طبعا!!.
وأبرز تلك التيارات:
1-الشيعة العرب، وهم تيار عريض في العراق، ولهم مرجعيات ترفض مرجعية السستاني الفارسي، وقد نجح القوميون العرب في فترات ماضية في كسب ولاء الاقليات الشيعية العربية وتجنيدها ضمن مشروع وطني قومي ضد المشروع الفارسي.. ولايزال هناك قبول من الشيعة العرب في التحالف مع السنة العرب ضد المشروع التوسعي الإيراني ففي السنوات الأخيرة كان هناك تقارب بين الإمام الخالصي وهو مرجع كبير في العراق، والشيخ حارث الضاري رئيس هيئة علماء المسلمين السنة في العراق، وهو ما أزعج حكومة المالكي والمرجعيات المرتبطة بإيران، ولعدم وجود دولة عربية يمكن ان ترعى مثل هكذا تقارب فإن مستوى النجاح في التقارب بقي محدودا لكنه سيظل قابلا للإحياء والنمو!..
2-التيار الشيعي التقليدي الذي يرفض نظرية الولي الفقيه، وهذا تيار عريض معارض داخل ايران نفسها وفي العراق ايضا، وله اتباع وأنصار وبالذات داخل الحوزات العلمية، ويقوده مرجعيات كبار لاتعترف بمرجعية الخميني وخاميني، ومرجعياته لاتزال على أصل المذهب الاثناعشري القديم، يرون اعتزال السياسة وتعطيل الجهاد في ظل غيبة المهدي ويرفضون نظرية الثورة الاسلامية الشيعية. هذا التيار منغلق دينيا، ولن يفتح آفاق للتحالف السياسي مع السنة، لكن من مصلحة أهل السنة دعمه لتوسيع دائرة المعارضة الداخلية لنظام الملالي في طهران.
3-التيار الليبرالي العلماني في إيران المعارض لنظام الملالي الديكتاتوري والمنادي بإقامة دولة مدنية ديمقراطية.. في رأيي إن من مصلحة أهل السنة ان تقام دولة مدنية في إيران على أنقاض حكم الملالي الاستبدادي!، وبالتالي فأفضل حليف لأهل السنة في هذا الاتجاه هم العلمانيون والليبراليون الإيرانيون، أما في العراق فيوجد تيار وطني من الليبراليين الشيعية يرفض الطائفية السياسية، وقد وجدت تحالفات -لاتزال الى الان هشة- مع الأحزاب السنية في كتل وقوائم سياسية من أشهرها قائمة إياد علاوي، فوجود هذا التيار من الناحية السياسية في مقابل التيار الطائفي الذي يتبناه المالكي والصدر والحكيم لاشك أنه في مصلحة السنة العرب.
من الناحية السياسية والدعوية يحتاج اهل السنة الى الانفتاح على المجموعات الثلاث الانف ذكرها في سبيل دفع التوسع الفارسي والصراع الطائفي..
أما من الناحية العسكرية فلاشك ان العرب السنة يواجهون اليوم عدوا شعوبيا طائفيا لديه استراتيجية “صفرية” في الصراع، وكما هو معلوم إن الصراع الصفري هو صراع وجود، لاتنفع معه الاستراتيجية “النسبية” وهذا مايفرض على أهل السنة أخذ العدة اللازمة لمواجهة هذا المشروع الاستئصالي.. لكن يبقى السؤال قائما: تحت أي راية يمكن إدارة مثل هكذا صراع؟!
في نظري ليس من مصلحة أهل السنة خوض الصراع مع المشروع الإيراني تحت راية طائفية مذهبية، لأن رفع مثل ذلك الشعار سيحول أهل السنة من مستوى “أمة” إلى مجرد طائفة، وهنا سيتحول الصراع على مستوى العالم الاسلامي الى صراع ندي بين طائفتين!، وهذا هو مايتمناه صناع المشروع الفارسي التوسعي، لأن الشيعة هم الأقلية مقارنة بأهل السنة التي لاتزال تمثل السواد الأعظم في الأمة، وبنقل المعركة من بعدها القومي والسياسي إلى بعدها الطائفي يكون الطرف السني هو الخاسر قطعا، حيث سينجح الطرف الإيراني حينئذ في نقل المعركة من مستواها القطري المحلي الى مستوى إقليمي وعالمي، وهو مايعني اختراق للعمق السني وتمزيق لنسيج الأمة!
لذا على أهل السنة أن لايتعاملوا في خطابهم السياسي والإعلامي والدعوي وفي إدارة صراعهم مع المشروع الفارسي الطائفي من منطلق انهم “طائفة” في مقابل طائفة أخرى، ولكن من منطلق أنهم “أمة” في مواجهة طائفة متطرفة، ومن هذا المنطلق يكون من مصلحة أهل السنة داخل دولهم الوطنية القطرية أن يتجنبوا الشعار الطائفي ويحرصوا بكافة تكويناتهم على التزام الشعار “الوطني” في مواجهة الشعار “الطائفي” للطرف الآخر.. 
وقد أعجبني كثيرا الموقف الملتزم لهيئة علماء المسلمين في العراق وفصائل الثورة المعتدلة القريبة منها، التي حرصت منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م الى اليوم على التزام البعد الوطني في خطابها السياسي والاعلامي والدعوي وفي مواقفها الميدانية في ساحات المقاومة والثورة.. فإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على وجود فقه شرعي وواقعي لدى علماء تلك الهيئة ولدى قادة تلك الجماعات، ويمكن اعتبارها بارقة أمل في نضج المشروع السني.. 
لكن تأثير القوى المجتمعية في مواجهة مشاريع الدول التوسعية سيظل محدود جدا مالم يصبح للمشروع العربي السني قوة إقليمية تحمله موازية للقوة الإيرانية!.. وبالنظر إلى الوضع المهترئ للأنظمة العربية الوظيفية يمكننا القول أن المعادلة ستظل مختلة لصالح تمزيق نسيج الأمة العربية والاسلامية.. لكن الأمل يبقى -رغم كل المؤامرات- معقودا على ثورات الشعوب العربية التي قد تقلب المعادلة برمتها يوما ما بإذن الله..

أخبار ذات صله