fbpx
في وادِ العراقة والأصالة ..وادي العرقة – ذي ناخب


يوم الخميس الماضي كانت زيارتي الخاطفة الثانية لوادي العرقة.. الذي يدل اسمه على عراقته التاريخية وأصالته وتؤكده الشواهد والحصون المنيعة التي تتسلق الجبال وتعلو القمم النائفة التي تحتضن الوادي في عشق أزلي.. ولي حديث قادم عن هذا الموضوع..
كانت المناسبة مشاركتنا في موكب (شواعة) العريس الشاب عبدالله صالح أحمد (عبادي) بن علاية بدعوة كريمة من الصديقين حسن حبش بن علاية (عم العريس) وعبدالله حسين القحيم.. ورغم وعثاء السفر وصعوبة الطريق الجبلية بمنحنياتها الضيقة التي شقها المواطنون في بطون الجبال..إلا أن ما يثير الاعجاب والتقدير أنهم خففوا من صعوبتها بأن فرشوها بالاسمنت وهو أمر ما كان أن يتحقق لولا تعاون وتكاتف جهود سكان قرى وادي العرقة على شق هذه الطريق الجبلية الصعبة مع استمرارهم في أعمال صيانتها عند أية اضرار تصيبها جراء السيول..فلهم كل الشكر والعرفان على هذا العمل العظيم ..
عند وصولنا قرية (الحوطة)، حيث أهل العروس، كان الاستقبال من المرحبين حارا وعبروا عن ذلك بطلقات الرصاص الحية التي رددت أصداءها الجبال المحيطة… وبالزوامل الترحيبية ..ثم تلى ذلك اصطفاف الناس في الرماية إلفردية والجماعية حيث تم توجيه فوهات البنادق بدقة لتصويب الأهداف التي وضعت في الجهة المقابلة وفي ذلك تمرين وتدريب للشباب والفتيان على استخدام الأسلحة وتعلم الرماية والتصويب الدقيق على الأهداف المحددة ، وهذه هي عادة متبعة في أفراح الزواج في مناطق يافع ، وقد علمني والدي رحمه الله في طفولتي الرماية في مثل هذه المناسبات وغيرها.. وقد رأيت الأهداف في الجهة المقابلة من الوادي تتطاير بعد أن اصابتها الرصاصات المنطلقة بكثافة بحيث يصعب تمييز من الذي أصاب كل هدف لكثرة الرماة وكثافة الرصاص المنطلق من فوهات البنادق المختلفة .
لم اسجل كل الزوامل التي قيلت .. فبالقدر الذي انتظم زامل المرحبين وعلت اصواتهم ..وجدنا صعوبة في ترديد الزامل الذي نظمه مرافقنا الشاعر القدير محمد عبدالله أبو حمدي لأن موكب الشواعة غالبيته من الشباب الذين جاؤا من عدن ولم يألفوا ترديد مثل هذه الزوامل …وبعد استكمال مراسيم الترحيب تم دخولنا المجلس وجاء زامل الترحيب من قبل الشاعر محمد مبارك مرزوق (أبو نائف) يقول فيه:

يا مرحبا حيا بذي جو عندنا
يدهم على لشعاب لا راس الطفوف
حيا ابو حمدي وذي جاؤا معه
يا ردف جنبي ذي تقضون الشفوف
بتخبرك هو شي معك ليِّه خبر
من أهل لحمر يا أسوفي بالأسوف
شلوا علينا كل شي من أرضنا
والنفط والبترول وأعياني تشوف

وعلى الفور ارتجل الشاعر القدير أبو حمدي الرد التالي:

الله يحيي كل من حيا بنا
لكّين في لكّين ما يحصى ألوف
راحت علينا جوهره حد شافها
والجوهره معروف من خمسه حروف
والثانيه تسأل على صنعاء اليمن
يا ريت أبوهم من قفا تاك الدّهوف
ما تستوي شي الناس في أرض اليمن
واحد بيتسحّر وحد صايم عطوف

وشارك زميلنا في الرحلة الشاعر علي حسين معرج الحسني بالأبيالت التالية:

سلام يا يافع بلاد الناخبي
سلام ما الطايف على الكعبه يطوف
سلام من أبين ومن بندر عدن
وابناء دثينه جنب أبو صالح وقوف
الله يحيي كل من حيا بنا
يا العيلمان الزين ذي ما له وصوف
الأرض موصوفه بطيبة أهلها
أهل الكرم والجود في كل الظروف

ولأن الرحلة كانت قصيرة..والعريس مستعجل على العودة بموكبه بعد أن ظفر بعروسته – وهو محق في ذلك – فبمجرد تناول وجبة الغداء والراحة قليلا لاستعادت الأنفاس من تعب السفر ، حتى كان علينا أن نغادر وادي العرقة في عصر نفس اليوم الخميس بموكب من ست سيارات .. وعند المغادرة ، قال الشاعر محمد مبارك مرزوق:

يا أصحابنا ودعتكم رب السماء
من وادنا ذا بالسِيَل هي والعطوف
محزاتك الوحده وماشي اتطّبّقه
وضيعونا بالملاوي والكهوف

وودعنا العرقة على عجل ، كما هو الحال في زيارتي الأولى في رمضان من العام الماضي .. وكاد رفيق رحلتنا الأخ سالم علوي بن علاية الذي ركبنا برفقته في سيارته أن يطوي بنا تعرجات الطريق ومنحنايتها في مجرى السيل طيا بسرعة كبيرة حتى أثار عاصفة الغبار من حولنا بغرض اللحاق بسيارة العريس التي سبقتنا ..فرجوناه التريث وتهدئة السرعة ليتسنى لنا الاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة والتخفيف من الشد النفسي والعضلي الذي انتابنا جراء السرعة في سياقته للسيارة ..ففعل مشكورا وكان ماهرا في سياقته في هذه الطرق التي اعتاد عليها منذ وقت مبكر من شبابه حيث كان يجلب بضائع ومواد استهلاكية يزود بها دكان والده في قريته قبل أن يغادر مسقط راسه إلى المهجر , كما قال..
وبعد أن بلغنا قمة الطريق الجبلية التي تتلوى بمنحنايتها كالأفعى تنفسنا الصعداء .. خاصة بعض الشباب الذين زاروا العرقة للمرة الأولى وأدهشتهم تلك الطريق الجبلية ..
ومن جانبي التفت إلى الوادي الذي يزهو بخضرته ويزدان بحصونه وقصوره الثرية في الأسفل وأنا أقول في نفسي:
وداعا يا واد العراقة والأصالة … والأمل أن نعود إليك للتعرف أكثر على خفاياك واسرارك التي تكتنزها الشواهد التاريخية والعمرانية القديمة وننهل من ينابيع التراث التي تختزنه ذاكرة الناس الطيبين والودودين.