للوثائق التاريخية قيمتها العالية في دراسة التاريخ، سواء كانت تلك الوثائق نقوشًا أم مراسلات أم صورًا أم عقود ملكيات أم غيرها، ويستطيع الباحث أن يستخرج منها كثيرًا من التاريخ المنسي وأن يستنطق من طياتها أمورًا صمت الدهر عنها قرونًا طويلة.

وبين يديَّ الآن كتابان رائعان لأستاذنا د.علي صالح الخلاقي ، الأكاديمي والباحث والكاتب النشيط وصاحب المؤلفات المتنوعة في التاريخ والتراث الشعبي والترجمة، يحمل أحد الكتابين عنوان (الصراع الكَسادي البُرَيْكي في وثائق تنشر لأول مرة)، والآخر (حملة بن قَمْلا الوهّابية على حضرموت – القرن الثالث عشر الهجري- ما لها وما عليها مع وثائق تاريخية تنشر للمرة الأولى)، وهما كتابان مصدريّان وأوليان في موضوعيهما، ويشترك الكتابان في قواسم مشتركة، منها:

– أنهما يدرسان جوانب مجهولة من التاريخ العربي الحضرمي في القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي).

– أن الدراستين تدوران حول وثائق تاريخية تنشر للمرة الأولى، بلغت في الكتاب الأول (الصراع الكسادي البريكي) 19 وثيقة، وبلغت في الكتاب الثاني (حملة بن قملا) 24 وثيقة.

– أن مصدر هذه الوثائق من محفوظات قضاة يافع وفقهائها آل علي حيدر بن عز الدين البكري اليافعي في بني بكر بيافع، مما تفضّل بتصويره الشيخ الفاضل أبو نصر ناصر علي محمد ابن عز الدين البكري جزاه الله خيرا.

– قام المؤلف في كلٍّ منهما بكتابة دراسة تاريخية لمدلول الوثائق وما ترتبط به من أحداث مع الربط أحيانًا بما ورد في بعض المصادر التاريخية الحضرمية، ثم قام بإعادة ترجمة الوثائق وضبطها، وأورد في الملاحق صورًا لجميع الوثائق التي اعتمد عليها.

– يعطي الكتابان صورة واضحة للصراع المحتدم الذي ساد حضرموت طوال القرن الثالث عشر الهجري في جوانبه الدينية والسياسية والقبلية والذي أدى في النهاية إلى قيام السلطنة القعيطية التي قضت على أكثر الكيانات المتصارعة في حضرموت.

– لا غنى عن الكتابين لمن أراد دراسة تاريخ حضرموت في القرن الثالث عشر الهجري، أو على وجه الخصوص تاريخ الوجود اليافعي بحضرموت في ذلك القرن الغابر.

– كلا الكتابين صدرا في طبعتهما الأولى هذا العام 2021م.

ويختص كل كتاب من الكتابين بما يلي:

– صدر كتاب (الصراع الكسادي البريكي) عن مركز حضرموت للدراسات التاريخية في المكلا في 150 صفحة، مقاس (14×21 سم) وهو الكتاب الثالث الذي يصدره المركز ضمن سلسلة (وثائق)، بينما صدر كتاب (حملة بن قملا) عن مطابع وحدين بالمكلا في 144 صفحة مقاس (16.5× 24 سم).

– يعد كتاب (حملة ابن قملا) أول كتاب مطبوع في موضوعه، وإن تزامن معه كتاب آخر في الموضوع نفسه صدرت نسخته الأوّلية مؤخرًا في تريم بحضرموت للباحث أحمد صالح الرباكي، ولم أطّلع عليه بعد.

– مع أن موضوع حملة ابن قملا حساس من الناحية التاريخية والمذهبية نظرًا للنزاع الفكري الطويل بين المدرستين السلفية (الوهابية) والصوفية بحضرموت وغيرها، إلا أن المؤلف تخلّص من هذه المشكلة بالحيادية في الطرح، فأورد الأحداث كما شهدت بها الوثائق، سواء كانت تلك الأحداث لصالح هذه الأطراف أو عليها.

وفي النهاية أتوجه بالشكر للبروف علي صالح الخلاقي، وأتمنى أن يستمر في مضمار العطاء النافع، وأتمنى من كل مَن يملك شيئًا من هذه الوثائق القيمة أن يجود بتصويرها للباحثين، لأنها ستكون عونًا لاستخراج مكنون الماضي قبل أن تضيع هذه الوثائق وتندثر دون أن يستفيد منها أحد.

نادر سعد العُمَري

عدن – يوم عاشوراء 1443هـ

18/8/ 2021م