fbpx
لعنة الثروات الطبيعية تطارد الدول الأفريقية وبينها الجزائر وليبيا
شارك الخبر

يافع نيوز – العرب الللندنية

يجد بعض الخبراء أنفسهم مجبرين على الربط بين غنى بعض البلدان الأفريقية بالموارد الطبيعية وحالات الصراع والأطماع الخارجية التي تعصف بتلك البلدان. وتزداد حالة الترابط عند النظر الى تجارب التنمية الناجحة في بعض البلدان التي تفتقر الى الموارد.

تمكّنت بلدان افريقية عديدة من تحقيق نتائج اقتصادية باهرة مقارنة بالموارد الطبيعية المتواضعة التي تمتلكها، فغيابها عن لائحة الدول الغنية بالثروات الطبيعية جعلها في منأى عن الصراعات الداخلية للاستحواذ على الثروة وأطماع القوى الدولية.

ويقود الاستنتاج الى تجربتي الجزائر وليبيا والسودان، التي تعد من أغنى دول العالم من حيث الثروات الطبيعية، إلا أن تجارب التنمية فيها لا تزال بعيدة عن مستوى التنمية في بلدان مثل إثيوبيا وبوركينا فاسو الفقيرتين بالموارد الطبيعية.

ويرى المحللون إن ثروات تلك الدول تلاعبت بها مصالح الطبقة السياسية ومصالح القوى العالمية المباشرة والصريحة أحيانا والمستترة عبر القوى السياسية الداخلية أحيانا أخرى.

ويستغرب المراقبون أن بلدا مثل الجزائر، الذي يملك ثروات هائلة تدر عوائد كبيرة منذ عقود لم يتمكن من إرساء سياسة للتنمية الاقتصادية. قد اقتصر دور النخبة السياسية على حماية مصالح الشركات العالمية في صفقات تدر على الشركات والمسؤولين عوائد كبيرة، لم تجد طريقا الى الحياة الاقتصادية للجزائريين. ولا يختلف الأمر بالنسبة للسودان وليبيا اللتين تعدان من أغنى بلدان أفريقيا.

ويرى الخبير السابق في الاتحاد الأوروبي فيرنر روف أنّ التعبير عن أطماع تلك القوى يختلف من دولة إلى أخرى. فالفرنسيون يميلون أكثر إلى العمليات العسكرية في المناطق التي ينوون فرض نفوذهم عليها، في حين يفضّل الألمان السبل الدبلوماسية.

أما الولايات المتحدة فاختارت أن يكون نفاذها إلى مناطق اهتماماتها عن طريق “القيادة الأفريقية الأميركية” أو ما يعرف اختصارا “أفريكوم”، وهي قوّات موحّدة مقاتلة تحت إدارة وزارة الدفاع الأميركية، ومسئولة عن العمليات العسكرية الأميركية وعن العلاقات العسكرية مع 53 دولة أفريقية.

ويشير روف، وهو مؤرخ ألماني وعالم اجتماع وأستاذ سابق في الجامعات الأميركية والفرنسية والألمانية إلى أن “بلدان الساحل ووسط افريقيا هي الأكثر فقرا في العالم رغم أنّها من بين الأغنى من حيث الموارد”. ونسبت وكالة الأناضول إلى روف قوله إنها مفارقة تدعو إلى “التساؤل عن أسباب عجز هذه الدول عن تجاوز فقرها وهي على ذلك القدر من الثراء الطبيعي؟”

ويضيف بأن الإجابة واضحة والأسباب تعود “ببساطة إلى عمليات النهب التي استهدفت تلك البلدان، وتسبّبت في حرمان سكانها من عائدات مواردها، فالثروات لم توظّف قطّ لتلبية احتياجات الناس، وإنّما استفادت منها الشركات العالمية”.

ويستنتج بأن “البلدان الفقيرة التي حافظت على الدوام على ركنها القصيّ عن أطماع القوى الدولية، تمكّنت من استثمار الكمّ الهزيل من الإمكانات المتاحة لها والحصول على نتائج اقتصادية جيدة حققت استقرارها.”

نجاح الدول الفقيرة

وتضع البيانات الدولية أثيوبيا في صدارة الدول الافريقية من حيث حصة الفرد من الناتج المحلّي الإجمالي في عام 2013، رغم أنها تصنّف ضمن الدول الأكثر فقرا في العالم من حيث الثروات الطبيعية.

وتمكّنت أديس أبابا في غفلة من السباق المحموم الذي تقوده الدول العظمى نحو الهيمنة على المناطق الغنية طبيعيا من الحصول على المرتبة الأولى في معدل النمو الذي يبلغ نحو 9.7 بالمئة في العام الماضي.

كما أن بوركينا فاسو حققت نتائج تفوق أكثر التوقّعات تفاؤلا، بالنظر إلى فقرها النسبي، وذلك خلافا لدول أخرى مثل النيجر وأفريقيا الوسطى، الغنية باليورانيوم والماس. فبلغ نمو الناتج الاجمالي المحلّي لبوركينا فاسو نسبة 9.5 بالمئة في العام الماضي، وفقا لبيانات البنك الدولي. ويقول إن ذلك يقود لاستنتاج منطقي مفاده أنّ “الدول التي لا تمتلك موارد وثروات طبيعية هي التي لا تطالها أطماع القوى العالمية”، مستشهدا بحالة إفريقيا الوسطى.

دوافع إنسانية أم اقتصادية؟

ويشير روف الى التدخل الفرنسي في أفريقيا الوسطى التي تبدو لأول وهلة “مهمة رائعة ونبيلة” لكنه يرى أنها في الواقع “لا تستند إلى دوافع انسانية”. ويتساءل “هل تدخّلت فرنسا لمنع المجزرة التي يتعرّض لها السكان المدنيون أم تلبية لمصالحها الاقتصادية؟

ويقول أن إلقاء نظرة عابرة على الخصائص الطبيعية للمنطقة كفيل بكشف النوايا الحقيقية، فـ”افريقيا الوسطى هي بلد غني بالذهب وبالماس واليورانيوم وهي محور اهتمام الفرنسيين أكثر من سكّانها”.

ويقود هذا بحسب روف إلى خلاصة بديهية وهي أن البلدان الغنية بالثروات الطبيعية “لم تحصل بعد على استقلال فعلي، وفرنسا هي التي تحدّد أيام الصحو فيها وأيام المطر!”

ويضيف بأن “الحديث عن فرنسا يعني كبرى الشركات العالمية، وهي مؤسّسات عملاقة همّها الوحيد الربح المادي، ولا علاقة لها، أو بالأحرى لا تمتلك أيّ مصلحة فيما يتعلّق بحقوق الانسان”.

ويشير إلى أن الاتحاد الأوروبي أعلن بداية العام الحالي رسميا عن بدء عملية “يوفور” بافريقيا الوسطى (بعثة الاتحاد الأوروبي بافريقيا الوسطى)، لتنتشر قواته بشوارع بانغي اعتبارا من الثامن من الشهر الحالي.

مصالح شرسة بثوب دبلوماسي

ولم تشارك ألمانيا بقواتها على الأرض، لكنها وضعت طائرتين للنقل على ذمة القوات الأوروبية، من منطلق الايمان بـ “عدم ترك فرنسا لوحدها” على حدّ قول وزير الشؤون الخارجية الألماني فرانك شتاينماير. ويقول الخبير الألماني في هذا السياق أنّ ألمانيا “ستختار الطرق الدبلوماسية إن كانت لها مصالح اقتصادية في أفريقيا.”

ويرى أن الحكومة الألمانية الجديدة تعمل حاليا على صياغة سياسة أفريقية سيتمّ تنفيذها عن طريق الاتحاد الأوروبي، وهذا ما سيفقد فرنسا الكثير من نفوذها المنفرد”.

ويقول إن “ألمانيا لديها مصالح اقتصادية، وهي بحاجة إلى موارد لأنشطتها الصناعية، بما في ذلك مصادر الطاقة النفط والغاز واليورانيوم والموارد النادرة للصناعات الإلكترونية… وهذه أسباب كافية لدفعها للعب دور قيادي في العلاقات الدولية.”

تراجع الدور الأميركي

أما الولايات المتحدة بمطامعها ومصالحها الاستراتيجية في افريقيا، فقد بلورت سياستها عام 2008 بتشكيل القيادة الافريقية الأمريكية (أفريكوم)، وهي قوات “تعمل على حماية المصالح الأمنية الوطنية للولايات المتّحدة، من خلال “تعزيز القدرات الدفاعية للدول الافريقية وقيادة العمليات العسكرية لردع التهديدات الدولية” وفقا لموقع المؤسّسة العسكرية.

وهي تقر بأن مهمة “أفريكوم” تقضي بدعم مصالح الأمن القومي الأميركي عن طريق تنفيذ مجموعة واسعة من البرامج والأنشطة “لمساعدة البلدان الافريقية على تحقيق أهدافها الأمنية”.

لكنّ هذا الحضور الاستراتيجي المبني على أساس قاعدة عسكرية يشهد تراجعا، بحسب الباحث الألماني، وهو ما جعله باهتا في أحيان كثيرة خاصة منذ وصول الرئيس بالراك أوباما الى السلطة.

ويرى روف أن “الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة غامض للغاية وأن قوات “أفريكوم” لم تتمخّض عن نتائج ذات فاعلية، حيث لم توافق أيّ دولة افريقية على استضافة مقرها، ولهذا فهي تعمل من قاعدة مدينة شتوتغارت في ألمانيا. ويكشف ذلك بأن أنّ الهيمنة الأميركية في تراجع، غير أنّ ذلك لا يعني أنّ القوى الأوروبية ستحتكر الصدارة.

9.5 بالمئة نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي في بوكينو فاسو في العام الماضي رغم أنها تعد من أفقر دول العالم من حيث الموارد الطبيعية

وأوضح روف أن “خلاص” القارة الافريقية لن يتأتّى من “النخب التي عبّرت عن استعدادها لخدمة الشركات العالمية الكبرى”، وإنّما عليها انتظار حلول ركب جيل جديد من القادة الأفارقة الحاملين لرؤية مغايرة لمفهوم السلطة”.

حلول سياسية

وأضاف الخبير لوكالة الأناضول أنّ الانتظارات الراهنة تعتمد على “ظهور نخبة افريقية جديدة، تأخذ في الاعتبار ضرورة التفكير “في الجانب الاقتصادي من منظور وطني صرف” وتجنّب المفاهيم المغلوطة التي حملها أسلافهم عن السلطة كأداة لـ”جني الثروات”.

ويرى روف أن رئيس بوركينا فاسو السابق توماس سانكارا أثار الأمل بظهور ذلك الجيل المنتظر، حين أراد تغيير الوضع، غير أنّ انقلابا عسكريا أودى بحياته عام 1987، ووأد كلّ بارقة أمل قد تحمل معها بعض التغيير في القارة الافريقية.

وقال أن القادة السياسيين الحاليين والسابقين انخرطوا في لعبة القوى الدولية العظمى، ومن ثمة وجدوا أنفسهم – راضين أو مرغمين- ضمن الزمرة التي تعمل لـ “صالح المؤسسات الأجنبية” وفي بحر من الصراعات الداخلية التي تخدم القوى الأجنبية.

أخبار ذات صله