fbpx
المليونيات.. لمن؟ ولماذا؟ وماذا بعد؟

مليونية في المكلا وأخرى في عدن لفعالية واحدة 27 ابريل يوم اعلان الحرب الغاشمة على أرض الجنوب العربي وشعبه من قبل قوات النظام اليمني. دعوة لمليونيتين تظهر عشوائية الداعي وتنبئ عن عشوائية الفعالية.

قبل الحديث والأعلان عن المليونيات أو أي فعالية كانت هل سأل الداعون ( مكونات وفصائل الثورة الجنوبية) أنفسهم ماذا نريد من هذه الفعالية مليونية كانت أم شكلاً آخر من اشكال الاحتجاج والنضال السلمي؟.

هل وضع الداعون مخطط واضح ومبرمج لما يريدون الوصول اليه من نتائج لدعوتهم تصب في مصلحة الوصول إلى هدف النضال الذي يجترحه شعب الجنوب الباسل ليلا نهارا .

هل سئل الداعون المنظمون “للمليونيتين” في المكلا وعدن قبل أن يعلنوا عن الفعالية ونوعها، هل سألوا أنفسهم هذا السؤال المحوري المتجلي في سؤالين مترابطين: لمن نوجه الفعالية ولماذا؟

لمن؟ في ظني أن الأجابة لن تخرج عن أننا نوجهها إلى لمحتل وأعوانه وللمجتمع الاقليمي والدولي، ولماذا؟ من أجل إيصال رسالة بأن شعب الجنوب يرفض الأحتلال ويرفض مخرجات الحوار ومازال يناضل على أرضه. وعطفا على هذه الأجابة فإن الصدى الملموس لمثل إجابة كهذه ليس بخاف عنا وقد خبرناه خلال عشر مليونيات،وأن بهوت صداها دل عليه مضيهم فيما يريدون فرضه على شعب الجنوب وأرضه. ولعلنا بحاجة إلى قراءة ناقدة غير مجاملة لأدواتنا ونهج تعاطينا الثوري على الأرض وفاحصة لموقف الاطراف التي يعنينا توجيه رسائل ما درجنا على تسميتها مليونيات وتعاطيها غير المبالي برسائل تلك المليونيات.

لا يختلف اثنان أن هناك ثلاثة اطراف محورية نريد توجيه رسائلنا المليونية إليها كما اسلفناها سابقا وهي أولا: المحتل وأعوانه من الجنوبيين. وهنا ترد إجابة مباشرة لا تحتاج لسؤال بأنه لا يخفى على المحتل أن الوليد الذي خرج توا للحياة لايريده على ارضه وأن شرايينه الناحلة قد تشربت في بطن أمه توقه إلى الحرية من احتلاله البغيض. هذه إجابه يدركها المحتل وأعوانه ولكن أظن مالا يدركه بعد الجنوبيين إجابة السؤال المهم بعد عشر مليونيات: هل أثبتت المليونيات أنها سلاح ماض في عنق المحتل استطاع أن يزحزحه عن أرضنا ولو قيد أنملة؟ سأوجل الإجابة إلى نهاية المقال.

ثانيا: الطرف الاقليمي والدولي، والأمر لا يختلف كثيرا عن الإجابة بصدد المحتل؛ فالمجتمع الدولي والاقليمي على إدراك تام بمجريات الاحتلال على ارض الجنوب وممارساته. غير أن تعاطيه يبدو تكتيكيا مع رسائل الجنوب الثورية وليس تعاطيا استهدافيا ناجزا. بمعنى ان المجتمع الدولي يستقرئ شمولية المشهد الجنوبي الثوري وليس جزئياته . والمليونيات جزئية من المشهد والمجتمع الدولي يعلم كما نعلم أنها تكتنفها تفرعات تجعد لوحة المشهد وتثني اطرافه على اواسطه.

الطرف الثالث التي توجه اليه الرسائل المليونية هو الداخل الجنوبي..  ولا يمكن لمتابع إلا أن يقف على  انتشار المد  الثوري بين مفاصل شعب الجنوب ودليلنا المليونيات نفسها وماوقود شعلتها وهدير ميادينها إلا من هذا الشعب واحتشاده من كل حدب وصوب . والسؤال الأهم ليس كيف تتم الدعوة إلى مليونية وإنما كيف يمكن الحفاظ على شعلة الثورة متقدة في نبض وضمير كل مواطن جنوبي وكيف يمكن ان يمتد نورها إلى مناطق معتمة لدى البعض لم يصل نورها بعد الى ضمائرهم ونبضهم؟.

في هذا المقام علينا أن نصارح أنفسنا بأن عشر مليونيات لم تبرح في تأثيرها مكان احتشادها وأن رسائلها لم تؤثر إلى الآن في المسطرة الاقليمية والدولية التي تخطط وتهندس مشهد هذه الجغرافيا. وعطفا عليه إذن لا محالة نحن بحاجة إلى قراءة تفسيرية للموقف الاقليمي والدولي وعدم تعاطيه بجدية مع نضال شعبنا وتضحياته.

لقد آن الأوان أن نواجه أنفسنا بالحقائق التالية دون وجل من تثبيط أو انكسار بل مراجعة وتقويم لنهوض ناجع. علينا الاقرار أن جميع المليونيات التي اقيمت كانت العشوائية وعدم التنظيم بادية على اغلبها بدءاً بتنظيم الحشود وبرنامج الفعالية وانتهاء بالبيانات الباهتة المكرورة. عدا عن أنه لم يقم بموازاتها أو في اثنائها أو بعدها أي عمل أو تحرك سياسي مدروس يستفيد من زخمها ولا حتى من فظائع قمعها والتقتيل والتنكيل الذي يتعرض له نشطاؤها. وللأسف بعد عشر مليونيات علينا أن نصارح أنفسنا أنها لم تكن سوى احتشاد كرنفالي شبيه بسوق الربوع في القرى والارياف.

وبعد كل هذا الاستنزاف ” المليوني” علينا أن نستوعب أن المحتل وأعوانه لن ترهبهم الاحتشادات الكرنفالية العشوائية، لكن من باب آخر للانصاف فإن المليونيات على كل مارافقها من تشويش قد أدت مهمتها بل استنفذت رسائلها وعلينا الخروج من هاجسها إلى ادوات واسلحة سلمية اكثر مضاء وتأثيرا. أما ما يتعلق بالمجتمع الاقليمي والدولي فإنه ينتظر أن يرى رسائل أكثر جدية وحزما تتمثل في مشهد جنوبي ثوري متماسك وغير مبعثر كما يرونه الآن. وقيادة موحدة ورؤية موحدة وخطاب سياسي حصيف وقوي ومقنع وغير مخلخل. كيف يمكن للمجتمع الاقليمي والدولي أن يتعاطى معنا ونحن متفرقون متصارعون نكيد لبعضنا بعضاً اكثر مما نكيد للمحتل ومشغولون بالتآمر على بعضنا بعضاً “نحن اصحاب الهدف الواحد كما ندعي ” اكثر من انشغالنا بالمحتل ومواجهته والتصدي لمؤامراته؟!. لم نفكر في كيف يمكن استدراج طمأنينية الاقليم والعالم للتعاطي معنا بجدية عدا عن تسليمنا دولة وأرض لهم مصالحهم الاستراتيجية عليها. إن المجتمع الدولي والاقليمي من أجل أن يتعاطى معنا ينتظر فعلا ثوريا ممنهجا مدروسا بقيادة موحدة ورؤية موحدة ومشهد جنوب ثوري داخلي غير مجعد ولا مشقق. والمحتل لن تهتز ركائزه إلا بمقاومة استراتيجية مدروسة وممنهجة تحت راية واحدة وبقيادة واحدة قوية على قلب واحد غير مخاتلة مؤمنة ومتمثلة للإرادة الشعبية والتطلع الجمعي لنيل الحرية والاستقلال.

ما نحتاجه في هذه اللحظة ليس احتشادا مليونيا لساعات ينتهي تأثيره بانفضاض جمعه وعودة منظميه الى فرقتهم وخلافهم وتصدع صفوفهم. فالمليونيات وغيرها من وسائل النضال ليست سوى أحد تجليات الثورة وليست هي الثورة. لقد اصبحت هذه الاداة ” المليونية ” ليست سوى كلفة مجهدة للشارع ومدخلا لمزيد من الخلافات والتصدعات . فهل نوقفها ونؤجل استخدامها الى وقت تغدو فيه فاعليتها أكيدة ومؤثرة؟.  ولن نعدم أدوات ثورية أخرى اكثر نجاعة وقدرة على اختراق جدار الصمت العالمي.