fbpx
مواقف الحُميد بن منصور من المرأ وأقواله عنها
شارك الخبر

كتب : علي صالح الخلاقي

من منا لم يسمع عن الحميد بن منصور، هذا الحكيم الزراعي الذي تجاوزت شهرته الآفاق ودخلت أقواله كل بيت وأصبحت على كل لسان يهزج بها المزارعون بأعذب الألحان عند حرث الأرض وبذرها ويستشهدون بها في كثير من أمور حياتهم وشئونهم اليومية، إذ يعودون إلى مخزون ذاكرتهم منها كلما استدعت الحاجة لذلك، خاصة وأنها تتناول الحياة الزراعية، وبعض القواعد والأعراف الاجتماعية وتصاريف الحياة عامة، وهي تفي بالحاجة عند توجيه نصح أو موعظة أو عبرة وتكون لها قوة الإقناع والتأثير في حل المشاكل بين المتخاصمين أو غير ذلك.
وموقف الحميد من المرأة يبدو متناقضاً حسب مقتضيات الأحوال التي أوردها في أقواله. فهي هاجس البيت وعلى صلاحها يتوقف صلاح الأسرة (إذا صلح هاجس البيت تصلح جميع الهواجس، ولا عطُل هاجس البيت تعطل جميع الهواجس). وفي الحديث الشريف “الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة”. والمرأة الصالحة تحسن تدبير الشئون المنزلية ولا تسرف في الإنفاق، بل تدخر في أوقات الرخاء ما تظهره في أوقات الشدة ( خُذ لك مَرَهْ من قبيلة، تجوعك حين تشبع، وتخرجه بالمجاعة). وقد كان للحميد أسرة جمعها الحب والمشاركة في أمور الحياة وكانت له زوجات أحبهن وأحببنه وخلف منهن أولاداً وبنات. كما أبدى تعاطفاً مع بعض الصبايا الجميلات اللاتي أوقعهن الحظ السيئ في شراك أزواج أنذال.
وهناك موقف آخر للحميد ضد المرأة بنموذجها السيئ، فهي في نظره خائنة لا يؤتمن جانبها ولا خير يرجى منها، بل أنها عادة ما تكون سبباً لكثير من الويلات والمصائب، فقد تشتت شمل الأسرة وتفرق بين الأخ وأخوته وبين الأب وأولاده، ويطلق الحميد على هذا الصنف من النساء (حُرمة الوَيْل) لما تجلبه من ويلات على زوجها وأهلها،ويوصي بطلاق (حُرمة الويل) قبل أن تنجب أولاداً. والأرجح أن موقف الحميد القاسي من بعض النساء قد جاء بعد هروب ابنته مع عشيقها وزواجها منه بدون رغبة والدها، فقسا بسببها على بنات جنسها (ما للنساء قط أمانه عيونهن بالخيانه)، وحتى تلك الحكاية التي انتحلها بحارة “صُوْر” في عُمَان عن ابنته في البحر نجد أنها تتوافق في مضمونها وأبعادها مع حكاية ابنته ومع رؤيته وموقفه من المرأة بعد تلك الحادثة
بين الحميد وامرأة عابرة:
————————
يروى أن امرأة مرَّت مصادفة بجانب الحُميد ابن منصور وهو يحرث الأرض، وكانت الثيران (الضمد) تسير بسرعة وهي تجر المحراث والحميد يسير بعدها منتشياً وبيده مقبض المحراث، فظنت تلك المرأة أن الحُميد قد دخلته النشوة بمجرد رؤيته لها، فقالت له:
يا ذا البتُول دَلاَ دَلَا بأثوارك
مانا بهَوْدَكْ ولا أحد بأخوارك

أي مهلا بأثوارك، فلا أحد يفكر بك (بهودك) ولا أحد يشتهيك (بأخوارك). فرد الحميد فور سماعها قائلاً:
الأرض أرضي والضَّمَيْد ضَمَيْدي
والمال بخَصْري من حيث ماشا أتْنَقِّيْ
فخاب ظن تلك المرأة المتطفلة، حين فاجأها بأنه لم يلتفت إليها كما تظن، وظل الحميد يعزف أنشودة حبه للأرض، على أنغام المحراث الذي يشق به الأرض.
—————–
أقوال الحُميد بن منصور عن المرأة
———————–
(184) قال الحميد ابن منصور
لا قد سَبَرْ هاجس البيت
تَسْبُرْ جميع الهواجس

وان قد عُطِلْ هاجس البيت
ضاعت جميع الهواجس

الهاجس كناية عن المرأة. وسبر: صلح. والمعنى أن وجود المرأة الصالحة كفيل بصلاح بقية الأمور. وفي الحديث الشريف: الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة.
(185) قال الحميد ابن منصور
لا نامت الزَّوجه أوَّل
تِصْبُح تناديك باسمك

وَتَخْرِجْ الثَّوْر قَبْلَكْ

تِنْذُق له الطُعْم باكر

وان نمت قبل المُرَيِّهْ
تصبح تِدَعِّيْ على ابْنَكْ

تقُول جِنِّي يشلَّك
تِشِلّ أبُوك السَّواحر

في هذا القول إشارة لمّاحه لما تتركه العشرة الزوجية من أثر على تعاون المرأة مع زوجها ومساعدتها له منذ الصباح الباكر، والعكس صحيح، فأن تقصير الرجل بواجباته تجاهها يثير غضبها وعدم رضاها. ومن المأثور الشعبي “قال بدَّاع من حَبّ المَرَهْ، حبته وَاتِصَلِّح له لَحُوح، وان كرهها وماشي حبها، طُولِتْ الليل بتْجُحّه جَحُوح).
(186) قال الحميد ابن منصور
وَا بِنْت وا ذِه المَلِيْحِهْ
يا رَيْت أبُوْش با يِبِيْعش

باربعميه وا مليحه
وِلاَ تِرَجَّلْ فزدناه

قرشين والاَّ ثلاثه

(187) قال الحميد ابن منصور
وا مقبله بنت مقبل
ردِّي غدانا عشانا

وادِّي لنا زاد ثاني
ردِّي الرَّمق ودِّي الزوم

مولى العنيِّه على السوم

ولهذا القول حكاية سبق إيرادها. ومثلما تختلف الحكاية في بعض التفاصيل بين منطقة وأخرى، فأن صيغة الأبيات التي ردَّدها الحميد وضمنها بعض الإشارات لزوجته علّها تفهم قصده، تختلف أيضا بين منطقة وأخرى، كقولهم:
(188) قال الحميد ابن منصور
يا مقبله يا بنت مقبلاني
ردِّي الرَّمق والقي لنا زوماني

مَوْلى الرَّمق جالس على السّوماني ولا فهمتي كان مَهْرِشْ ثاني
مهرش يكون حايط البستاني
وا فضِّلش على النسواني

ويروى أن الحميد كافأ زوجته على فطنتها بإهدائها واحدة من أفضل الجِرَبْ.
(189) قال الحميد ابن منصور
وا ذا الغراب الحبيشي
وَيْش اِجْلَبَكْ وَيْش جَابَكْ

ويش اخرجك من بلادك
قال اخرجوني عيالي

واخرجتني حُرمة الويل
والدار أنا ذي بنيته

شلّيت جُملة حجاره
واليوم بالبرد والجوع

يذكِّر في هذه المقولة بعقوق بعض الأبناء لوالدهم وعدم احترامهم له أو البر به في كبره، متناسين ما قدمه من أجلهم، ويزداد الأمر سوءاً حين تقف الزوجة السيئة إلى جانب هؤلاء العاقين لوالدهم،فيضطر إلى مغادرة بيته الذي بناه وحمل أحجاره، ويكابد مشاق الحياة وحيداً في البرد والجوع. ومثل ذلك قوله:
(190) قال الحميد ابن منصور
من ذي فرقني من أهلي
فرقتني حُرْمَةْ الوَيْل

ذي فارقه بين لَخْوَهْ
ذي كان سلبهم بمعلاق

ويجمعون المشوره

(191) قال الحميد ابن منصور
أُمِّي غزال أرْضَعَتْنِيْ
وطَعَّمَتْنِيْ لَبَنْهَا

(192) قال الحميد ابن منصور
يا الخُود يا ذي تصلِّين
رَبِّي غني مِنْ صَلاتش

الخُود هي الحسنة الخلق الشابة الناعمة.
(193) قال الحميد ابن منصور
وا ذه الثلاث الرواعي
لو كان لكن ما تمنين

الأوله قد تِمَنَّهْ
حُصناً منيعاً بحراس

والثانيه ذي تمنه
وادي بنا يزرع أهْدَاس

يزرع حَنَانِيْ وهِدَّاس
والثالثه قد تمنه

شاباً مليح أحسن الناس

الهَدَسْ هو الآسُ، ضرب من الرياحين ورقه عَطِرٌ وخضرته دائمة أَبداً واحدته آسَةٌ (هَدَسَةْ).

(194) قال الحميد ابن منصور
اتخَبَّرُوا سَافع العَيْلْ
مِنْيَنْ جَابْ الحمامه

هُوْ جابها من جبل قيس
أو من سواحل تهامه

السافع هو الصقر والعَيْل جمع عَيْلِة ضرب من الحمام، والقول كناية عن شاب اقترن بفتاة جميلة.
(195) قال الحميد ابن منصور
حامي حُميد ابن منصور
يحتاج من الناس حامي

يروى أن الحميد كان يستعين بابنته “بدرة” في شراحة المزروعات، أي حراستها ومراقبتها من الحيوانات، فكانت تتعرض لمضايقات من فتيان كانوا يحرسون الأرض المجاورة، فاشتكت لوالدها فقال هذا القول.
(196) قال الحميد ابن منصور
وا شارحه للغرابي
إلى متى يا شراحه

والطير حول الشواجب
تأكل ملاحه ملاحه

يلفت الحميد انتباه الشارحة وهي المرأة التي تحرس المزروعات إلى أنها قد أخطأت في التركيز على مراقبة الغراب وهو عادة لا يأكل الزرع فيما تغض الطرف عن أسراب الطيور التي أكلت من الحبوب ملاحه أي أحسنه من أطراف الطين(الشواجب).
(197) قال الحميد ابن منصور
وا شارحه رأس ذا الحيد
كم با تكون الشراحه

قالت لما الزرع ينجح
ينجح بليلة صُرابه

(198) قال الحميد ابن منصور
وا شارحه راس ذا الحَيْد
كَمَّلَشْ زرع الشواجب

على سَبُوْلَهْ سَبُوْلَهْ

الشارحة هي من تحفظ الزرع من الناس والطيور والبهائم. كَمَّلَشْ أي كمَّلتِ،إذ تحل الشين محل التاء في مخاطبة المؤنث في لهجة يافع. والشواجب أطراف الطين.والسُّبولةُ هي السُّنْبُلة الزَّرْعة المائلة والجمع سُبُول(فصيحة). يعاتب في هذا القول الحارس السيئ الذي يلحق ضرراً بالمحاصيل التي يفترض أنه يحميها من أذى وأضرار غيره، وينطبق عليه القول المأثور “حاميها حراميها” .
(199) قال الحميد ابن منصور
حقيبكم يَهْل سوَّاد
حُقيبكم من نساكم

ما عاد ينجح لكم زاد

حقيبكم: بمعنى أسف عليكم، وسبب التأسف أن نساء هؤلاء القوم لم يسرعن بإعداد الطعام (الزاد) وتقديمه للضيف كما تقضي التقاليد.
(200) قال الحميد ابن منصور
يا لنْبلة عُود لَسْحِلْ
والعِلْب عند العدامه

بنت الحميد أيش قاله
يا بَهْ ولا لي بسلطان

شَفِّي بسيد الرعيه
يسرح ويرعى من الواد

يقول هاتي نبالي
هاتي نبالي ولثوار

النبال المقصودة ليست نبال الحرب ولكنها آلة الحراثة المصنوعة من شجر (لسحل) والإِسْحِل بالكسر فصيحة وهو شَجَرٌ يشبه الأَثْل ويَغْلُظ حتى تُتَّخَذ منه الرِّحال.ِ أو من أشجار السدر (العلب)، وفيه تؤكد البنت وقوفها إلى جانب الرعوي الذي يكسب من عرق جبينه.
(201) قال الحميد ابن منصور
وا ذه الحداء وا غريبه
بَتْخَبَّرش خابريني

من ذي بدار أهل عمَّار
قاله به العبد لسود

ذي كان خادم لسيده
واليوم يحكم على الناس

(202) قال الحميد ابن منصور
ما للنساء قط أمانه

عيونهن بالخيانه

محلقات الدقوني
لو ما يخونين سامين

تحلف لك اليوم بالله

ويوم ثاني وخانه

وهذا الموقف من المرأة مرتبط ربما بحكاية هروب ابنته (انظر الحكاية).
(203) قال الحميد ابن منصور
يا ذِهْ المَرَهْ خَفّ عَقْلش
شَيْبَا وعَيْنش بالازواج

قالَهْ لَمَهْ خَفّ عقلك
لا شاب ذيل الجَمَل هاج

(204) قال الحميد ابن منصور
بَدْرَهْ تعَشَّتْ معانا
وأمست على الشهر ساري

وصَبَّحَتْ في عدينه

(205) قال الحميد ابن منصور
وا بدره انش نبرتي
ما عذر من رأس بدره

ما علقه رأس أثله
والاَّ حُلِقْ دَقْن أبُوْهَا

يخاطب الحميد ابنته “بدرة” التي شذت (نَبَرَتْ) بهربها من بيت أبيها ويتوعدها بقطع رأسها وتعليقه على رأس شجرة “الأثل” نكالاً بها.

(206) قال الحميد ابن منصور
يا ذا النساء ذي على البير
كُثْر الهُراء ترّكينه

ما عذر من رأس بَدْرَهْ
بأعيانكنِّهْ ترينه

وإلاَّ حلقتين دقني
وبالحُمُمْ نَيِّلَيْنَهْ

وفي صيغة أخرى يورد البيت الأخير ( والاَّ فدقن ابن منصور، تحت البقر يدحقينه).
(207) قال الحميد ابن منصور
قالت لي البنت يَا بَهْ
ما عَادْ أَنِيْ راعيتكم

تِزَوَّجَيْن الرَّوَاعِي
ذِيْ مِنْ لِدَاتِيْ وسَاعِيْ

لقد كعبت الفتاة وحان موعد عرسها بعد أن تزوجن الراعيات من نفس عمرها، ولم يعد بمقدورها الذهاب لرعي الأغنام. بل إنها تطلب من أبيها أن يوافق إذا جاء ابن حلال لطلب يدها وأن يمدح صفاتها ويحسن ضيافته، كما في القول التالي:
(208) قال الحميد ابن منصور
قالت لي البنت وا بَهْ
لو جاك طالب حلالي

لا تمنعه من طُلابي
امْدَحْ وزيِّد صفاتي

واذبح له الكبش لَسْوَدْ
ذي من بقايا رعاتي

(209) قال الحميد ابن منصور
بَخْتْ الصَّبَأيا بِلَنْذَالْ
وبَخْتْ لَنْذَالْ فيهن

والمعنى أن حظ الفتيات الجميلات التعيس قد أوقعهن زوجات لأنذال لا يستحقونهن، فيما كان الأنذال محظوظين بالزواج منهن. يضرب لعدم تكافؤ الفرص.
(210) قال الحميد ابن منصور
سارت لي اليوم قصه
احْنَا الذي نبزي الصّيب

وغيرنا ذي يمصه
وان قد جرى جاري الموت

أصبح لمالي يقصه

يعكس هذا القول الذي نجد شبهاً له عند علي بن زايد مشكلة ميراث الأنثى.

أخبار ذات صله