fbpx
القضاء الابيض

 

ذات مساء احد أيام يناير 2010م اعلن مذياع السجن المركزي بعدن اسماء المعتقلين الذين لديهم جلسات محاكمة في الغد، كنت وزملائي ضمن تلك القائمة. انتظرنا الصباح، اجبرونا على ارتداء البدلات الزرقاء ذات المقاسات الضيقة، انحشرنا فيها، ومازلت اتذكر المحاولات البائسة لأخي وصديقي “خالد عمر العبد” لأخذ البدلة التي بحوزتي تحت ذريعة انها اكثر اتساعاً. وضعوا يدي الى يده في القيد المخصص لذلك.

اخذونا الى سيارة السجن، صادفنا بداخلها بقية الشله ” ضياء محورق – شرف باعباد -خالد السليماني”، الذين لم نلتقيهم منذ نقلنا من سجن البحث الجنائي، نسينا ضيق البدلات والقيود، وجلسنا نمارس حريتنا في المزح والضحك، وترديد هتافات الحراك.
كانت الصورة النمطية في مخيلاتنا عن القضاء والقضاة سلبية بالتأكيد، وأن القانون مجرد كتاب يضعه القضاة على طاولات النيابات والمحاكم، ليضيف لمسة جمالية لها.
كنا نواجه تهمة المساس بالوحدة اليمنية وإثارة النعرات المناطقية وبث روح الشقاق والتفرقة بين افراد المجتمع.

اجلسونا في ركن قاعة المحكمة الجزائية المتخصصة بعدن، في انتظار دورنا. كان قد أخذ مكانه في منصة المحكمة،كنا نعتقده كأفراد النيابة التي احالونا اليه بعد مضي24 يوماً على اختطافنا من نقطة دار سعد في ليلة شديدة السواد؛ لن يقل عنهم تعسفاً للقانون، وخوفاً على “الوحدة” المغدور بها، وسيحتكم لمزاجه، او على الأقل المزاج السائد لدى منظومة الحكم تجاه نشطاء الحراك الجنوبي السلمي.

كان مختلفاً، ممسكاً بتلابيب القانون، يواجه ممثل النيابة، يوبخه، يطالبه بقراءة القانون، واحضار الأدلة الكافية، بدلاً من الكلام الانشائي، والاعتماد على التلفونات المحمولة وما تحتويه من رسائل ومكالمات وارقام كدليل إدانة.
كنا نرقبه، والفرح يتسرب الى دواخلنا، بأن الدنيا لسه بخير، وأن العدل لم يختف من الأرض، وان ساحة القضاء لم تخل من الشرفاء.

فضيلة القاضي محمد حمود الأبيض رئيس المحكمة الجزائية المتخصصة بعدن، من انبل القضاة، بصمته واضحة في مجال عمله، واعتقد ان كل من عمل معه، او وقف كمتهم امامه قد خرج بانطباع جيد عنه.

القاضي الأبيض يتواجد في الأردن منذ اكثر من شهر للعلاج بعد اصابته بمرض خبيث، لم يلتفت اليه احد في السلطة القضائية، وتركوه يواجه مصيره بمفرده، حتى القانون الذي كان يحميه ويعيد له شيء من مكانته وسمعته، لم ينصفه في مرضه.

يعبثون بالمال العام، ويساندون الفاسدين ويدعمونهم، بينما الشرفاء يموتون كل لحظة.

فعلاً لا كرامة لنبي في وطنه، حتى لو قاموا كل يوم ثورة.

اتمنى لك الشفاء العاجل ايها القاضي الرائع.