fbpx
حقوق التأليف والابتكار مصونةٌ شرعًا
شارك الخبر
حقوق التأليف والابتكار مصونةٌ شرعًا

نمتلك مصنفًا دينيًّا عن مورثنا، وأخشى من ضياع حق الملكية الفكرية أو قيام الغير بطباعته بغرض التربح فما رأي الدين في انتحال الحقوق الفكرية أو التعدي عليها؟
أجابت دار الإفتاء المصرية، قائلة: جاء الإسلام بحفظ المال، وجعل ذلك من المقاصد الكلية الخمسة التي قام الشرع الشريف عليها، (وهي حفظ النفس والدِّين والعِرض والعقل والمال)، وحقوق الملكية الفكرية والأدبية والفنية وبراءات الاختراع والأسماء والعلامات والتراخيص التجارية (والتي اصطُلِح على تسميتها بالحقوق الذهنية) هي من الحقوق الثابتة لأصحابها شرعًا وعرفًا، سواء أقلنا إنَّها من قبيل الأموال كما هو مقتضى قول الجمهور في كون المنفعة مالاً متقومًا، أم قلنا إنَّها من قبيل المنافع التي تُعَدُّ أموالاً بورود العقد عليها مراعاةً للمصلحة العامة كما هو رأي المتقدمين من الحنفية، وحاصل قول جمهور الفقهاء في ضابط (المال) أنه: ما له قيمة بين الناس بسبب إمكان الانتفاع به ولَزِم مُتلِفَه الضمانُ، ووافقهم على ذلك متأخرو الحنفية. والمال في اللغة، هو كل ما ملَكتَه من جميع الأشياء، وظاهر هذا أنه يشمل ما كان أعيانًا أو منافع أو حقوقًا.
ولَمّا كان الإنتاج الفكري ومثله العلامة التجارية مما يُقطَع بمنفعته بحيث يحصل به الاختصاص الحاجز ويجري فيه التقويم والتداول عرفًا ويُتَّخَذُ محلاًّ للتعامل والمعارضة بين الناس بسبب ظهور آلات الطباعة ووسائل النشر وتطور العصر ويثبت فيه حق المطالبة القضائية في العُرف القانوني ولا معارض لذلك في الشرع فإن هذا يجعل لمثل هذه الحقوق حكم المالية في تملك أصحابها لها واختصاصهم بها اختصاصًا يحجز غيرهم عن الانتفاع بها بدون إذنهم.
كما جاء الشرع بتحرِّي الأمانة في إسناد الأقوال والجهود ونسبتها إلى أصحابها، فحرَّم انتحال الشخص قولاً أو جهدًا أو إنتاجًا لغيره على أنه هو الذي قاله، أو إسناده إلى غير مَن صدر منه تضييعًا لحق قائله، وجعل هذا مِن الكذب الذي يستحق عليه صاحبه العقاب، ومِن جهة أخرى فقد احترم الإسلام حق الأسبقية وجعل للسابق ما ليس للمسبوق، فعن أَسمَرَ بن مُضَرِّسٍ رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبايعته، فقال: مَن سَبَقَ إلى ما لم يَسبِقه إليه مُسلِمٌ فهو له رواه أبوداود وغيره بإسناد حسن كما قال الحافظ ابن حجر في الإصابة.
كما أن الجهود المضنية والأموال التي قد يبذلها أصحاب الإنتاج الفكري في التوصل إلى أبحاثهم وطباعة كتبهم تجعل مِن التعدي عليها أكلا لحقوقهم وتضييعًا لجهدهم بالباطل وإلحاقًا الضرر بهم، والله تعالى يقول: يا أيها الذين آمنوا لا تَأكُلُوا أَموالَكم بينَكم بالباطِلِ إلاّ أَن تَكُونَ تِجارةً عن تَراضٍ منكم [النساء: 29]، ويقول سبحانه: ولا تَأكُلُوا أَموالَكم بينَكم بالباطِلِ وتُدلُوا بها إلى الحُكّامِ لتَأكُلُوا فَرِيقًا مِن أَموالِ النّاسِ بالإثمِ وأنتم تَعلَمُونَ [البقرة: 188]، قال الإمام القرطبي في تفسيره عند هذه الآية: (الخطاب بهذه الآية يتضمن جميع أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والمعنى: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق. فيدخل في هذا: القمارُ والخداعُ والغُصُوبُ وجحدُ الحقوق، وما لا تطيب به نفس مالكه، أو حَرَّمَته الشريعةُ وإن طابت به نفسُ مالكه، كمَهر البَغِيِّ وحُلوان الكاهن وأثمان الخمور والخنازير وغير ذلك)؟.
وعلى ذلك: فحقوق التأليف والنشر ملك لأصحابها، يجري فيها ما يجري في الملك الذي هو حق خالص يختص به صاحبه: مِن جواز انتفاعه بها على أي وجه مِن الوجوه المشروعة، ومِن جواز معاوضتها بالمال إذا انتفى التدليس والغرر، ومِن تحريم الانتفاع بها على الوجه الذي يتضرر به أصحابها بغير إذنهم، ومِن حرمة الاعتداء عليها بإتلافها أو إتلاف منفعتها أو تزويرها أو انتحالها زورًا وكذبًا، وبذلك صدرت قرارات المجامع الفقهية الإسلامية، فجاء في القرار رقم 43 (5 – 5) لمجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، في مؤتمره الخامس بالكويت من 1 – 6 جمادى الأولى 1409 هـ. ما يأتي:
ثالثًا: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونةٌ شرعًا، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها. وبناءً على ذلك: فإن انتحال الحقوق الفكرية أو التعدي عليها دون إذن أصحابها أمر محرم شرعا، لأنه تضييع لحقوق الناس وأكل لأموالهم بالباطل.

 

* الاهرام المسائي

أخبار ذات صله