fbpx
الإسلام.. دين بناء
شارك الخبر

دعت جميع الشرائع السماوية إلي البناء والرقي والازدهار بجميع أنواعه من بناء أخلاق وقيم وسلوكيات وإتقان في العمل، وقد حض الإسلام علي ذلك واعتبره من قبيل الطاعة والعبادة لله في أرضه، فدعا لبناء الفرد والمجتمع والأسرة بناء حقيقيًا وسطًا حتى تكون الثمرة المرجوة التي لا تعود علي مجتمع بعينه بل علي البشرية كلها دون النظر إلي جنس أو دين.
ولذلك حذر ديننا الحنيف من الهدم أو التخريب أو السعي فيهما.
وحول البناء وقيمته في الإسلام وأهميته في حياة الفرد والمجتمع وكيف حقت عليه الشريعة الإسلامية؟ كان لنا هذا التحقيق.
في البداية يؤكد الدكتور السعيد محمد علي ـ من علماء الأوقاف ـ أن الدين الإسلامي بطبيعته دين بناء فأول ما يعني بر ببناء الانسان والشخصية المسلمة، وبناء المسلم القوي بمعني بناء القائد والرائد، وبناء السياسي المحنك، ويعني الإسلام أيضا ببناء الأب الرفيق والأخ الشقيق إلي آخر صور البناء التي يعني بها الإسلام.
وأروع مثال لذلك تحقق علي أرض الواقع كان لرسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يبني العقيدة الصحيحة في نفس وعقل وقلب عبدالله بن عباس وهو يقول له صلي الله عليه وسلم “يا غلام ألا أعلمك كلمات، احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله.
وأعلم بأن الأمة لو اجتمعت علي أن تنفعك بشيء لن تنفعك بشيء إلا قد كتبه الله لك، واعلم بأنه الأمة لو اجتمعت علي أن تضرك بشيء لن تضرك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف”.
كذلك عني رسول الله صلي الله عليه وسلم بإعداد القائد وذلك يوم قدم أسامة بن زيد علي رأس سرية فيها أبوبكر وعمر بن الخطاب والتي سميت فيما بعد بسرية أسامة بن زيد والتي نجح فيها وعاد ظافرًا، وذلك بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وسلم، وهذا رسول الله صلي الله عليه وسلم ما أن هاجر للمدينة حي بدأ في بناء المسجد النبوي الشريف، فقد كان صلي الله عليه وسلم قد بني في مكة الأمة وفي المدينة راح يبني الدولة وأول شيء قام به بناء المسجد الذي شارك فيه الكثير من الصحابة.
وحث رسول الله صلي الله عليه وسلم علي بناء الشخصية المسلمة القوية النافعة فقال “المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف” وأحد الصالحين يقول “ابن ابنك قبل أن تبني لابنك”، إذا فالبناء المعنوي أهم من البناء المادي فعلي الوالدين الاجتهاد في تعليم وتثقيف الابن قبل الاهتمام بطعامه وشرابه فغذاء العقل أنفع من غذاء البطن.
ويوضح دكتور السعيد أن المتأمل في الحضارة الإسلامية وأثرها في واقع البشرية وتاريخها يجد أن النفع لم يكن للمسلمين وحدهم بل كان لهم ولغيرهم من البشر، فمثلا المساجد كانت وراء نهضة المجتمعات وانتشار الأخلاق والدفع بالتربية والتعليم إلي أقصي الغايات والآمال التي كانت يطمح إليها البشرية قديما ومازالت تطمح إليها حديثا.
ويقول الشيخ ناجي آدم عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف من المعلوم لدي العقلاء أنه ما من تشريع نزل من عند الخالق سبحانه وتعالي إلا ويحث علي البناء بل والرقي والازدهار والعلو، والبناء في جميع أنواعه من بناء أمم وبناء أخلاق وقيم وسلوكيات والإتقان في العمل كل هذا وأمثاله يندرج تحت البناء وعكسه الهدم.
والإسلام دائما يحث الأمة علي البناء لا الهدم وعلي الارتفاع لا الهبوط وعلي الخير لا الشر وعلي الغني لا الفقر.
والبناء يبدأ ببناء النفس بناءً قويًا محصنا بالقيم فهذا حديث رسول الله صلي الله عليه “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا” وقوله كالبنيان المرصوص لدرجة أن نهاية الحديث شبك النبي صلي الله عليه وسلم أصابعه، وكان يقول المؤمن للمؤمن كاليد من تغسل أحدهما الأخرى، وأعظم البناء هو بناء الأخلاق، والأمة التي تصنع أخلاقها هي إلي زوال بل أقرب الناس من النبي يوم القيامة أحسن الناس أخلاقا” والبناء للنشء والأسرة إذا كان حقيقيا وسطًا لا متشددًا ولا منحلا كانت الثمرة في الطفولة والشباب.
ويشير الدكتور رشدي شحاتة رئيس قسم الشريعة بكلية الحقوق جامعة حلوان إلي أن الشريعة الإسلامية تؤكد دائما علي ضرورة البناء وتنهي عن الهدم لقوله تعالي “أضمن أسس بنيانه علي تقوي من الله كمن أسس بنيانه علي شفا جر فانهار به في نار جهنم”، ومن ثم فإن النبي صلي الله عليه وسلم حينما هاجر للمدينة بدأ في بناء وتأسيس الدولة الحديثة فبدأ بالمسجد لأنه مصنع الرجال وبه إدارة شئون الدولة وحل المنازعات الإفتاء، ثم أسس بيت المال وآخي بين المهاجرين والأنصار، وأصلح من الأوس والخزرج باعتبار ذلك من دعائم وأسس بناء الدولة، ثم جاء عهد عمر بن الخطاب في عهده فأنشأ الدواوين وبدأ العمل بالتقويم الهجري، ثم جاء بعد ذلك الفقهاء والعلماء الذين وضعوا أساس كيان الدولة كالإمام الماوردي وهو من تلاميذ الشافعي حيث ألف كتاب “الأحكام السلطانية” التي تنظم أمور السلطان في القرن الثاني الهجري والتي تعادل أحكام الدستور، ومن قبله أبويوسف تلميذ أبو حنيفة الذي وضع كتاب “الخراج” يتناول فيه الموازنة العامة للدولة كل ذلك الفكر الثاقب القديم يدل علي أن الشريعة تنظر إلي البناء والتأسيس لدولة المؤسسات بلغة العصر (سلطة تشريعية ـ تنفيذية وقضائية).
كما يتضح أيضا أن نظام أبي بكر الصديق حينما أصر علي أن يتولى زيد بن ثابت قيادة الجيش وعمره 16 سنة وخرج أبوبكر ليودعه عند مشارق المدينة وهو ممتطي جواده وأبوبكر يمشي علي الأرض هذا الفعل يدل علي احترام الشباب وإعطاء الفرصة لهم لإثبات وجودهم.
كما أن الشريعة أقرت لبناء المجتمعات “الوقف” ويكون في العقارات والأراضي فقط طبقا للرأي الراجح في الفقه الإسلامي وهو ما يساوي عقود “B.O.T” في العصر الحالي حيث كانت الدولة لا تقوم بكل شيء بمفردها وإنما بمعاونة القادرين من أبنائها حتى يتحقق البناء، ولذلك كان الإنفاق علي وجوه الخير يدخل تحت العمل الصالح “الذين آمنوا وعملوا الصالحات” فالعمل فعل وليس كلمة وظهر ذلك جليا في الحضارة الإسلامية والتي يجب أن نتعلم منها الدروس فإذا لم أستطيع البناء لا أهدم علي الأقل وأمنع التخريب استجابة لطلب الشريعة الإسلامية التي تمضي علي النفع، فهذا عثمان بن عفان عندما تعرض المسلمون للأذى أثناء شراء المياه اشتري لهم بئر “رومة” ووهبه لله فمنع الإساءة لهم، وعندما جهز غزوة قال عنه صلي الله عليه وسلم “ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم”.
وبهذه العناصر كان البناء للدولة الإسلامية في خلال 10 سنوات بعد الهجرة بفضل تكاتف الجميع واتحادهم.

بقلم : رجب ابو الدهب – الاهرام المسائي

أخبار ذات صله