fbpx
مؤتمر الحوار اليمني .. والمرحلة الانتقالية من احتلال الجنوب

ليس هناك شك أن نظام صنعاء قد أقنع نفسه بوهم الحفاظ على سيطرته على الجنوب العربي . الوهم الذي استمده من الوعود الدولية والإقليمية لدعم المبادرة الخليجية التي أعدها الرئيس المخلوع من أجل منحه – ومن معه – الحصانة التي بدورها تضمن ما تم الاتفاق عليه بينه وبين الأنظمة الإقليمية والدولية . وهمٌ عززه ممثل السكرتير العام للأمم المتحدة إلى اليمن جمال بنعمر من خلال تظليل المجتمع الدولي بأن حواراً يجري في صنعاء يمثل فيه الجنوبيون نسبة 50 % ، بل أن الأخطر والمعيب في الأمر أن يعتبر السيد جمال بنعمر بأن مجموع الجنوبيين الذين يشكلون أقل من الـ 15 % يمثلون الحراك الجنوبي في الحوار .

وللأسف أنه ما كان لنظام صنعاء ولا للسيد جمال بنعمر أن يظللان العالم ليسيران بالحوار نحو الهاوية لولا وجود بعض من الأخوة الجنوبيين في الحوار اليمني تحت شعار ديماغوجي ( خادع ) وخطير هو : ” حق تقرير المصير واستعادة الدولة الجنوبية بكامل حدودها ” .. فكلمة “حق” التي تتصدر هذا الشعار يراد بها باطلاً وإثماً عظيماً ، لأن المقصود بها هو تثبيت كلمة “حق” بحسب مفهوم القوى السياسية اليمنية كـ ” حق مكتسب ” بالنسبة للشعب الجنوبي باعتبار أنه كانت له دولة مستقلة في فترة معينة لكنها كانت خارجة عن ” الحق الأصلي ” التمثل باليمن الموحد الذي يزعمون أنه كان كذلك في عهد دولة سبا . وقد يكون من السهل الحصول على الاعتراف بـ ” الحق ” لكن من الصعب الحصول على الحق نفسه .

لقد كانت البداية الواضحة في إعداد بعض من الأخوة الجنوبيين للمشاركة في مسرحية الحوار اليمني للقبول بـ(دولة اتحادية من إقليمين شمالي وجنوبي) منذ ظهور الأخوة الذين اعتاد أن يصفهم نظام صنعاء بـ ” المعارضة الجنوبية في الخارج ” ، في حين كنا نصفهم نحن في الجنوب بـ ” القيادات الجنوبية في الخارج ” ، حيث لوحظ أن النتيجة المباشرة للاتصالات السياسية معهم – داخلياً وخارجياً – قد أثمرت عن عقد مؤتمر “جنوبي” في القاهرة في نوفمبر 2011م تحت شعار ” معاً من أجل حق تقرير المصير لشعب الجنوب ” وتحت رعاية السفارة اليمنية في القاهرة ، وبالاستفادة من الفرص المتاحة لهم للتواصل إقليمياً ودولياً . 

بذلك حسم الأخوة الجنوبيين أمرهم في مؤتمر القاهرة ، فقرروا وحدة فيدرالية متفق عليها مع نظام صنعاء بحيث يستفتى بعدها “شعب الجنوب” إذا ما أستطاع أصحاب ذلك المشروع “تحقيق حق تقرير المصير .. ” كهدف عُقد من أجله ما سمي بـ “مؤتمر شعب الجنوب” في عدن لإعداد وتجهيز أولئك الأخوة الجنوبيين للمشاركة في حوار صنعاء الذي يستفيد من وجود المشاركين الجنوبيين فيه – حالياً – لتحقيق الالتفاف على الحق العاجل والشرعي للشعب الجنوبي في التحرير والاستقلال ، غير آبهين باعتراض الشعب الجنوبي الذي خرج إلى الشارع في عدة مليونيات للاحتجاج على ذلك المؤتمر وعلى مشاركتهم فيه .

ومن نافلة القول ، سيخطئ نظام صنعاء إذا ما تهيأ له بأنه استفاد من تجربة إسرائيل بعد اتفاقية أوسلو ، في تعاملها مع ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية التي اعترفت بها الدول الكبرى ممثلاً للشعب الفلسطيني تمهيداً لتلك الاتفاقية ، حيث قبلت منظمة التحرير نيابة عن الشعب الفلسطيني عام 1991 بإقامة سلطة حكم ذاتي لفترة انتقالية لا تتجاوز 5 سنوات للوصول إلى تسوية تامة تبنى على أساس قراري مجلس الأمن الدولي اللذان أكدا على انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها في حرب عام 1967 . 

فوفقاً لاتفاقية أوسلو اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير ، واعترفت المنظمة بدولة إسرائيل (على 78 % من أراضي فلسطين) وقبلت أيضاً بامتناعها عن مقاومة إسرائيل . وكانت النتيجة لمصلحة إسرائيل بحصولها على اعتراف فلسطيني بها ، وبضمان حقها في “القمع الشرعي” لأي مقاومة فلسطينية ، بالإضافة إلى الاستفادة من نشوء الصراع السياسي والعسكري بين القوى السياسية الفلسطينية بسبب معارضة عدة أطراف لتلك الاتفاقية وتهديدها لإسرائيل ، الأمر الذي أدى إلى البحث عن حل لصراع الفلسطينيين مع بعضهم بدلاً عن صراعهم مع إسرائيل . 

ونستطيع القول أن الفرق الجوهري بين الاحتلال اليمني للجنوب والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين يكمن في موقف الشعبين من الاحتلال في كل من اليمن وإسرائيل . فالشعب اليمني ليس له مصلحة مادية أو طائفية أو سياسية في احتلال النظام اليمني لدولة الجنوب على عكس ما هدفت إليه عصابة النظام في العام 1994 واستفادت منه ؛ كما أن فترة الـ 23 سنة الماضية منذ دمج الدولتين إلى اليوم قد أثبتت ذلك بالملموس وبشكل واضح للشعب ، حيث لم تكن تلك الفترة إلا عبارة عن تجربة قاسية من التخلف والفقر والجهل وانهيار شامل في الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والأمنية . 

كما أن الشعب اليمني (المنتمي لدولة الجمهورية العربية اليمنية السابقة) اليوم ليس كالشعب اليمني بالأمس ، وبالذات في ما يتعلق بموقفه من ثقافة أعمدة السلطة التقليدية وتبعيته لها في فترات سابقة وفقاً لتقاليد سياسية واجتماعية تم انحسار بعضها بفعل التأثير الثقافي الناتج عن دمج الشعبين في كل من ما كان يسمى دولتي الشمال والجنوب والإطلاع على مختلف الثقافات عبر وسائل الإعلام الحديثة والمتعددة . وأصبح كل من الشعبين يدرك أن الحرية حق شعبي لا يمكن إدراكها إلا بمراعاة حق الشعوب المجاورة في التمتع الكامل بحقها في اختيار حريتها بنفسها .

ولذلك فأن السلطات اليمنية القائمة حاليا لا تسعى من خلال مؤتمر الحوار اليمني الذي أعدت مخرجاته بالطريقة المتفق عليها مسبقاً إلا لخدمة مصالحها فقط ، وتعتبر الحوار فرصة جديدة لتشريع وتجديد استبدادها على الشعب في كل من الجنوب والشمال على حد سواء . فقد تستغل ذلك الاعتراف والدعم الدولي للمؤتمر المبني على مصالح دولية معها ، لكنها لن توفي بها . وقد تستطيع أن تصور التناقض على شكل توافق من خلال العناصر الموكل إليها ذلك الأمر طالما المال متوفر والظروف ملائمة ؛ ولكن ماذا بعد أن تكون نتيجة المؤتمر هي ” فترة انتقالية ” ؟ .. بل ماذا بعد أن يأتي رد الفعل الشعبي على تلك المسرحية ؟! .