يافع نيوز – خاص
تثير الضربات الجوية الإسرائيلية الأمريكية الأخيرة التي استهدفت مواقع تابعة للحوثيين في اليمن جدلًا واسعًا بشأن فعاليتها وقدرتها على إضعاف الجماعة على المدى الطويل. وفي حين تحمل هذه العمليات رسائل سياسية وعسكرية واضحة، تشير تجارب الصراع في اليمن إلى أن الاعتماد على القوة الجوية وحدها لا يكفي لتحقيق انتصار حاسم، مما يطرح تساؤلات حول جدوى هذه الاستراتيجية وأهدافها بعيدة المدى.
على الرغم من تأثير الغارات الجوية في ضرب بنى تحتية حوثية حساسة، إلا أن الجماعة أثبتت مرونة استثنائية في التعافي من الضربات الجوية السابقة. تضاريس اليمن الجبلية لعبت دورًا مهمًا في تعزيز قدرتهم على تفادي التدمير الكامل لمراكز قوتهم، ما يحد من التأثير الاستراتيجي للغارات الجوية التي تفتقر إلى دعم ميداني على الأرض.
وتشكل ميليشيا الحوثي خطرًا حقيقيًا على دول الخليج العربي والمصالح الدولية، إذ استهدفت في السنوات الأخيرة مصادر الطاقة في المملكة العربية السعودية عبر هجمات متكررة على منشآت نفطية حيوية، كما حاولت استهداف دولة الإمارات العربية المتحدة بهجمات صاروخية وطائرات مسيرة. بالإضافة إلى ذلك، تتعمد الميليشيا تهديد أحد أهم الممرات المائية العالمية في البحر الأحمر من خلال استهداف السفن التجارية وناقلات النفط، مما يعطل حركة التجارة الدولية ويعرض الاقتصاد العالمي لأزمات متتالية.
تُظهر هذه الأفعال بوضوح أن الحوثيين لا يعملون كقوة مستقلة، بل هم أداة في يد إيران، ينفذون أجندتها السياسية لتحقيق مكاسب تخدم طموحاتها التوسعية في المنطقة. استخدام الحوثيين كورقة ضغط إقليمية يعكس سياسة إيران القائمة على زعزعة استقرار دول الخليج وتهديد أمنها القومي، مما يؤكد الحاجة إلى موقف عربي ودولي حازم للتصدي لهذه التهديدات وإعادة الاستقرار إلى المنطقة.
إن التصدي للتهديد الذي تشكله ميليشيا الحوثي يستدعي تكاتف الجهود الداخلية، الإقليمية والدولية بشكل موحد وفعّال. يجب أن تعمل الدول العربية، بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، مع القوى العالمية الكبرى والهيئات الدولية لضمان مواجهة التحديات التي تطرحها هذه الجماعة المدعومة من إيران. التعاون المشترك بين الدول العربية ومجتمعها الدولي يعد أمرًا أساسيًا للقضاء على هذه الجماعة المتطرفة، ووقف طموحات إيران في السيطرة على المنطقة، وحرمانها من استخدام الحوثيين كأداة لزعزعة استقرار دول الخليج والتهديد بالممرات التجارية العالمية. في هذا السياق، يكون دعم الاستقرار العربي والتنمية في المناطق المتضررة جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية شاملة تهدف إلى استعادة الأمن والسلام في المنطقة.
في هذا السياق، يُعد دعم تطلعات شعب الجنوب وإيجاد إطار شامل لحل قضيته من أهم مرتكزات أي استراتيجية لمواجهة الحوثيين. لا يمكن تجاهل أهمية المحافظات الجنوبية كركيزة أساسية لتحرير الشمال، نظرًا لدوره المحوري في تحقيق توازن سياسي وعسكري في اليمن. يستند هذا الإطار إلى مخرجات مشاورات الرياض التي أكدت على ضرورة معالجة قضية الجنوب بشكل عادل، مع تقديم ضمانات إقليمية ودولية تُطمئن الجنوبيين حول مستقبلهم السياسي وتُعزز من مشاركتهم الفاعلة في أي جهود لتحرير اليمن.
يشير محللون لــ ” يافع نيوز “ إلى أن توحيد الجهود بين القوى الجنوبية والقوات المحلية المناهضة للحوثيين قد يكون المفتاح لتحقيق تحول حاسم في الصراع. تجربة التحالف العربي في تحرير المناطق الجنوبية تقدم نموذجًا ناجحًا يُبرز فعالية القوات المحلية المدعومة بجهود إقليمية ودولية. ومع ذلك، تظل الحاجة ملحة لإعادة هيكلة الشرعية اليمنية وضمان قيادة موحدة قادرة على إدارة الصراع بفعالية.
إلى جانب ذلك، يجب أن تكون التنمية عاملًا مكملًا لهذه الجهود، من خلال تحسين الخدمات الأساسية والبنية التحتية في المناطق المحررة. التنمية ليست فقط وسيلة لتعزيز الاستقرار في المناطق المحررة، بل أيضًا أداة لخلق نموذج جذاب يُشجع سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين على المطالبة بالتغيير والانخراط في مشروع وطني شامل.
النجاح في مواجهة الحوثيين وتحقيق الاستقرار في اليمن يتطلب رؤية شاملة تُدمج الجوانب العسكرية والسياسية والتنموية، مع الاعتراف بدور الجنوب كمحور رئيسي في هذه المعادلة. اليمن، الذي أنهكته سنوات الحرب والصراع، يحتاج إلى حلول تستوعب تطلعات جميع مكوناته وتُمهّد لبناء مستقبل مستقر ومزدهر.