مقالات للكاتب
هاني مسهور
الضربات الأميركية – البريطانية على جماعة الحوثي خطوة نحو الاعتراف بدولة “إمارة يمنستان”، وهذه ليست نظرة تشاؤمية بمقدار ما هي نظرة واقعية حتى أن العقل العربي رفضها كما رفض القبول بغيرها من الوقائع.
الضربات الجوية لا يمكن أن تكسر الجماعة التي تمرست على هذه النوعية من العمليات، كما أنها وبحسب التاريخ مع جماعة الحوثي ترشدنا إلى ما يمكن استشرافه من مستقبل سياسي لهذا الجزء من العالم، فمن حصار دماج في محافظة صعدة عام 2011 بدأت سلسلة ممتدة للجماعة الحوثية من الحروب والتفاوض، وصلت إلى حد استدعاء الولايات المتحدة وبريطانيا إلى هذه المعركة غير المتماثلة، في تكرار لما تمرس عليه الحوثيون في حروبهم المتوالية.
ليس مهما توصيف المشهد في اليمن بمقدار ما هو مهم النظر إليه بواقعية وتحمل ما فيه من قتامة، فهو صورة من صور أخرى تتعلق بما أقر به الرئيس الأميركي السابق بارك أوباما في كتابه “الأرض الموعودة”، ليتحول إلى عقيدة تسير عليها السياسات الأميركية، بعد أن سارت بناء على عقيدة مونرو ثم ويلسون وترومان وأيزنهاور وحتى نيكسون وريغان وبوش الأب والابن، وصولا إلى أوباما وانتهاء بعقيدة بايدن التي هي امتداد لنظرية تمكين القوى الإسلامية في الشرق الأوسط للوصول إلى الحكم باعتبارها قوى معتدلة بحسب نظرة اليمين الديمقراطي. ومن هنا جاء الانسحاب الأميركي من أفغانستان وتسليمها لحركة طالبان عملا بالقناعة الأوبامية في الدول حتى وإن كانت تحت حكم سلطة دينية متعصبة.
ما حدث في كابول عام 2021 كان هو الحقيقة، وإن كان صعبا القبول بذلك. فهو تنفيذ لعقيدة أقرت ويجري تنفيذها على حساب الدول العربية. والوعي بأن ما يتم من تمكين للقوى الإسلامية في المنطقة ليس مسألة عابرة بمقدار ما هو خطر على حاضر الأجيال والمنطقة، بل على العالم أيضا، وهو ما تلا عشرية ما يسمى بـ“الربيع العربي”، حيث اعتمدت الولايات المتحدة بوضوح نظرية التماهي مع القوى الإسلامية، رغم أن هذه القوى هي التي تبنت مهاجمة الغرب وذهبت إليه لتنفيذ عمليات إرهابية، لم تكن هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 غير واحدة منها، فتنظيم القاعدة مخلب من مخالب الفكر المتعصب الذي أنتجه الإسلام السياسي لإقامة ما يزعم أنه دولة الخلافة الإسلامية.
مع ذلك، يراهن اليمين الديمقراطي على هذه القوى باعتبارها مناهضة لقوى الحكم القائمة في العالم العربي ذات التوجهات الوطنية، مع عدم قدرة العالم العربي على استيعاب أن تحولا إستراتيجيا حادا يجري في السياسات الأميركية تجاه المنطقة الشرق أوسطية.
الارتباك العربي سياسيا ظل غير قادر على فرض مقتضيات الأمن القومي العربي، حتى مع محاولات معالجة ملفات الأزمات المشتعلة التي ضربت عواصم محورية كما في العراق وسوريا، على اعتبارها حوائط قوميّة أساسية غرقت في الفوضى بعد أن تمكنت الجماعات الدينية من إضعافها.
استطاعت دولة الإمارات تقديم الدعم لمصر لتقف على قدميها، كما بادرت إلى تقديم الدعم للكيان الجنوبي في عدن لمواجهة المدّ الإسلامي، رغم تعدد أطرافه المدعومة من إيران وجماعة الإخوان. ما قام به الإماراتيون من دعم للكيان الوطني في اليمن ومصر وليبيا والسودان كان عملا استثنائيا، لكن اليد الواحدة لا تصفق، ولا يمكن للإمارات وحدها أن تقوم بما كان على المنظومة العربية كلها أن تقوم به من تغييرات.
منهجية التفكير الواقعي تقود إلى أن لا حلّ مطروحا على الطاولة مع ارتباك السياسات الأميركية، وذلك بسبب أن الولايات المتحدة هي ذاتها تعيش ارتباكا داخليا في التنافس بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وما واقعة اقتحام مبنى الكابتول في 6 يناير 2021 سوى مشهد واضح لماهية الحالة الأميركية التي يتعين معها النظر إلى سياساتها في العالم والشرق الأوسط تحديدا.
اعتمدت الولايات المتحدة على سياسة الغرف الخلفية في مفاوضاتها الاضطرارية مع حركة طالبان عبر القطريين، وهذا ما يمكن أن تعتمده مع جماعة الحوثي عبر العمانيين. وكانت واشنطن قد فرضت على المجتمع الدولي الاعتراف بطالبان باعتبارها سلطة أمر واقع في أفغانستان، واكتفت كما اكتفى العالم من بعدها بإصدار بيانات تعبر عن شعورها بالقلق على انتهاكات حقوق الإنسان والإجراءات التعسفية التي طالت المرأة الأفغانية.
ما جرى في كابول سيجري في صنعاء، فكل المعطيات تؤشر على المجرى الذي ستتطور إليه الأحداث في اليمن مستقبلا، ولا مجال أمام الغرب سوى الإقرار بحكم الحوثي لشمال اليمن، خاصة أن القوى الحزبية باتت بعد الهجمات الأميركية – البريطانية على المواقع العسكرية الحوثية منصهرة أكثر.
أصبحت “يمنستان” واقعا في العالم العربي، وقد يكون لدينا قريبا لبنانستان، وعراقستان، وسوريانستان، وسودانستان، فهذه محصلات لمعطيات واقعية وإن كانت قاسية على الوجدان العربي وثقيلة على أجيالنا.
ستبقى المقاومة الوطنية لروافع الدولة الوطنية هي الرهان الأوحد، ولذلك فإن على الشعوب العربية النظر إلى أن عدن تبقى في هذه اللحظة الراهنة حاملة لما يجب أن تذهب إليه مفاهيم الدولة الوطنية، بقيمة انتمائها القومي الذي نشأت عليه قومية الدول الوطنية الحديثة، في النصف الثاني من القرن العشرين الذي شهد جلاء الاستعمار الأجنبي، وجاء الآن العهد الذي يتطلب إجلاء الاستعمار الإسلامي الذي غمر المنطقة العربية وأغرق شعوبها في كهوف الظلمة والتخلف والحروب الطائفية التي لا معنى لها سوى تمكين الخرافة الأممية الإسلامية على العالم العربي.. وإن كان هناك يمنستان فهناك بالمقابل جنوب عربي غني بالقيم العروبية الصافية.
مع التشاؤم هناك الكثير من التفاؤل بأن العرب قادرون على دعم ما تبقى لهم من مكتسبات يمكنها أن تساعدهم على مدى عقود قادمة، فالحياة لن تنتهي عند يمنستان كما انتهت عند أفغانستان.
صحيفة العرب