كتب / صالح عبدالله علي الوعلاني (والد الشهيد)
رحمك الله يا سالم ابني، يا شهيد الدين والعرض والوطن والأمة، ولا نقول سوى ما يُرضي الله، إنا لله وإنا إليه راجعون. لقد آلمنا فراقك وأتعبنا موتك، ولكن عزاؤنا أنك حيٌ ترزق عند ربٍ كريم، قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.
حلت علينا يوم السبت الموافق 14 أكتوبر 2023م، الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد ابني المقاوم الشهيد البطل/ سالم صالح عبدالله علي الوعلاني. وفي هذه السطور القليلة نتناول نبذة مختصرة عن حياة الشهيد، ثم نعرج على بيان مختصر لمآثر الشهيد وبطولاته، ورغم أن الشهيد لا يزال في بداية حياته إلا أنه قد عشق التضحية والفداء دفاع عن الدين والوطن. كما يبدو وهو في المهد صبيا، وهذا هو مبدأ الرجال الأحرار.
الشهيد/ سالم صالح عبدالله علي الوعلاني، من مواليد عام 1985، في مديرية رصد- منطقة عمدات يافع. التحق بالتعليم الابتدائي والأساسي في مديرية رصد منطقة عمدات مدرسة الحكمي، ثم واصل دراسته الثانوية في ثانوية سالم صالح في منطقة رصد- مديرية رصد/ محافظة أبين.
الحالة الاجتماعية: متزوج، وأب لخمسة أولاد: ثلاثة ذكور، وأنثيين.
عاش الشهيد البطل حياة حافلة بالعطاء والجهد والعمل، مكافحا مجتهدا لتوفير حياة كريمة لأهله وأولاده، وذو أخلاق رفيعة منذ سن الطفولة مع الجميع، القريب والبعيد، ومع كل من عرفه. فكان الابن البار بالوالدين، وكان يحب الخير والتعاون مع الجميع.
في عام ٢٠١٥م، غزت ميليشيات الحوثي أرض الجنوب الطاهرة؛ فكان أول المدافعين عن الأرض والعرض والدين، فالتحق في صفوف المقاومة الجنوبية في العاصمة عدن، بجانب أخيه/ ثابت صالح الوعلاني، والقائد/ علي محمد ناجي الخيالي، والقائد العميد/ عدنان الماتري قائد العمليات المشتركة لقوات الساحل الغربي، وغيرهم من قيادات المقاومة الجنوبية في العاصمة عدن. وكذلك كان أحد أفراد المقاومة في جبهة بلة، بقيادة القائد/ أبو هارون اليافعي، والشهيد/ ثابت جواس. وقبل ذلك، كان من أوائل المشاركين في كافة مراحل الحراك الجنوبي السلمي، في جميع الفعاليات والمظاهرات السلمية اللاتي يدعو لها قيادات الحراك السلمي الجنوبي آنذاك. وكان حاضرا في كل المحافظات والمديريات اللاتي تقام بها الاحتفالات والمظاهرات السلمية مع رفاقه وزملائه الأحرار.
وبعد هزيمة الميليشيات الغازية الحوثية الإيرانية وطردها من عدن والمناطق المجاورة لها، التحق الشهيد بقوات العمالقة بالساحل الغربي تحت قيادة القائد الفذ المغوار اللواء/ عبدالرحمن أبو زرعة المحرمي- نائب رئيس المجلس الرئاسي، القائد العام لقوات العمالقة. والتحق بعدة دورات تدريبية داخلية وخارجية، وكلف بعدة مهام من قبل قيادات ألوية العمالقة، فكان منفذا للأوامر والمهام الموكلة إليه، دون تردد أو تقاعس أو أعذار، مشاركا في جميع الجبهات المشتعلة، متنقلا بين عدة جبهات حسب طلب وأوامر قيادته المباشرة.
جرح الشهيد في محافظة شبوة أثناء مشاركته ضمن قوات العمالقة الموكلة لها مهام طرد الغزاة من ميليشيات الحوثي من محافظة شبوة، وتطهير المديريات التي كانت تحت سيطرة ميليشيات الحوثي التي تم تطهيرها بوقت قياسي من قبل قوات العمالقة، بقيادة القائد الفذ المغوار اللواء/ أبو زرعة المحرمي.
نقل الشهيد لخارج الوطن لتلقي العلاج، استمر لعدة أشهر، وبعد عودته من الرحلة العلاجية بالخارج، عاد إلى وحدة العسكرية بالساحل الغربي لواء المهام العمالقة المباشرة عمله الموكل إليه؛ فخاض عدة معارك في عدة جبهات ضد ميليشات الحوثي، فكان في الصفوف الأولى بأي جبهة مشتعلة.
عُرف الشهيد/ سالم صالح الوعلاني بشجاعته وبسالته، ورغم صغر سنه إلا أنه عاش مرفوع الهامة، قوي الشكيمة، عال العزيمة، إلى أن استشهد في محافظة أبين- مديرية مودية، في معركة سهام الشرق التي تخوضها القوات المسلحة الجنوبية ضد التنظيمات الإرهابية الإجرامية. وفي يوم الجمعة، الموافق 14 أكتوبر 2022م، استشهد الشهيد البطل/ سالم صالح الوعلاني ورفاقه إثر عبوة ناسفة برفقة زملائه الشهداء الأبرار، والجرحى الميامين، الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم في سبيل هذا الوطن الذي ضحى الكثير من أجله. ولا زلنا نقدم فلذات أكبادنا وهم في سن الزهور؛ من أجل كسر شوكة هذه الميليشات الحوثية والإرهابية، والخارجة عن النظام والقانون، وكل الفئات الضالة التي طغت وأفسدت في البلاد.
كان الشهيد -رحمة الله عليه- مغوارا لا يرضى الظلم الذي تمارسه ميليشيات الحوثي في هذا الوطن، ولا الأعمال الإجرامية التي تقوم بها التنظيمات المتطرفة الإرهابية؛ فتولدت لديه عقيدة قتالية جسدها في حياته، وكان شعاره دائما: “الدفاع عن الوطن والدين والعرض وأكون أول جندي ضد من اعتدى على وطني.. يا حياة الإكرام، يا موت الأبطال”. هذه هي مقولة الرجال الأحرار الذين وهبوا أنفسهم فداء لهذا الدين والوطن. أسأل الله أن يرحمه ويغفر له، ويسكنه فسيح جناته، ويرحم جميع الشهداء الأبرار، ويشفي الجرحى الميامين.
واليوم يصادف مرور سنة منذ رحيلك يا ولدي الغالي، مرت علينا دون أن نرى نور وجهك المضاء، وابتسامتك التي كانت تملئ جنبات حياتنا ضياءً ورونقا وزهوا. مرت سنة بأيامها ولياليها وساعاتها دون أن نسمع صوتك العذب، وكلماتك الصادقة، وأحاديثك العطرة. باستشهادك يا ولدي فقدنا الأنيس، وخسرنا الجليس، وافتقدنا الحبيب الذي لا يعوضه الدهر أبدا. لقد عز علينا فراقك يا ولدي، لكن عزائنا فيك أنك قد استشهدت مقبلاً غير مدبر وأنت تدافع عن نصرة الدين والعقيدة والوطن، ونسأل الله تعالى أن يتقبلك شهيدا.
اللهم نور قبره مثلما كان ينور حياتنا، وأسعد فؤاده بدخول جنتك مثلما كان يسعد قلوبنا بوجوده، اللهم آنس وحشته مثلما كان يؤنس وحشتنا، واجعل اللهم قبره روضة من رياض الجنة.
في هذه الذكرى الأليمة لاستشهادك يا ولدي وفلذة كبدي أبكي رحيلك، ولم أصدق أنك رحلت عني وتواريت إلى غير رجعة، لكنني مع ذلك أرى خيالك في كل يوم أمامي كفارس مغوار ترجل من جواده ليأخذ استراحة محارب ثم يعاود نزال الأعداء. لا أصدق أنك لن تعود. لقد كنت لي يا ولدي أمنية وحلما وأملا؛ فكيف عسى أن يكون حال المتمني إذا فقد مناه؟ وكيف يكون حال الحالم إذا تبخر حلمه وذهب مع السراب؟ وكيف يكون حال من فقد أمله في هذه الحياة؟
عندما نتذكر من رحلوا؛ فإن الآلام لا تتجدد؛ لأنها لم تذهب عنا أصلا، ولكن ذكرى رحيلهم تجدد أحزاننا، وتبعث غصة في قلوبنا. نعم، قد نستطيع تجاوز الحزن، لكن هذه الأحزان لا تنتهي؛ فكل عام تعيد رحيل الحبيب، وتعيد إلينا آلامنا وأحزاننا؛ فيا رب خفف على قلوب أضناها الشوق للحبيب، وأسعدنا بلقاء عاجل معه في الجنة.
اللهم ارحم ابني الشهيد، وارحم جميع الشهداء الأبرار، واللهم اشف الجرحى الميامين.