لم يتحلَّ طرف من أطراف “المسألة اليمنية” مع التحالف بمستوى عالٍ من أخلاقية العلاقة وشرف الالتزام بقيمها كما تعامل الطرف الجنوبي المقابل للأطراف في المسألة اليمنية.
ولم يكن ذلك النهج سهلاً بل قدمت على دربه تضحيات وتنازلات مرة، حد أن جعلت الطرف الجنوبي نصعاً للتشكيك في تمثيله قضية استقلاله الوطني، وموضعاً لاعتباره الجدار القصير في معادلة الحل والنهايات غير السعيدة.
ولم يكن ذلك النهج عن عجز ، لكنه كان عن موقف مبدئي ذي أفق مستقبلي في علاقة الجنوب (العربي) بمحيطه الإقليمي تكفيراً عن خطيئة ماض سياسي لم يكن الحاضر مسؤولاً عنها.
أما وقد جنح التحالف للمسالمة مع الطرف اليمني (الانقلابي سابقاً) ولم يعد تحرير صنعاء في أجندته ولا أجندة شرعية صنعاء النازحة في الآفاق، فإن للطرف الجنوبي وعليه أيضاً ألا يظل لحيقاً بشرعية(ماهلهاش) فهو الطرف الرئيس المقابل للطرف اليمني الذي لم يعد أنقلابياً، فواقع الحال أن على ما (ولا أقول من) تبقى من أفراد الشرعية النازحة أن يعيدوا برمجة إعدادات وجودهم السياسي فإما إلى الانقلابي السابق الحاكم الفعلي في صنعاء ونواحيها، وإما إلى الجنوب العربي المهيمن قوة وشعباً وإرادة على وطنه المستعاد بعد 30 عاماً من الاستلاب، الأمر الذي يقتضي أن ترتقي القوى الفاعلة في جغرافيتي الطرفين السياسية إلى مستوى التحدي بحيث لا تفضي نهاية السنوات الثمان المدمرة إلى مجهول أكثر تدميراً.
ذلك أن أي أجندة للتحالف أو سواه تحاول تصفير عداد المسألة اليمنية بعد الحرب إنما هي صورة أخرى أدهى من تصفير عداد علي عبدالله صالح في برلمانه سيئ الصيت والوظيفة.
الكرة الآن في الملعب السياسي الجنوبي (بقواه الوطنية الحية والفاعلة على الأرض في المهرة وسقطرى وحضرموت وشبوة وأبين ولحج وعدن ( ككتلة صلبة) تواقة إلى بناء دولة شراكة وطنية مدنية اتحادية محترمة)، وينبغي (بل آن له) أن يخرج من إسار رتابة البيروقراطية والروتين السياسي أو الانتظار على عتبات التحالف مسترضياً حيناً ومناوراً حيناً، فلقد ظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ولم يعد البقر متشابهاً على أحد سوى من كان أعمش سياسياً أو لا يرى أبعد من أرنبة أنفه، وفي السياسة تبدو مقولة “الكرت اللي تغلب به إلعب به” قاطعة كجهيزة قول كل خطيب.
سعيد الجريري