fbpx
على قدر أهل العزم .. ! | بقلم : احمد عمر بن فريد

حلمنا .. وحقنا في بناء دولتنا الحرة المستقلة ” المدنية ” في الجنوب ليس بالأمر الهين أو اليسير , ولا هو بالمستحيل ايضا , خاصة اذا ما تعرفنا على حقيقة عربية مرة , ربما تبدو غائبة عن بال ” الثائر الجنوبي ” كما هي غائبة حتى عن فكر المواطن العربي بشكل عام . وهي أن ” الدولة المدنية ” المستقرة لم تتحقق كمشروع وطني في اي قطر عربي حتى الآن ! وحينما نقول هذا الكلام فاننا نقصد الدولة التي قدمت ” اجابات قاطعة – مانعة ” لجميع الأسئلة التاريخية المستعصية التي اعاقت بناء الدولة العربية وتسببت في مراحل مختلفة من هدم اركانها , ونسف بنايانها على هذه الرقعة الجغرافية او تلك .. او في هذه الحقبة الزمنية او تلك من وطننا العربي الكبير .

ان الأسئلة الكبيرة التي تتعلق بعلاقة الدولة بالتكوينات الاجتماعية الطبيعية ” القبيلة ” والكيفية التي يمكن من خلالها انخراط تلك التجمعات الاجتماعية ” المتماسكة ” في بنية الدولة المدنية دون ان تعيق حضورها وطغيانها ونفوذها , تعتبر واحدة من أهم ” المتاعب التاريخية ” على الاطلاق التي كانت ولازالت – وللأسف الشديد – ستظل من اكثر العقبات التي تتناقض مع الدولة في اهم عنصر لها وهو وجودها وحضورها كبديل ل” القبلية ” أو ” المناطقية ” .

وتقدم التجربة الوطنية لدولة الجنوب واحدا من أهم النماذج الفريدة لهذه الحالة المستعصية التي لم تفلح فيها الدولة نهائيا في تحييد ” القبيلة ” أو ” المنطقة ” من مشروعها الوطني من خلال ” فكفكة ” بنيتها الاجتماعية المتماسكة ودمجها في المشروع الوطني المتجاوز لهذه العصبية بكافة ابعادها وسلبياتها .. لكن الأكيد في الأمر ان ” القبيلة ” قد تلاشى دورها في تلك الحقبة من تاريخ بلادنا من مسرح السياسة بشكل نهائي نتيجة ل ” قمعها ” من قبل الدولة ذاتها وليس من خلال دمجها في المشروع الوطني ! ما يعني انها بقيت كما هي في نسيجها وفي بنيتها وفكرها ك ” خلية نائمة ” بالاصطلاح القاعدي ان جاز التعبير , حتى اذا ما تهيأت الظروف لعودتها الى وضعها الطبيعي خرجت الى السطح ” كما هي ” وكأن شيئا لم يحدث !

ان اطلاق سمة ” القبائل الماركسية ” كان المصطلح المحبب أو الاضافة الجديدة للقاموس السياسي العربي , و من بنات افكار عدد من المفكرين العرب , الذين انتقدوا التجربة السياسية برمتها في دولة الجنوب السابقة , وما يهمنا نحن كجنوبيون في هذا الأمر , انه وعلى الرغم من تبني الدولة لمشروع ” اممي ” يتجاوز حدود الدولة القطرية ناهيك عن ” المنطقة ” او ” القبيلة ” الا ان هذا المشروع لم يكن في حقيقة الأمر سوى وسيلة استخدمت للوصول الى السلطة , حتى اذا ما احتدم الصراع مابين حملة هذا المشروع الأممي على ” السلطة ” تم في غمضة عين استدعاء ” القبيلة ” المقموعة من قبل عناصر السلطة نفسها , ثم تسليحها بكافة اسلحة الدولة لكي تنتصر لأبنائها ” حملة المشروع الأممي ” ضدا على الدولة المدنية من جهة , و من اجل البقاء في السلطة من جهة أخرى ! … وتلك حقبة قد خلت .

نقول هذا الكلام ونحن نقف على اعتاب مرحلة جديدة من تاريخ الجنوب .. مرحلة البحث ” للمرة الثانية ” عن الدولة الوطنية !! لكن الغبي فينا , هو ذلك الذي يعيد ما اكتوى بناره مرة اخرى في الوقت الذي يشاهد امام عينيه ” كتاب التاريخ ” مفتوحا امامه دون ان يعتبر منه ! و الأتعس من كل ذلك ان يساهم في اعادة ذلك التاريخ البليد من كان جزء منه وفاعلا فيه , أو من كان شاهدا على حجم بشاعته واخطائة وخطاياه دون ان يتعظ او يعتبر مما جرى وكان .

ان حالنا اليوم يشبه الى حد بعيد ذلك الذي يقف على بقايا ” منزله ” المتهدم والمتناثر امام ناظريه , متأهبا لاعادة بناء منزل جديد على نفس المساحة وبذات الأدوات والوسائل وعمال البناء دون ان يسأل نفسه عن ” الأسباب الحقيقية ” التي تسببت في انهيار منزله القديم في سبيل ان يتحاشى تكراراها مرة أخرى حتى لا تحدث ” كارثة السقوط ” للمرة الثانية على التوالي … انها الحاجة الجنوبية الملحة لنا جميعا جهة طرح ” مشروع وطني ” واضح المعالم في كل ما يتعلق بالدولة الوطنية القادمة – بحول الله – في الجنوب , بما يحقق الاجابة عن جميع الاسئلة الملحة التاريخية منها والحديثة , والتي تسبب تجاهلها في الماضي في حدوث جميع الكوارث والنكبات التي احاقت بنا جميعا ولا زلنا نعاني منها حتى اللحظة .

اذا .. نحن بحاجة ماسة الى طرح ” المشروع الوطني ” الذي يضمن تجنب ان يكون هذا الشعب العظيم ودولته مجرد ” عبدا ” من عبيد المحاور الاقليمية اوالدولية ! كما هو حال بعض الدول العربية في المنطقة .. المشروع الوطني الذي يضمن عدم تحول المكونات السياسية او الأحزاب الى ” وكالات سياسية ” لهذه الدولة او تلك او لهذا التوجه الاقليمي او ذاك ! .. المشروع الوطني الذي يقدم اجابات مقنعة لكيفية انخراط ” القبيلة ” في بينة الدولة المدنية بصورة مثالية تتحاشى اخطاء الماضي التي وقعنا فيها.. المشروع الوطني الذي يقدم اجابات مقنعة لعلاقة الدولة بديننا الاسلامي الحنيف دون ان يتحول الدين الى وسيلة ل” الابتزاز السياسي ” .. او تتحول بلادنا الى مشاريع دينية لفرق من الخوارج الجدد ! .. المشروع الوطني الذي يضمن ذوبان المناطقية في المصالح الوطنية العليا .. المشروع الوطني الذي يقضي على ” الشللية السياسية ” التي تحتمي خلف البيارق الوطنية وكأنما وهي خلقت من اجلها ولها وحدها … وعلى قدر اهل العزم تأتي العزائم

* عدن الغد