fbpx
الفقيد صالح محمد فليس رجل ملأ فضاء الوطن

 

اللهم إن لم نكن اهلا لبلوغ رحمتك فإن رحمتك أهل لأن تسعنا فإنك قلت وقولك الحق   ( ورحمتي وسعت كل شيء).

اللهم ارحم فقيدنا المحبوب الى قلوب احبته وأهله وزملائه وكل من عرف صالح محمد فليس.

لم اتعرف على المرحوم عن قرب إلا منذ ثلاث سنوات تقريبا ورغم انني لم أجتمع به إلا ساعات محدودة عندما كان يزور اهله عائدا من بلد الغربة التى فرضت عليه كما فرضت على الكثير من ابناء الجنوب بعد حرب 1994 م.

إلا أن معرفتنا القصيرة به أحسستنا بأننا نعرفه منذ زمن طويل ، ساعات قصيرة  كانت مكثفة  بمعني الصداقة والإنسانية ورجاحة العقل وحسن الجيرة ، صحيح كانت معرفتي  بالمرحوم  منذ ثلاث سنوات بحكم انه تزامن انتقالنا معا إلى سكنا الجديد  بحي الطيارين والمهندسين خلف الملعب الرياضي.

إلا ان صالح كان اسم معروف يتردد على لسان الكثيرين من الخيرين وأذكر ا ن اول معرفه عابره بالمرحوم  كانت منذ 23 سنه تقريبا  عندما كنت طالبا في الجامعه بواسطة الاخ منصور امسوري بمنزله الكائن بحي ريمي ، اتذكر انه سألني حينها عن تخصص دراستي بالجامعة أجبته  انني أدرس علم الاجتماع وكنت في السنة الاخيرة عندما شاهد بيدي كتاب في علم الاجتماع وأخذ يتحدث عن الاجتماع والعلم بمستوى الاساتذة في الجامعه. وقد ذكرته هذا الكلام قبل ثلاث سنوات عندما كان يحضر معنا في منتدى مدار اثناء عودته من الخارج.

كان يتحدث بعمق وينظر للأشياء بواقعية فهو صاحب فكر استراتيجي يشير الى اهمية النظر للمتغيرات التى تعصف ببلادنا  وكان يدقق في كيفية التعامل مع معطيات هذا الواقع وينوه الى اهمية التحكم بها  حتى لا تعبث بأمن واستقرار المجتمع.

لقد عجزنا عن صناعة شخصيات وطنية جامعة ممكن تمثل مرجعية محورية يمكن الاتكاء اليها في زمن العواصف , ونعني بالشخصيات الوطنية تلك المحررة فكراً وأسلوبا عن تعقيدات الماضي ، متجاوزه  كوابح الحاضر تمتلك أفق واسع تجاه الكل .

 وبرغم ما يحاط بحياتنا العامة من تناقضات وتعقيدات كان صالح فليس واحد من تلك الشخصيات الوطنية الذي نجده يقف على مسافة واحده مع الجميع من زملائه وجيرانه ورفقته بالعمل  حتى من يختلف معهم كما كنت أسمع عنه ذلك من كل الاشخاص الذين عرفوه .

وقد تأكد ذلك بالملموس في حفل تأبين المذكور الأسبوع الماضي في فندق ميركيور بخورمكسر.

ففي الصباح الباكر وأنا في طريقي إلى الفندق وجدت طيب الذكر على محمد ناجي المرشدي في الطريق يمشي بخطوات سريعة مع ابنه محمد عندما شاهدته أوقفت السيارة وانتظرته وقلت تفضل أين ذاهب أراك مستعجل قال لي أنا متجه إلى حفل تأبين الفقيد فليس وبدأ يحكي معي حرصه على حضور هذه المناسبة ذكرى لهذا الشخص الذي كما قال انه تعرف عليه سابقا في العمل وأخذ يمتدح الشخص ويعدد مزاياه التي قلما توجد عند الآخرين .

وصلنا القاعة المخصصة للحفل في فندق ميركيور وكانت القاعة مكتظة بالحاضرين ، وجوها لم نلتقي بها من فترات طويلة وآخرين لأول مرة عرفناهم .

زينت القاعة بصورة الفقيد والبرنامج الجميل الذي أعده القائمين  على تلك المناسبة لقاء جمع فسيفساء الجنوب ربما لأول مره تجتمع كوادر مؤسسة اليمداء التي تبعثرت وتطايرت مقومات المؤسسة البشرية والمادية لم يكن الحاضرين من زملاء العمل بل الجيران وزملاء الدراسة وغيرهم من ربطتهم علاقة بالمرحوم .

أحسسنا كل الذين تحدثوا عن هذا الهامة الوطنية في حفل التابين بقيمة هذا الشخص الوطني الجنوبي الكبير عرض الجميع مناقب وصفات الشخص التي يفتقدها الكثير منا ، كم أحسسنا ذلك الجمع الرائع لزملاء في مرحلة الدراسة إلى مرحلة الاقصاء والتهجير .ورغم انها مناسبة حزينة إلا ان ما عرضه المتحدثون وما تبادلوه من أحاديث وقبلات كانت مليئة بالأمل لعودة الروح إلى هذا الشعب الذي عانى ويعاني الكثير.

عرفنا عن قرب مدى ذلك الظلم الذي تعرض له طياري ومهندسي وموظفي هذه الشركة الناجحة وكيف تم بناؤها الذي أعتمد على البعد الوطني والمهني .

كانت سرية المرحوم متميزة مليئة بالاجتهاد والمثابرة  مليئة بالنشاط والحيوية والثقة العالية بالنفس والطامحة للعلى. مليئة بالمعاناة منذ سنوات دراسته في الخارج وعملة في الداخل كما عرضها الريبورتاج القصير في القاعة الذي تضمنتها سرية حياته.

رحمك الله يا بو نايف ، رحلة عنا في زمن ما أحوجنا إلى أمثالك. لكنها مشيئة الله انا لله وانا اليه راجعون