fbpx
في وداع الفقيد العميد محمد زين فاضل

 

كتب – د عيدروس نصر ناصر النقيب.

يعيدني الخبر الحزين عن وفاة الصديق والرفيق العميد محمد زين فاضل (عليه رحمة الله ومغفرته ورضوانه) إلى مطلع سبعينات القرن الماضي، وتحديدا العام ١٩٧٣ وما بعده، حينما كان ذلك الشاب اليافع مقبلاً على الحياة بحيويته وطاقته وحماسه الشبابي الفياض متطلعا إلى الحياة الجديدة التي جاءت بها دولة الاستقلال الوطني في العام ١٩٦٧م.
كان مركز “الفجر الجديد” الثقافي في رخمة، المركز الثاني (مديرية رصد اليوم) من المديرية الغربية المحافظة الثالثة، كان ملتقىً لجميع الشباب المتحمس لنصرة النظام الوطني الوليد، من أبناء رخمة، وكانت اللجان الشعبية والثقافية والجماهيرية هي البوتقة التي تؤطر لنشاط جميع الشباب في بناء الحياة الجديدة في المنطقة، وترسيخ التقاليد والقيم الحديثة التي جاءت بها ثورة اوكتوبر ودولة الاستقلال.
كنا كلنا مبتدئين، وحينما كان يزورنا أحد القادة أو المثقفين المتنورين من مركز المديرية أو من القادمين من الخارج، كنا ننصت إليه بتركيز التلميذ المتطلع للمعرفة كثيرا ما كنا ومحمد احدنا نحفظ عن ظهر قلب ما يقوله لنا المحاضرون.
وما زلت اتذكر محاضرات الاستاذة، التربوي محمد علي ناصر والقاضي زيد حنش عبد الله والشهيد سليمان سعيد صالح والفقيد علي محمد عبادي، وغيرهم وجميعهم من الشباب العائدين من الخارج ممن نالو قدرا من المعرفة وانخرطوا في الحياة السياسية في بلدان مهجرهم (قطر والكويت والبحرين ومصر) على وجه الخصوص.
كان الشاب مُحُمد (بضم الميم والحاء) لتمييزه عن أخيه مُحَمد (بفتح الحاء) كان أحد الشباب المملوئين بالحماس والرغبة والتوق إلى المعرفة، وكان يقبل إليك مبتسماً متحمساً ودوداً حتى وهو يختلف معك، حينما كانت ثقافة الاختلاف نادرة الحضور.
سنوات قليلة جمعتنا في هذا المركز ذي البصمات الخالدة ثم تفرقنا في سبل شتَّى، حيث انصرفتٌ انا للدراسة الإعدادية فالثانوية(دار المعلمين) وذهب محْمد للالتحاق بالعمل العسكري.
وبقيت اتصالاتنا تقتصر على العطل الصيفية والإجازات السنوية للإخوة العسكريين.
إنني أتحدث عن جيل انخرط في اتونه عشرات الشباب الرائعين المتحمسين المملوئين بروح الوطنية والإخلاص والتطلع إلى المستقبل.
وبعد ذهابي للدراسة في الخارج كادت اتصالاتنا أن تنقطع إلا من أخبار هنا وهناك، أو لقاءات عابرة لدقائق في السوق أو في طريق السفر.
انخرط الفقيد في الكلية العسكرية وتخرج برتبة ملازم، وعين قائدا لإحدى سرايا الدفاع الجوي، ثم سافر إلى الاتحاد السوفييتي في دورة قيادة وأركان أكاديمية فرونزا وعاد ليبقى إلى رتبة مقدم وعين في مهمة نائبا لقائد لواء فيصل رشيد لشؤون الإمداد والتموين برتبة مقدم.
بعد العام ١٩٩٤م انقطعت اتصالاتنا بشكل شبه نهائي فقد أصبح مجرد السفر داخل المحافظة الواحدة يحتاج إلى خطة وموازنة تستدعي أشهر لتحقيقها وقد لا تتحقق.
أصيب الفقيد في حرب ١٩٩٤م في منطقة صبر بير النعامة، وبعد هذه الحرب البغيضة أقصي الفقيد مثل الآلاف وربما عشرات الآلاف من الجنوبيين الذين استبعدهم المنتصرون وحولوهم إلى أعداء صاروا عرضةً لكل أصناف الإقصاء والتهميش والاستبعاد .
خلال الفترة ما بعد الحرب بقي الفقيد في منزله محاولاً تدبير نفقات حياته من العمل الخاص بعد أن تقطعت السبل بكل كوادر الجنوب وتعرض لعدد من الأمراض أهمها السكر وارتفاع ضغط الدم
شارك الفقيد في تأسيس جمعيات المتقاعدين العسكريين وكان من المساهمين الدائمين في فعاليات الثورة السلمية الجنوبية منذ اندلاعها،
كان خبر وفاة العميد محمد صادما ومحزنا فقد جاء مفاجئا وفي ظروف تختلط فيها مشاعر الألم واليأس والأحباط بمشاعر الأمل والتطلع إلى انفراجة ولو نسبية تخفف من آلام المعاناة التي يعيشها الجنوبيون حتى بعد أن اعتمدوا أنهم قد هزموا الاحتلال واستعادة حقوقهم التاريخية.
حياة وموت الفقيد مُحُمد زين فاضل تمثل صورة مصغرة لمصائر الآلاف وربما مئات الآلاف من الكوادر الجنوبية الذين شطبت حرب ١٩٩٤م ونتائجها التدميرية كل الصفحات المشرقة لتاريخهم وحولتهم إلى طاقه مجمدة كان يمكن أن يكون لها شأن كبير في صناعة مستقبل البلد.
رحم الله الفقيد العميد محمد زين فاضل وأسكنه فسيح جناته.
وبهذه المناسبة الحزينة أتقدم بصادق مشاعر العزاء والمواساة إلى أولاده نزيه وزين وفاضل وأمين، وإلى كل أفراد أسرتهم الكريمة وإلى إخوان الفقيد وأهله وذويه وجميع أهلنا في منطقة رخمة ومديرية رصد وجميع أبناء يافع وكل زملائه العسكريين وجميع رفاقه ومحبيه.
وإنا لله وإنا إليه راجعون