هاني مسهور
من دون الواقعية السياسية لا يمكن الخروج من الأزمات، فكل المعالجات التي تناولت أزمة اليمن، بما فيها المبادرة الخليجية، لم تنجح في إخراج هذه البلاد من واقعها، ولعل من الأجدر بعد كل هذه السنوات الطويلة والجهود العظيمة من طرح أفق سياسي يمكن من خلاله الوصول لحل يفضي لوضع اليمن على مسار آمن.
في سنوات الحرب كشفت الأطراف اليمنية عن توجهاتها وأقنعتها، وبات على الإقليم والمجتمع الدولي التعامل مع اليمن بكامل المسؤولية، بدلاً من استدامة الصراعات والنزاعات اللامنتهية.في العام 2016 طرح وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري مبادرة للحل السياسي، كادت تكون فرصة ممكنة، لولا أنها أجهضت من قبل جماعة «الإخوان» وحليفهم الرئيس السابق عبدربه منصور هادي. شكلت المبادرة أفقاً واضحاً للمسار السياسي كان يُفترض أن ينتهي عند الكونفدرالية، الإشكالية الحقيقية تظل في شكل الدولة، وهو ما لم ينجح فيه مؤتمر الحوار الوطني سابقاً وتسببت مخرجاته بالانقلاب «الحوثي» على الشرعية، وها هي العقدة تعود مجدداً أمام حلحلة الأزمة التي دفع ثمنها الشعب جوعاً وتشريداً وقتلاً، كما دفعت المنطقة العربية كلها أثماناً باهظة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
إذن ما زلنا عند نقطة الصفر، وهذا هو الواقع الصعب وعلى الجميع التعامل معه بالطريقة الصحيحة، بدلاً من الرهانات على حلول أخرى لن تؤدي إلى شيء، فهذا اليمن ومسالكه ودروبه العسيرة. أتاحت الهدنة وخروج «هادي» و«علي محسن الأحمر» مساحة واسعة لجلاء المشهد اليمني، فلم تعد سياسات التشويش تجدي ومعارك طواحين الهواء تنتج شيئاً، فلقد ظهرت الحقائق على الأرض كما هي على امتداد أكثر من ألف ومائتي عام. فالصراع صراع بين شمال وجنوب، قبائل متشبثة بمذهبها وشعب آخر متماسك بثوابته الوطنية التي بناها عبر حقب تاريخية أسست لمفهوم الدولة الوطنية وتحققت في القرن العشرين.
بين الجنوب والشمال صراع وكذلك تعايش، فهذه حقيقة الجغرافيا، وهو ما يدركه الكل، وعليه تشكلت تقاطعات سياسية بين جنوب اليمن وشماله، ما حدث عام 1990 كان الاستثناء، فالوحدة لم تكن موضوعية، وعلى أساسها تشكلت حروب ومظالم آن لها أن تنتهي. فسنوات ما بعد المبادرة الخليجية كافية لتختبر الطرفين الشمالي والجنوبي، مع استدراك الخشية الإقليمية من أن يؤدي فك الارتباط السياسي لتوابع زلزالية كما يعتقدها الغارقون في وهم الريبة، بينما الواقع يقول إن شعبيْن حظي كل منهما بما يكفي من الظلم والقهر.
بات من الأجدر التفكير في رؤية تُخرج الكل من مأزق الخطيئة السياسية عبر الكونفدرالية بين شمال وجنوب اليمن، فهذه الفكرة تضع حداً لدوامة الصراعات اللامنتهية، كما أنها تؤسس لمستقبل واضح الأفق السياسي، ليس لجنوب شبه الجزيرة العربية فحسب، بل للمنطقة والعالم. فمقتضيات الأمن والاقتصاد توجب دعم هذا التوجه بدعم نظام سياسي في الجنوب العربي ينضم إلى الاتحاد الكونفدرالي الخليجي ليكون عضواً في مجلس التعاون يساهم في تعزيز التوجهات الاقتصادية.
الكونفدرالية ستضع في المقابل تحدياً في شمال اليمن الذي يتعين عليه الانتقال من الدولة القبلية إلى الوطنية، هذا التحدي الأصعب، فهذا الجزء من العالم تعثرت مساعيه على امتداد قرن كامل، فمنذ قيام المملكة المتوكلية في 1918 ولم يستطع اليمنيون إنشاء كيانهم الوطني، ومع ذلك فإن الأهم منطقياً إبقاء اليمن عند الحد الأدنى من التوترات الداخلية، عبر استيعاب أكبر قدر من المخزون البشري في تنمية دول شبه الجزيرة العربية التي يتعين عليها استثمار هذا الكم البشري في مشاريع البنى التحتية، وهو ما سيسهم في تخفيف الحالة المعيشية مع إتاحة الفرصة للجنوب في تكريس استقراره السياسي والاقتصادي. الكونفدرالية هي مخرج ممكن لليمن جنوبه وشماله، مع منح الضمانات الكاملة لحماية الإقليم من انفجار صراعات وحروب لا يمكن السيطرة عليها في ظل وحدة انتهت واقعاً في صيف 1994.