fbpx
ثروات السودان ساحة تنافس جديدة بين تركيا ودول عربية
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العرب
تتجه المنافسة بين تركيا ودول عربية، بعد أن هدأت حدتها أمنيا وسياسيا، إلى المجال الاقتصادي الذي سيكون السودان أحد أهم ساحاته عقب تزايد الاهتمام بالاستثمار في ثروته الزراعية الممتدة، لسد النقص في الحبوب والمواد الغذائية، والذي أسهمت في حدته الحرب الروسية – الأوكرانية.

وتسعى تركيا إلى منافسة مبطنة لمشاريع خليجية تحدثت عنها تقارير أشارت إلى استعداد بعض دول الخليج لضخ استثمارات كبيرة في مجال الزراعة بالسودان، والاستفادة مما يمتلكه هذا البلد من أراض خصبة تتوفّر لها بسهولة مياه نهر النيل وروافده، ووصفته دراسات عربية بأنه يمكن أن يصبح “سلة غذاء العالم العربي”.

وأبرمت تركيا والسودان مذكرة تفاهم تهدف إلى التعاون في مجالي الزراعة والثروة الحيوانية، وقد وُقّعت من جانب نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي ووزير شؤون مجلس الوزراء السوداني حسين عثمان في أنقرة، الجمعة.
وتهدف المذكرة إلى التعاون وتحقيق المصالح المشتركة على مستوى الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية وتطوير صناعة المعالجة والارتقاء بالتجارة بين البلدين.

وتعزز هذه الخطوة مساعي أنقرة المتعلقة بالتغيير الحاصل في توجهاتها الخارجية؛ حيث تعمل على استبدال التحركات الأمنية بأخرى اقتصادية لتطوير علاقاتها السياسية وترسيخ حضورها في المنطقة، بما يتضمن الحفاظ على الهدوء تجاه قوى عربية أبدت انزعاجا من أجندة أنقرة السابقة، ويحصر المنافسة في أطر اقتصادية لا تثير الهواجس الإقليمية.

وتمتلك تركيا رديفا نوعيا من الخبرات التقنية في مجال الزراعة، وهو ما وجدت فيه الخرطوم سبيلا جيدا لتعزيز الروابط المشتركة مع أنقرة رغم إدراكها لتخوّف قوى إقليمية من تحول دولة لها موقع إستراتيجي مميز إلى ساحة نفوذ مركزية لتركيا.

وتنظر مصر إلى تدفق الاستثمارات الزراعية السعودية والإماراتية والقطرية على السودان، بجانب التعاون الاقتصادي السوداني – التركي الصاعد في المجال نفسه، بتوجّس شديد، لأن هذا التوجه يخلق نفوذا سياسيا لهذه الدول يقلل من الثقل التقليدي للقاهرة في السودان، وينعكس سلبا على مشاريع التعاون الاقتصادي المفترضة بين هذا البلد ومصر.

وجرى الحديث عن مشاريع تكامل اقتصادي واعدة بين القاهرة والخرطوم قوامها الرئيسي المجال الزراعي، غير أن المشكلات والتوترات العاصفة بينهما، وكثرة الصراعات داخل السودان، وعدم وجود إرادة سياسية حقيقية من قبل قيادتي البلدين، حالت دون تحويل الوعود والعهود والطموحات الزراعية إلى واقع ملموس.
وتخشى القاهرة أن يصطحب التمادي في الاستثمار الزراعي التركي والخليجي توسعا في إقامة السدود على مجرى نهر النيل في السودان، والتي تتطلبها عملية الزراعة الحديثة، ما يؤثر على نسبة الزيادة في حصة السودان المائية الذاهبة تلقائيا إلى مصر.

وكان السودان قد تلقى وعودا بإقامة سدود على نهر النيل لن يتحمل تكاليفها، وحصل ذلك على بعض دراسات الجدوى للتنفيذ، إلا أن قياداته المختلفة ترددت في قبول عروض مشاريع عديدة خوفا من توتير العلاقات بين الخرطوم والقاهرة، خاصة في الوقت الذي يمر فيه السودان بأزمة سياسية طاحنة وتواجه فيه مصر تحديات في ملف المياه.

وما تخشاه مصر، من تزامن الحديث عن مشاريع لإقامة سدود مع توسع استثمار دول مختلفة في مجال الزراعة في السودان، هو أن تحتد أزمة سد النهضة وتتسبب في تقويض كمية المياه القادمة من إثيوبيا إلى مصر، وعدم استبعاد تخفيض الحصة التاريخية التي تحصل عليها وتقدر بـ5.55 مليار متر مكعب.

ويحوّل الاهتمام التركي بالاستثمار الزراعي في السودان المنافسة الإقليمية إلى هذا البلد الذي تعرقل نزاعاته المستمرة استغلال ثرواته الطبيعية بشكل جيد.

وتجري أنقرة بحثًا تقنيًا شاملاً حول البنى التحتية للري الخاصة بنهر النيل والمياه الجوفية ومياه الوادي، وهي مصادر الري الثلاثة لمشروع “الهواد” التنموي على مساحة مليونين وأربع مئة ألف فدان، وذلك بالتنسيق بين وزارة الزراعة والغابات التركية ووزارة الري والموارد المائية في السودان.

وتتضمّن مذكرة التفاهم الأخيرة إنشاء مزرعة تجريبية بالشراكة بين البلدين، بهدف تحسين البذور وتطوير المراعي الطبيعية والإنتاج الحيواني، وتقديم الدعم لمزارعين ومربي مواشي مشاركين في المشروع.

وفي إطار الاتفاق الجديد أيضا سيقوم وفدان من وزارة الزراعة والغابات ووزارة الطاقة والموارد الطبيعية في تركيا بزيارة إلى السودان في الأيام المقبلة لتعزيز التعاون.

وقال الخبير الإستراتيجي السوداني اللواء محمد خليل الصائم إن “الاتفاق الزراعي بين البلدين يتضمن أبعادا سياسية أكثر منها اقتصادية، وغياب حالة الاستقرار في السودان يعقّد مسألة توقيع اتفاقيات استثمارية جديدة، لأنه في حاجة إلى وضع أمني مستقر وتشريعات لم يتم سنّها بعد لجذب الاستثمارات الأجنبية”.
وتشكك دوائر سودانية في ولاءات الطبقة العسكرية الحاكمة، وتعتقد أنها لا تزال مخترقة من قبل قيادات سياسية محسوبة على نظام الرئيس السابق عمر البشير، وأن هؤلاء يمثلون حلقة وصل بين الخرطوم وأنقرة، تفسر التطور الظاهر في العلاقات بينهما.

أخبار ذات صله