fbpx
أردوغان وواشنطن… خلافات حول قضايا إقليمية
شارك الخبر

كيفين سلوفان
أنقرة
يكافح رئيس الوزراء التركي، حليف أميركا المهم في الشرق الأوسط من أجل مواجهة تداعيات الأزمة المندلعة في سوريا، التي أرهقت اقتصاد بلاده سريع النمو، وأغرقتها بطوفان من مئات الآلاف من اللاجئين، وتسببت في احتكاك علني، غير مألوف، مع واشنطن.
ويأتي التفجيران اللذان وقعا في بلدة الريحانية التركية الواقعة بالقرب من حدودها الجنوبية مع سوريا، والتي اتخذ منها الآلاف من اللاجئين السوريين ملاذاً، ليبرزا الطبيعة الملحة لمخاوف أردوغان بشأن سوريا، التي ألقت تركيا بمسؤولية التفجيرين على نظامها الحاكم الذي سارع إلى نفي الاتهام.
وأردوغان الزعيم التركي الأقوى منذ أجيال، يتفق مع الرئيس الأميركي على الأهداف العريضة في سوريا، والعراق، وإيران وجميعها لها حدود مشتركة مع تركيا حيث يقول كلاهما إن الأسد يجب أن يذهب بعد عامين من العنف، خلفا ما يزيد عن 70 ألف قتيل. ولكن الزعيمين اللذين سيجتمعان اليوم في واشنطن لديهما مقاربتان تختلفان اختلافاً حاداً بشأن سوريا، وبشأن موضوعات مفتاحية أخرى في الشرق الأوسط، ما يخلق انقسامات بين أوباما، الرجل الذي وصفه بأنه يمثل «جسراً» بين واشنطن والدول الإسلامية.
وكان أردوغان قد ضغط على واشنطن لدفعها لتقديم مساعدة عسكرية لمقاتلي المعارضة الذين يحاولون إقصاء الأسد، إلا أن أوباما قاوم ذلك الضغط. ومن المتوقع خلال اللقاء المرتقب بين الزعيمين أن يثير أردوغان موضوع التقارير التي تفيد استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية ضد مقاتلي المعارضة من أجل إقناع أوباما على اتخاذ موقف أكثر حزماً ضد الرئيس السوري.
كما يسعى أردوغان إلى المزيد من الانغماس في عملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية في وقت تفضل فيه واشنطن بقاءه هادئاً. فضلاً عن ذلك قال المسؤولون الأميركيون إن علاقات أردوغان الباردة، بل العدائية مع العراق لم تقدم شيئاً يذكر فيما يتعلق بكبح جماح العنف الطائفي المتصاعد، أو الحد من علاقات بغداد التي تزداد متانة على الدوام مع طهران. وفي الآونة الأخيرة لوحظ أن «أردوغان» قد بات صريحاً- على نحو لافت- في انتقاداته للولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الأوروبيين لعدم مشاركته في موقفه الصارم مع الأسد.
على الرغم من ذلك يأتي «أردوغان» لواشنطن مزهواً بتأثير انتصارين حققهما مؤخراً: ففي شهر مارس حقق «أردوغان» نصراً واضحاً عندما أعلن عبد الله أوجلان زعيم «حزب العمال الكردستاني» المسجون في تركيا تخلي حزبه عن العنف بعد ثلاثة عقود من حرب العصابات التي خاضها ضد الدولة التركية، وخلفت ما يزيد على 40 ألف قتيل من الجانبين.
في الأسبوع نفسه تقريباً تلقى أردوغان اعتذاراً هاتفياً من رئيس الوزراء الإسرائيلي- بينما كان أوباما يقف بجانبه في مطار إسرائيلي- عن حادث الهجوم على سفينة الإغاثة «مافي مرمرة»، الذي أسفر عن مصرع تسعة من الأتراك، وأدى إلى توتر كبير في العلاقة بين الدولتين، وهو ما أزعج واشنطن الحريصة دوماً على أن يعمل حلفاؤها الديمقراطيون في المنطقة معاً.
يقول «جنكيز كاندار»، وهو واحد من كبار المعلقين السياسيين الأتراك عن ذلك الاعتذار:« إسرائيل لم تنحن أمام أي أحد، ولكنهم فعلوا ذلك من أجل أردوغان- على الأقل، هذا هو المفهوم السائد لدى الجمهور التركي».
في المجال الداخلي، تمكن أردوغان من توسيع سلطته ونفوذه على كافة مناحي الحكم والمجتمع. وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي تظهر أن شعبيته مرتفعة، فإنها تظهر أيضاً أن هناك شكوكاً عميقة لدى الجمهورية التركية بشأن العديد من القضايا بما في ذلك سياسته بشأن سوريا وسجل حقوق الإنسان في بلاده الذي تعرض لانتقادات واسعة.
في نظر أنصاره يعتبر أردوغان زعيماً صاحب رؤية، ألهم الأتراك كي«يفكروا إيجابياً عن غدهم ومستقبلهم، حسبما يرى «سابان ديسلي»، العضو البارز في البرلمان التركي عن حزب «العدالة والتنمية الذي يرأسه أردوغان ومستشاره المقرب.
في العقد الذي انقضى منذ صعود أردوغان لسدة السلطة وحتى الآن، نما الاقتصاد التركي بنسبة 5 في المئة في المتوسط، وتضاعف نصيب المواطن التركي من الدخل القومي الإجمالي ليصل إلى ما يزيد على 10 آلاف دولار سنوياً. وقد ساهمت الصادرات بالنصيب الأكبر في نمو الاقتصاد التركي، حيث تضاعفت خمس مرات في السنوات العشر الأخيرة لتصل إلى 154 مليار دولار العام الماضي.
تعزيزاً لهذه المكاسب يتحدث أردوغان باستمرار عن أحلامه بشأن «تركيا العظمى»، ويتعهد بتحويلها قبل عام 2023، الذي يوافق الذكرى المئوية لنشأة الدولة التركية الحديثة، لتصبح واحدة من الاقتصادات العشرة الأولى في العالم (يحتل الاقتصاد التركي المرتبة السابعة عشرة عالمياً في الوقت الراهن وفقاً لبيانات وزارة الخارجية التركية). 
وشخصية أردوغان، وخططه الكبرى توهن عزيمة كارهيه الذين يقرون بنجاحه في جعل تركيا أكثر ثراء، ولكنهم يتهمونه مع ذلك بالاستبداد المتزايد، وبدهس الحريات الأساسية في بلاده، وتفريغ مبدأ الفصل بين الدين والدولة من محتواه. 
من هؤلاء «فاروق لوجلو» السفير التركي السابق لدى الولايات المتحدة، وعضو البرلمان عن حزب الشعب «الجمهوري» المعارض الذي يقول عن «أردوغان» إنه يريد أن يحتفل بالذكرى المئوية لإنشاء الجمهورية التركية من خلال نقض جميع الأسس التي قامت عليها».
خلال فترة حكم أردوغان ازدادت أعداد النساء اللائي يرتدين الحجاب، وازداد عدد البرامج الدينية التي يبثها التلفزيون، وعدد المناهج الدينية في المدارس، كما حظرت خطوط الطيران التركية المملوكة للدولة على مضيفاتها وضع أحمر الشفاة ذي اللون الفاقع، وصبغ شعرهن باللون الأشقر، كما حظرت تقديم الخمور في معظم رحلاتها الداخلية.
يقول أنصار «أردوغان» إنه يخلق الحريات ولا يقمعها، عندما يسمح للمتدينين الأتراك بالتعبير عن آرائهم علناً في مجتمع ظل يتجاهلهم طويلاً.
يحجم العديد من منتقدي أردوغان عن قول أي شيء سلبي عنه بشكل علني، خوفاً من العقاب، الذي يمكن أن يشمل الفصل من الوظائف وخسارة عقود، والزج في السجن، بل والتعرض للمقاضاة من قبله شخصياً.
وفي الواقع أن حكومة أردوغان قامت بحبس ضباط عسكريين، وطلاباً، ومحامين، وعشرات الصحفيين، وهو ما عرضها لانتقادات حادة من قبل وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، ومنظمات حقوق الإنسان، والمنظمات الصحفية. وقد اقترح أردوغان إدخال تعديل على الدستور التركي لإحلال النظام البرلماني المعمول به حالياً بنظام آخر يأتي الرئيس على قمته بعد تزويده بالمزيد من السلطات والصلاحيات. وكان رئيس الوزراء التركي قد قال إنه يرغب في خوض الانتخابات الرئاسية العام المقبل. 
وبناء على المقترح المقدم من أردوغان يمكن للرئيس شغل المنصب لمدتين متواليتين كل واحدة منهما خمس سنوات، وهو ما يمكن أن يضمن بقاءه في السلطة حتى عام 2024.
يعلق «صلاح الدين ديميتراس» رئيس حزب السلام والديمقراطية، الموالي لحزب «العمال الكردستاني»، على ذلك بقوله «قضاء عشرين عاماً في السلطة أمر مبالغ فيه …. ونحن لا نخشى تركيا العظمى الديمقراطية، وإنما لا نريد تركيا العظمى السلطوية». 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

المصدر: جريدة الاتحاد
أخبار ذات صله