كتب – د. محمد علي السقاف
وقع بروتوكول الإسكندرية في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 1944، وميثاق الجامعة العربية في 22 مارس (آذار) 1945.
ووقع ميثاق الأمم المتحدة في 26 يونيو (حزيران) 1945، في سان فرانسيسكو وأصبح نافذاً في 24 أكتوبر 1945.
وقعت معاهدة حلف الشمال الأطلسي (الناتو) في واشنطن في 4 أبريل (نيسان) 1949.
وافق مجلس الجامعة العربية على معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة وملحقها العسكري في 13 أبريل 1950.
الحرب الأوكرانية الروسية هي في جوهرها حرب بين الشرق والغرب، وتهدف إلى إعادة صياغة عالم جديد في العلاقات الدولية.
الغرب وتحديداً بقيادة الولايات المتحدة يسعى إلى استمرار سيطرة القطب الواحد الذي تسيدت به الولايات المتحدة على المسرح الدولي بعد انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي في مطلع التسعينات من القرن الماضي. وحاولت دول الاتحاد الأوروبي في مرحلة أولى توسيع عضويتها بضم عدد من دول أوروبا الشرقية ووسط أوروبا. وعملت في الوقت نفسه على أخذ مبادراتها وخاصة بقيادة فرنسا إلى تشكيل نوع من الاستقلالية الدفاعية عن حلف الناتو على أساس قناعتها بأن الحلف يقع تحت سيطرة الولايات المتحدة التي تتخذها كأداة عسكرية وأمنية تخدم سياستها الخارجية. وكادت أوروبا تنجح في توجهها هذا في فترة حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الذي انتقد مواقف الدول الأوروبية لعدم مساهمتها في تمويل أنشطة الناتو، وهدد بإمكانية انسحاب الولايات المتحدة من الحلف كما انسحب من بعض المنظمات الدولية.
أحداث أوكرانيا بعد الاجتياح الروسي وقدوم الرئيس بايدن إلى سدة الحكم رأت فيها أوروبا صعوبة إمكانية استغنائها في مرحلة الصراع الحالي عن المظلة الأطلسية التي عكس توجهها السابق توسعت استراتيجيتها بانضمام كل من فنلندا والسويد إلى عضويتها.
جامعة الدول العربية كما أوضحنا في بداية المقال كان لها السبق في تأسيسها قبل نشوء الأمم المتحدة بعدة أشهر، وسبقت أيضاً تأسيس عدة منظمات إقليمية سواء على مستوى السوق الأوروبية المشتركة التي تحولت بعد ذلك إلى الاتحاد الأوروبي وتكونت عدة منظمات إقليمية في آسيا وأميركا وأفريقيا، في حين ظلت جامعة الدول العربية تبدو وكأنها تراوح مكانها من دون ابتكار لآليات عربية – عربية للتعاون أو الاندماج بين دولها الأعضاء… مما يطرح السؤال: هل أحد أسباب هذا الجمود المؤسسي والوظيفي يعود بصفة رئيسية إلى دولها الأعضاء التي تشكل الجامعة العربية مرآة لدولها بعدم تمتعها باستقلالية كبيرة عنها حتى لا نقول إنها تستطيع كالاتحاد الأوروبي أن تصل إلى مرحلة تجعل من قراراتها وتشريعاتها تعلو على التشريعات الوطنية؟ وقد يجيب قائل عن هذا التساؤل بالقول: إذا كان الطموح الوصول إلى استقلالية أكبر للدول الأعضاء في الجامعة على نمط النموذج الأوروبي، فأليس من المفترض على الأقل أن تبدأ الدول الأعضاء العمل على تنفيذ وتفعيل الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعت في الخمسينات مثل معاهدة الدفاع المشترك لعام 1950؟ ما المقصود بالإشارة تحديداً إلى هذه المعاهدة الدفاعية؟ الإجابة البسيطة عن هذا التساؤل يكمن في الحديث والنقاش المتداول منذ فترة قصيرة حول اقتراح إنشاء «ناتو عربي».
في نهاية التسعينات جرت محاولات حول إمكان إقامة علاقات تعاون وشراكة بين بعض الدول العربية وحلف الناتو وفشلت كل تلك المحاولات ولم تتكلل بالنجاح. وجاءت مبادرة الرئيس الأميركي السابق ترمب التي شكلت في توقيتها مفارقة كبرى في تهديداته للأوروبيين باحتمال انسحاب الولايات المتحدة من عضوية الناتو، وإطلاقه في الوقت نفسه فكرة تأسيس «ناتو عربي» ضمن سياق سياسته الشرق الأوسطية تجاه إسرائيل وإيران.
وتولى وزير خارجيته السابق مايك بومبيو الترويج منذ مطلع عام 2019 لضرورة تشكيل «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي» أو ما أطلق عليه «الناتو العربي» لجمع حلفاء الولايات المتحدة لمواجهة تهديدات مشتركة من تنظيمات جهادية ومن إيران. وتجدر الاشارة هنا في هذا الصدد إلى أن معاهدة الدفاع المشترك الموقعة في إطار الجامعة العربية في أبريل 1950 قريبة في صياغة مفردات إحدى موادها بما جاء في المادة الخامسة من معاهدة الناتو التي وقعت قبلها بسنة في أبريل 1949. فقد نصت المادة الثانية من المعاهدة العربية على أن الدول العربية المتعاقدة «تعتبر كل اعتداء مسلح يقع على أي دولة أو أكثر منها، أو على قواتها، اعتداء عليها جميعاً، ولذلك فإنها، عملاً بحق الدفاع الشرعي – الفردي والجماعي – عن كيانها تلتزم بأن تبادر إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها، وبأن تتخذ على الفور منفردة ومجتمعة جميع التدابير… بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما» الفارق الجوهري بين معاهدة الناتو والمعاهدة العربية للدفاع المشترك أن الناتو حلف عسكري ذو طابع مؤسسي دائم، في حين معاهدة الدفاع المشترك للجامعة العربية هي تحالف دفاعي بين الدول الأعضاء يفتقد إلى الطابع المؤسسي الدائم، وبالتالي جميع الدول العربية الأعضاء في الجامعة هي طرف في المعاهدة ولا حاجة – كالناتو كمنظمة دائمة ومستقلة – لأن يتقدم من يريد الانضمام إليها بطلب العضوية للناتو.
ونشير في هذا السياق إلى ما أعلنه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في مقابلته مع شبكة «سي إن بي سي» الأميركية التي عبر فيها عن تأييده الشخصي لتشكيل حلف «ناتو عربي» شريطة أن يكون محدد المهام بدقة. وقد تناول الزميل الدكتور حسن أبو طالب في مقاله الرائع هذا الموضوع في هذه الصحيفة (بتاريخ 28 يونيو الماضي) هذا الأمر بالقول إن تحديد المهمة بدقة التي جاءت في حديث العاهل الأردني هي عبارة ذات وجهين، وتقبل أكثر من تفسير… «فمن جانب يوحي الشرط بأن المشاورات التي أجريت بين عدد من القادة العرب لم تتوصل إلى تحديد مهمة هذا الحلف المرتقب، ومن جانب آخر أنه تم تحديد تلك المهمة ولكن لم تتم صياغتها في وثيقة مقبولة من الأطراف المرشحة لعضوية الحلف. وفي الحالتين، فإن المهمة ما زالت بحاجة إلى مشاورات ومناقشات مستفيضة وتلك بدورها بحاجة إلى مزيد من اللقاءات ومزيد من الدراسات، ما يعني أن إعلان صيغة تحالف عسكري قريباً ليست محسومة». والأهم هنا ويتطلب ذلك تحديداً أكثر: هل اقتراح «ناتو عربي» سينشأ على النمط وتجربة الناتو الدولي أم الاتجاه سيقتصر على أحد أشكال التحالف بين بعض الدول العربية أم على جميع أعضاء جامعة الدول العربية؟ وهل ترتيب البيت العربي سيقتصر على المستوى الأمني أم هناك مساعٍ لتحديد مكانة الدول العربية في النظام الدولي الجديد الذي بدأت ملامحه ترتسم كإحدى نتائج الاجتياح الروسي لأوكرانيا؟
وللحديث بقية…
مقالة الدكتور محمد علي السقاف
صحيفة الشرق الاوسط بتاريخ ١٩ يوليو ٢٠٢٢