fbpx
وداعا أخي صالح

كتب – جمال حيدرة.
علمتني يا أخي كل شيء، وصنعت مني محاربا لا يستسلم ولا ينهزم لكنك لم تعلمني كيف أواجه تبعات رحيلك، وكيف أكون رجلا وأواجه القدر بكل قسوته وجبروته، لم تعلمني يا أخي بإن الموت حق عليك أيضا.
لم تترك مجالا لاحد سواك أن يمسك بيدي في شدة أو كرب، كنت دائما ما تنتشلني من أعماق حزني، وتلجم أوجاعي بحضن وابتسامة، تلتقطني كطفل صغير وتسير بي خلفك إلى واحة الحب والحنان، تلك الواحة الخاصة بك، حيث تفرض عليّ حجرا إجباريا إلى أن أشفى من همومي، وتحل كل مشاكلي.
لقد خططت حياتي، ورسمتها خطوة خطوة، بإسثناء من أنا فيه الأن من فقد ووجع، أي ثقة تلك التي تمتلكها يا أخي، بحيث تستبعد تماما أمر موتك، ولا تخشى أن يكون قرين ذلك موتي، أو أن هذه كانت ضمن خطتك، بحيث تسير بي كالعادة خلفك، وهذه المرة إلى مكان مختلف، وليت أنك تفعلها وتحررني من هذا العذاب.
اسألك الأن من ذا الذي يستطيع أن يواسيني فيك، وقد أغنيتني عن الأهل والاصحاب، وكل الدنيا،  وكيف أحارب وأنت سيفي، ويدي، وقوة استودعتها كبدي، اااااخ يا أخي كم هدني رحيلك، وأي قوة تستطيع أن تعيد إعماري.
كبرتُ اليوم يا أخي ورأيت سنوات عمري الحقيقي، وأنا الذي أمتدت طفولته 39 عاما داخل أسوار جنتك، غادرتُ اليوم دون أن اقترب من شجرة الزقوم، أتحسس تجاعيد وجهي، وشعرا اكتسى فجأة بالبياض، أي أرض تلك التي سأهبط عليها، وليس لي على ترابها مستقر أو متاع.
لقد مات الأمان، والشغف، وانطفئ الضوء في عيني، وتدحرج الكون إلى اظلم بقعة في اعماقي، لمن أعود حالما يشتتني التفكير، وأفقد القدرة على التقدير، وكيف أحسم أمر حزني عليك، وأنت من ظللت تغرس وجهي في صدرك، وتغلق شاشة المتاعب، بريموت حبك، وتعاملني كطفل يخشى عليه من المشاهد المرعبة، ها هو الرعب بكل ضخامته يغطي سماء وحشتي، ويهبط على صدري.
كان أقراني دائما ما يحسدونني على حبك لي، ومعهم حق في ذلك، إذ لم تكن أخا عاديا بالمطلق، لكني اليوم كما يروني أنا في وجع لا أحسد عليه، هم كذلك يبكون رحيلك مثلي تماما ويذكرونك بكل خير، غير أن الرصاصة في قلبي أنا ووجعها في نبضي أنا، وستظل مغروسة فيه كل العمر.
اااخ يا أخي ما أصعب أن يفرض عليك القدر خطا إجباريا ينتهي بحتمية التصديق بقسوته، وما اقسى انصياع الحياة للموت، التعازي وعلى نبلها ليست أكثر من قذائف تدك حصوني، وما أكثر من عزوني فيك.
أخي لقد فقدت بعضا من أملي في نجاتك قبل عشرة أيام من إعلان توقف نبضك، ترجيتك حينها بالصمود، بكيتك عشرة ايام بلياليها، وتوسلت الله أن لا يقطع حبل رجائي الأخير، وتعشمت كثيرا بدعوات من يحبونك، وما أكثرهم يا أخي وما اعظم نبل مشاعرهم نحوك، لكن كل شيء تبدد بإستثناء ما في قلبي من زجاج الرجاء الذي انكسر، وثقوب تنزف ألما وحسرة.
 أخي إن الحمل ثقيل، والطريق طويل، ولا صبر لدي أو وجهة، وأين أيمم وجهي، وقد هدم الموت الكعبة التي لطالما وتعلقت باستارها، ومن يرشدني للطريق،  وكيف أنجو من عجزي وضعفي وقلة إيماني.
كل حزني يا أخي يتعلق بما قدمته لي بسخاء أب، وبحنان أم، وبعطف شقيق، ولا أذكر أني قدمت لك شيئا يذكر، بإستنثاء الحب والخوف والدعاء.
سامحني يا أخي، وعجل بارسال تذكرة ذهابي إليك، واقسم بحبي لك ما عاد في هذا الكون ما يشجعني على الاستمرار بالبقاء.
رحمك الله واسكنك جنته، وأني على ثقة بإنك الأن مع الملائكة، يلتفون حولك ويستمعون لأحاديثك الشيقة، ونكاتك التي لا تنتهي، هم كذلك سيحبونك كما أحبك البشر.