fbpx
حتى لا يُخْدَعَ الجنوبيون للمرة الخامسة(7 والأخيرة)

كتب – د عيدروس نصر النقيب.
هل ستتحول مشاورات الرياض ومخرجاتها إلى مصيدة وخدعة جديدة ضد الجنوب والجنوبيين؟
هذا السؤال هو لب حديثنا في كل هذه السلسلة من الموضوعات التي قد تكون امتدت أكثر مما ينبغي، لكن ما دفعنا إلى التوسع في الحديث عنها هو بعض التعليقات والتساؤلات التي كان لا بد من إيضاح ما يتعلق بها من تفاصيل.
وبالعودة إلى مخرجات المشاورات يمكننا القول إن نجاح هذه المشاورات أو فشلها في تحقيق غاياتها وعدم تحولها إلى خديعة جديدة للجنوبيين، يتعلق بعدد من العوامل سأحاول اختصارها في ما يلي:
1. إدراك القيادة الشرعية الجديدة أن الإصرار على استبقاء وحدة 7/7 من خلال الخداع والتسويف والرهان على صناعة الدسائس والمكائد، أمر لم يعد قابل للاستمرار، فقد فشل في ظل أقوى تحالف ديكتاتوري عسكري قبلي وديني متماسك ومتسلط، كما فشل في ظل أعتى غزو همجي دموي غاشم ظن أصحابه أن أحداً لا يقوى على هزيمته، لكنه هُزِم وولى منفذوه الإدبار.
2. وفي هذا الإطار تأتي أهمية كف الأشقاء الشماليين (والحديث هنا عن النخبة السياسية الشمالية بمختلف مشاربها) عن سياسات الحذلقة والفهلوة السياسية وقول الشيئ وفعل نقيضه، فهذه السياسات قد برهنت فشلها في ظل قوة وزهو ونشوة انتصارات النظام على الشعب، فما عجز عنه عفاش والأحمر وهما في عز قوتهما وانسجامهما لن يحققه رشاد العليمي وزملائه وهم هاربون في عدن أو الرياض من مساقط رؤوسهم عاجزون عن تحرير قرية من قرى مناطقهم.
3. ومن هنا تأتي أهمية إدراك هذه القيادة (أعني القيادة الشرعية الجديدة) ومعها كل الطبقة السياسية الشمالية وكل إخوتنا أبناء الشعب الشمالي الشقيق، لحتمية العودة إلى وضع الدولتين الشقيقتين الجارتين المتعاونتين المتشاركتين المتعايشتين، وعدم قابلية أي بديل آخر للحياة، وأن في هذا الحل انتصارا للشعبين الشقيقين، وخروجا من علاقات التنافر والتنازع، وثنائيات الأصل والفرع، والمنتصر والمهزوم، والغالب والمغلوب، والناهب والمنهوب والتابع والمتبوع، وسواها من الثنائيات الممقوتة التي أنتجتها حرب 1994م البغيضة.
4. فهم أبناء الجنوب المتفقين والمختلفين، ومعهم كل الأشقاء والأصدقاء أن لب الصراع بين الأشقاء الشماليين ليس السيطرة على صنعاء، ولا الهيمنة على الهضبة الشمالية الجدباء، لكنه الجنوب وأرضه الواسعة وثرواته الوافرة وشواطِؤه وسهوله الممتدة التي بنى منها المليارديرات من الطفيليين ثرواتهم واستثماراتهم العملاقة وصاروا ينافسون كبار مليارديرات العالم.
5. ومن هنا تأتي أهمية إدراك الشركاء الإقليميين والدوليين أن ثنائية الصراع الشمالي-الجنوبي ليست صراعا بين أبناء شعب واحد يتنازعون على تقاسم حقوق أو وريثة أبائهم أو أجدادهم، لكنها تمثل صراع بين هويتين وثقافتين ودولتين وشعبين لكل منهما طموحه وتطلعاته المستقبلية، ومن هنا فإن هذه الثنائية لا يمكن أن تحل من خلال الترقيع أو من خلال توليفات المتصارعين وأصحاب المشاريع المتناقضة والاعتقاد أنهم بهذه التوليفات قد أزالوا تناقضاتهم.
وما تجربة المبادرة الخليجية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني برئاسة طيب الذكر المناضل محمد سالم با سندوة وما آلت إليه من مصير، إلا دليلا واضحا على استحالة حل الأزمات من خلال تجميع المشاريع المتناقضة في وعاء واحد وانتظار طبخة جديدة من مواد تنفي بعضها بعضاً، والقضية الجنوبية هي أكثر قضية يتصارع عليها الطرفان، في الشمال والجنوب، فلا الشعب الجنوبي يقبل باستمرار التبعية لأنظمة من صناعة الحروب وتجارها، ولا الأشقاء في الشمال لديهم الأهلية في إعادة الحقوقة المشروعة للجنوبيين واحترام إرادة الشعب الجنوبي وتطلعاته.
6. إدراك الجنوبيين الذين ما يزالون يراهنون على تبعيتهم لدعاة وحدة اليمن أنهم إنما كالذي يراهن على انتصار أعداء أبيه ليفوز برضاهم، بينما لا يضمر له هؤلاء إلا الغدر واستبقاء التبعية، ومن هنا فعلى هؤلاء أن يدركوا أن موقعهم الطبيعي هو المشروع الجنوبي ودولته الديمقراطية التعددية القائمة على المؤسسية والتعددية السياسية والفكرية والتداول السلمي للسلطة.
ومن المهم هنا التأكيد على أن البنية السياسية الجنوبية الراهنة بحاجة إلى إعادة صياغة لاستيعاب كل الطيف السياسي الجنوبي حتى المختلفين حول شكل الدولة الجنوبية القادمة، وبالتالي توسيع دائرة التحالفات الجنوبية واختيار أقرب السبل لضمان مشاركة جنوبية واسعة تقوم  على القواسم المشتركة المتصلة باستعادة الدولة الجنوبية وضمان أن تكون دولة لكل المواطنين الجنوبيين بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم الاجتماعية والجغرافية والمهنية.
ولا يساورني أدنى شك أن قيادة المجلس الانتقالي التي قبلت الدخول في التسوية التي أنتجتها أو تزامنت معها مشاورات الرياض لم تكن تتلهف للألقاب والمسميات الوظيفية في إطار منظومة الشرعية الجديدة، وأنها تدرك حجم المطبات المخاطر التي تنطوي عليها تلك المشاركة، لكنها لا يمكن أن تتخلى عن الشعار الذي ضحى من أجله آلاف الشهداء والجرحى والمعوقين بأرواحهم ودمائهم وهو استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة على أراضي ما عرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، على حدود 21 مايو 1990م.
وأخيرا
أمام الأشقاء الشماليين خيارين للتعامل مع مخرجات مشاورات الرياض:
فإما الاعتراف بحق الشعب الجنوبي في اختيار طريقه المستقل واستعادة دولته، وبالتالي استبقاء التحالف الشمالي الجنوبي حتى تحقيق التسوية الكاملة مع إخوتهم الحوثيين الشماليين.
وإما استمرار التحايل والخداع والمراوغات من خلال الخطابات الزئبقية التي لا تعني سوى استمرار سياسات ما بعد 1994م وبالتالي استمرار التوترات والنزاعات والمواجهات المسلحة بين الشمال والجنوب، وانهيار كل الآمال التي عُلقت على مخرجات مشاورات الرياض.
والله على ما أقول شهيد.