fbpx
(الحجر الصماء).. هل تفتت وحدتنا الوطنية؟!

 

ليس من قبيل الصدفة المحضة, ولا هو بالغريب أيضا, أن تجتاح الساحة النضالية الجنوبية في هذه المرحلة تحديدا كل تلك “الروائح النتنة” التي تنبعث من مستنقعات ماضينا التعيس لتستدعي جميع المصطلحات “البالية – القاتلة” للحضور الطارئ في حاضرنا المزدهر بقيم التسامح والتصالح، في محاولة مدروسة ومدفوعة الثمن للنيل من ثورة الجنوب التحررية!.. فما يحدث حاليا من “تراشق إعلامي مخيف” بين شخصيات, وجمعات, وفصائل سياسية إن جاز التعبير بصورة تجاوزت “المسموح به” في إطار التباين السياسي واختلاف وجهات النظر إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير, يعتبر – من وجهة نظري الشحصية – جريمة كبرى في حق ثورة شعب نقية وطاهرة, وعبثا ما بعده عبث بتضحيات الأبطال الذين سقطوا في ساحات الحرية في سبيل الجنوب “الوطن” وليس في سبيل هذا الزعيم أو ذاك أو من أجل هذه “المنطقة” أو تلك.

كان على الذين دفعتهم أمراضهم أو عصبياتهم أو سوء تقديرهم للأمور أو سطحيتهم, أن يسألوا أنفسهم بتجرد, قبل أن يندفعوا إلى “معاركهم الجاهلية” تلك التي أتحفونا بها خلال الأيام الماضية، السؤال التالي: لمصلحة من كل هذه الخلافات والتصدعات التي تحدث اليوم في جسد الثورة الجنوبية وتنخر وحدتنا الوطنية؟.. خاصة وأن هذا السؤال سيؤكد لنا بشكل قطعي الدلالة أن ما يجري اليوم ليس من قبيل الصدفة وحدها كما قلنا, ولكنه فصل آخر من فصول الحرب على الجنوب التي يجري تنفيذها من قبل قوى الاحتلال وأجهزته بطرق ووسائل أخرى ومن خلالنا.. وإن كانت وسائل جديدة علينا جميعا!.

وسيرتكب خطأ جسيما, من يعتقد أن حرب قوى الاحتلال تجاه الجنوب وشعبه وقضيته الوطنية “المقدسة” سوف تنحصر فقط في استخدام الرصاص والقنابل والاعتقالات والسجون والترهيب, على اعتبار أن تلك الوسائل يمكن أن تكون مجدية في مرحلة ما, ولا تعتبر كذلك في مرحلة أخرى, ومن هنا ننبه جميع إخواننا – بلا استثناء – إلى أن طرح الأسئلة الصحفية الخبيثة, وبث الإشاعات المغرضة في أوساطنا, وحبك الحيل والدسائس الماكرة, وإذكاء روح الفتنة المناطقية, واستدعاء العصبية القبلية, والعمل على نبش ملفات الماضي البغيض, والنفخ في  الخلافات البسيطة وتكبيرها وتحميلها أكبر مما تحتمل, واستدعاء المصطلحات القاتلة إلى حاضرنا من قبيل “الزمرة والطغمة”.. جميعها تعتبر وسائل فتاكة ضمن وسائل الحرب على الجنوب التي يجري استخدامها اليوم بطريقة ذكية من قبل أجهزة ومؤسسات قوى الاحتلال الإعلامية والاستخباراتية على السواء دون أن نعلم.

فلا شك في أن “قوى الاحتلال” تعلم وتدرك أين هي مكامن ونقاط ضعفنا في الجنوب كمجتمع وكقوى سياسية, وما هي “القضايا” التي يمكن أن يثار حولها الجدل الجنوبي بصورة تنتج “التمزق” وتلبد الغيوم وتحدث المطلوب في انعدام الثقة فيما بيننا.. وتدرك أيضا وبنفس القدر “طبيعة ومزاج” كل شخصية قيادية جنوبية على حدة, وماذا يمكن أن يثيرها ويستفزها.. وماذا يمكن أن يغضبها ويخرجها عن طورها واتزانها.. وباختصار شديد تعلم من أين وكيف تهاجم لكي تأكل “الكتف”. فكيف بنا.. وكيف بمثقفينا وقياداتنا وهي تعلم ذلك وتدركه نراها تتحول – بسهولة كبيرة – وأكبر مما يتخيل العدو إلى فريسة سهلة لتلك الوسائل المتوقعة سلفا!!.

ساءني كثيرا – كما قرأت – أن يمنع العميد ناصر النوبة من إلقاء كلمته في احتفالية يوم 27 أبريل! لأي سبب كان, لأن العميد في تقديري الشخصي سيبقى “شخصية” يرتبط اسمها باسم الحراك الجنوبي، سواء رغب الذين يكرهون الرجل أم لا. وفي هذا الجانب أعتقد أن على جميع الجنوبيين أن ينظروا إلى عدد من الشخصيات والقيادات الجنوبية بـ”نظرة خاصة” و”تقدير خاص” على أساس أن دورهم في هذه المسيرة النضالية كان دورا تاريخيا.. ولا ربحت أمة تتنكر لرموزها وقياداتها وطلائع انتفاضتها. والعميد، كما هو حال باعوم وشلال والخبجي والشنفرة والغريب ومنصر والسعدي والمعطري وبامعلم وعسكر وحسين زيد وفاروق ناصر والسقاف وغيرهم من القيادات الذين أرجو أن يعذرني من فات ذكر أسمائهم هنا, كانوا جميعا من “رجال الميدان والفكر” الذين نهضوا بشعب الجنوب في “زمن الانكسار”.. ولهذا السبب وحده لا يجوز أن يهان أي واحد منهم أو حتى يشعر بمرارة في الحلق لأي سبب من الأسباب. فمثل هؤلاء الرجال تخلدهم شعوبهم وتكرمهم ولا تهينهم أو تتطاول على مقامهم أو مكانتهم كما حدث مع العميد ناصر النوبة قبل أيام.

ومن زاوية أخرى.. أجده من العيب ومن المخجل ومن الإجحاف في حق ثورة الجنوب وفي حق الثوار “الجنوبيين” وهم بمئات الألوف، والحمدلله، أن يصير “حرف” تلك الحادثة التي وقعت على العميد من مسارها الصحيح إلى مسارات “مناطقية نتنة”!! لدواعي الغضب منها.. من المخجل أن تتحول مثل تلك الحوادث المؤلمة إلى مصادر لتأجيج “الصراعات المناطقية” فيحدث أن تتحمل منطقة الضالع مثلا – كلها بقضها وقضيضها – وزر خطأ ارتكب من قبل عدد قليل من الأفراد!.. كما لا يجوز أن “تستدعى” شبوة كلها بقبائلها لكي تتعصب مع النوبة من منطلق مناطقي ضد “سلوك” يمكن أن يمارسه في ظرف ما أي شخص أو جماعة من شبوة أو أي منطقة أخرى.. هنا مكمن الخطأ، وهنا تبرز نقاط ضعفنا التي يدخل منها إلينا العدو بدسائسه وحيله!.. نحن لا نقبل – بأي حال من الأحوال – ولا يقبل حتى العميد نفسه أن تصبح مسيرة “التسامح والتصالح” الجنوبية في مهب الريح بسبب مثل هذه الحوادث وتداعياتها أو ردود الفعل تجاهها.. لأن تلك “الحادثة” هي التي دفعت بقوى الاحتلال لاستغلالها الاستغلال الأمثل، فقامت بإرسال “صحفيها الخبيث” إلى عميدنا النوبة لتطرح عليه كل تلك الأسئلة المفخخة التي كانت تعلم مسبقا “حجم الضرر” الكبير الذي يمكن أن تحدثه في اللحمة الوطنية الجنوبية.. وهنا نقول للعميد بصراحة – ومهما كانت الأسباب – ما كان عليك أنت أن تقع فريسة سهلة لصحفي خبيث استخرج منك ما يريد!.

علينا أن نتذكر ونذكر الذين لا يعلمون.. إن الضالع هي المنطقة الوحيدة في الجنوب التي رفع أبناؤها على أكتافهم “اثنين” من خارجها في وقت واحد وفي مكان واحد!.. وحدث ذلك لي شخصيا وللعميد ناصر النوبة ونحن من أبناء شبوة في أحد المهرجانات الجماهيرية في الضالع الباسلة.. فأين هو ذلك “الحقد الطغموي” الراسخ الذي يروج له المرضى الآن في حادثة كتلك؟!.. وعلينا أن نتذكر ونذكر من يريد, أن جل الجماهير التي احتشدت يوم 7 / 7 / 2007م في ساحة الحرية بخورمكسر, ورفعت النوبة على أكتافها, قد رددت اسم الرئيس علي ناصر محمد ولم تذكر اسم الرئيس البيض في ذلك اليوم!!.. فأين هي المناطقية أو ذلك “الفكر الينايري” إن جاز التعبير في تلك الملحمة الجنوبية كما يتصور البعض حاليا؟!.

في يوم ليس ببعيد.. اتصل بي شخصية مهمة من شبوة يطلب إرسال شخص ثقة إليه لتسليمه أمانة.. فأرسلت إليه إلى مدينة عتق العم سعيد أحمد طالب، من الضالع، لأن ثقتي وحبي لهذا الرجل لا حدود لها!.. وفي الضالع أيضا اسألوا عن “المشاكس” صاحب الأقدام الحافية من أجل الجنوب، واسألوا عن محسن الدبئي.. هل يبحث عن الضالع أم عن الجنوب الوطن؟ وستجدون الإجابة حاضرة حتى مع غبار أقدامه التي داست على كل تراب الجنوب بحثا عن الحرية والاستقلال. وعلينا أيضا أن نعترف بتواضع شديد أن “المثلث” الذي يجري الحديث حوله بسلبية اليوم, ويتم تحميله أكثر مما يحتمل في إطار “التراشق الجاهلي” كان بمثابة السيل الجارف الذي اجتث حجار الاحتلال في مجرى الحرية الجنوبية في المرحلة الأولى لمسيرتنا التحريرية.. وكانت مناطقه حصنا حصينا لنا.. نأوي إليها ونلوذ بها فتشعرنا بأنها شبوة مسقط رأسنا وعزوتنا.

لا أقول هذا الكلام للعاطفة أو للاستهلاك أو للمجاملة, ولكنني أقوله من واقع الحال الذي عايشته وشاهدته وتابعته ولازلت. كما أنني أقوله من منطلق المصلحة الوطنية ومن منطلق يفرضه علي “العقل السياسي السليم” الذي يعلم علم اليقين أن الجنوب لن يكون إلا بجميع أبنائه.. وأنه لن يكون “جديدا” إلا بـ”عقول معاصرة” تتجاوز الماضي بشكل كامل وتام وتحدث مع مستنقعاته المهلكة “قطيعة نهائية” لا رجعة عنها.. فما أسهل استدعاء “العصبية القبيلة” والولوج بها في معارك نظن أنها رابحة، ولكنها في حقيقة الأمر مهلكة، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى, وكم يؤسفني أن هذه العصبية القبلية تسكن فينا جميعا وتجري منا مجرى الدم, وتحضر بسرعة إلى عقولنا لمجرد التلويح لها أو بها!.. علينا أن ندرك كم هي خطيرة ومهلكة هذه العصبية وهذه المناطقية, خاصة وهي تتمكن من السيطرة على “عقلية المثقف” بنفس السرعة الهائلة التي تسيطر فيها على عقلية “الجاهل” منا!.

ومن المهم أن نفرق ما بين “الإقصاء” الذي تنتجه ثقافة فيتحول إلى سلوك مشين, وهو بالضبط ما تعرض له العميد ناصر النوبة في تلك الحادثة التي ندينها جميعا, وبين “الإقصاء” الذي تنتجه “عصبية” قبلية أو مناطقية فيتحول إلى سلوك أقبح لا نقبله ولا نقره! وهو الذي لا أعتقد نهائيا بوجوده بيننا الآن, ولا هو الذي كان مسئولا عما حدث للنوبة.. لأن “ثقافة الإقصاء” ليست مرتبطة بمنطقة معينة أو بمحافظة بعينها لكي نقول على سبيل المثال إن أبناء المنطقة (س) إقصائيون, وإن أبناء المنطقة (ص) ديمقراطيون. وما حدث للنوبة تم التعامل معه من قبل البعض – بحسن نية – على أنه ناتج عن “إقصاء مناطقي” ضد منطقة معينة, بينما هو في الحقيقة سلوك شخصي أو جماعي نتج عن “ثقافة إقصائية” لا علاقة لها بالمنطقة التي ينتمي إليها من مارس ذلك السلوك. كما أنها ثقافة يمكن أن تكون حاضرة بنفس القدر في عقليتي أو في عقيلة النوبة أو في عقلية أي شخص آخر فتحضر في ظروف معينة لتتحول إلى ممارسة… ولا أحد منا محصن من سلبية هذه الثقافة التي تحتاج منا جميعا إلى علاج وإلى ثقافة مضادة.

وفي السياق نفسه، لا أعتقد أنه من السليم أو من المناسب أو من المصلحة الوطنية الجنوبية أن تستدعى “قبيلة يافع” كلها لكي تنتصر للمناضل النقي محمود البصيري لسبب ناتج عن سلوك خاطئ مورس ضده في بيروت!.. إن المعني بإدانة ذلك السلوك الذي تعرض له البصيري هو أنا وأنت أيها القارئ الكريم والرئيس البيض شخصيا، وكلنا دون أن نحدد أن ” قبيلة يافع” وحدها هي المعنية بالدفاع عن ابنها البصيري!!.. إن القبيلة هي “الحجر الصماء” التي يشكل حضورها نقيضا حتميا لدعاة الدولة المدنية التي ننشدها, ولا أعتقد أنه من المشرف للمسيرة النضالية الجنوبية أن تلجأ في أوساطها إلى استدعاء هذه الحجر الصماء في أي مرحلة وتحت أي ظرف. ولا يجوز أن يحمل الرئيس البيض سلوكا خاطئا ارتكبه شخص أحمق أو أكثر من مكتبه! لكن عليه في المقابل ألا يستهين بمثل تلك الأفعال المشينة ويتعامل معها وكأنها لم تكن أو لم تحدث، خاصة ونحن نعيش مرحلة يكثر فيها الخصوم من الرصد والترصد والتوظيف الخبيث لأي أخطاء مهما كانت.

 * عدن الغد