كتب – الدكتور محمد علي السقاف
في نهاية أكتوبر، ومطلع نوفمبر القادم سيعقد مؤتمر قمة تغير المناخ 26 في غلاسكو في استكلندا برعاية الأمم المتحدة . وتحضرها سنوياً 197 دولة من أجل مناقشة تغير المناخ وما الذي تفعله هذه البلدان ، والعالم أجمع من أجل مواجهة هذه المشكلة ومعالجتها
وقد يشكل هذا الحدث انطلاقة لحرب باردة جديدة ارقمها برقم ( ٢ ) بسبب ما تشكله من تحديات كبيرة وخطيرة علي الدول المنتجة للنفط والفحم والغاز التي أصبحت تظهر الدراسات والتقارير الدولية انها مسئول رئيسي عن ارتفاع درجة حرارة الأرض وما يستتبعها من تغيرات مناخية مما يستدعي الأمر الي التوجه نحو طاقة نظيفة ومتجددة مثل الطاقة ( الشمسية والرياح والمياه ،وانتاج الهيدروجين الأخضر) وهنا النقطة المفصلية التي ستواجه دول الطاقة الحفورية في صعوبة الموائمة بين الاهداف السامية لأزمة المناخ وتحدياتها الأقتصادية والخسائر التي ستتكبدها نتيجة لذلك
وأكثر الدول التي ستواجه تحديات أزمة المناخ من بين أغلب الدول هي الدول العربية النفطية التي تمتلك أكثر من 57 بالمائة من الأحتياطي العالمي للنفط ، كما تمتلك أكثر من 26 بالمائة من الاحتياطي العالمي للغاز الطبيعي ، حسب إحصاءات منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط ( الاوابك ) والتي يعتقد ان خسائرها المالية ستكون بحدود عدة تريليونات من الدولارات حسب بعض التقديرات
فايرادات النفط والغاز ساهمت الي حد كبير الي قيام بعض الدول واستقلاليتها واستقرارها بفضل الأعتماد علي موارد الوقود الاحفوري وبفقدانهاعائداتها المالية من تلك الموارد قد يسبب ذلك الي اضطرابات وصراعات محلية قد لا تقتصر علي الأطار المحلي لتلك الدول وتمتد آثارها
الي مناطق اخري علي مستوي الاقليم الجغرافي لتلك الدول المنتجة ؟
فظاهرة الإحتباس الحراري قد تتسب في حصول كوارث طبيعية “ غير مسبوقة “ تهدد الوجود البشري والحياة علي كوكب الأرض إذ صارت موجات الحر الشديد والحرائق والأعاصير تجتاح عدداً من دول العالم ، مما يتطلب من جميع الدول ان تكثف إجراءاتها علي وجه السرعة للتكيف مع الواقع المناخي الجديد
واظهرت إحصائيات مشروع الكربون العالمي 2020 التي نشره موقع ال بي بي سي حول الإنبعاثات الكربونية حسب الدولة ( بملايين الأطنان في السنة الواحدة ) ان الدول التي تحتل الصدارة منذ عدة سنوات هي الدول الصناعية الكبري تحتل المرتبة الاولي وفق بعض السنوات الولايات المتحدة الامريكية واحياناً تسبقها الصين ، وفي مرتبة ادني منهما تكون روسيا او اليابان ، الهند ، المانيا ، بريطانيا ، كوريا الجنوبية ولم تظهر المملكة العربية السعودية الا في بداية الالفينات من السنة في مرتبة متدنية ضمن القائمة ومع ذلك برزت المملكة في صدارة الدول المنتجة للنفط في تبنيها سياسة تواكب متطلبات المرحلة الراهنة واستعداداً لمؤتمر المناخ القادم في غلاسكو تبنت المبادرة الخضراء السعودية ، ومبادرة الشرق الأوسط الخضراء التي استضافتها الرياض في يوم الاثنين 25 اكتوبر أي قبل انعقاداجتماع غلاسكو في آخر الشهر الحالي
يشكل مؤتمر غلاسكو أول قمة تراجع مدي التقدم الذي تم احرازه او العراقيل التي واجههته في تحقيق الاهداف التي نص عليها مؤتمر باريس للمناخ الذي انعقد في عام 2015 الذي حددت اتفاقيته الأهداف الرئيسية التي يتوجب علي جميع الموقعين عليها لتفادي كارثة تغير المناخ العمل علي : تخفيض انبعاث الغازات الدفيئة ، وزيادة إنتاج الطاقة المتجددة ، الحفاظ علي ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلي “ أقل بكثير “ من 2 درجة مئوية مع وضع هدف إيصالها الي 1.5 درجة مئوية
الالتزام بضخ مليارات الدولارات لمساعدة البلدان الفقيرة علي التعامل مع تأثير تغير المناخ
وتم الاتفاق بعد ذلك علي إجراء مراجعة للتقدم المحرز كل خمس سنوات وكان المفترض ان تتم تلك المراجعة عام 2020 ، ولكن بسبب تفشي فيروس كورونا ، أجلت إلي هذاالعام 2021
وقد كشفت ال بي بي سي وثائق مسربة اظهرت كيف سعت دول الي تعديل تقرير علمي عن كيفية التعامل مع التغير المناخي، وأشارت بهذا الصدد إلي ان السعودية واليابان وأستراليا من بين دول أخري ، طلبت حسب قولها من الأمم المتحدة التقليل من شأن الحاجة إلي التخلي سريعاً عن الوقود الحفري. وكشفت أيضاً تلك الوثائق أن بعض الدول الغنية غير مرتاحة لتقديم المزيد من الأموال للدول الفقيرة لمساعدتها في التحول الي التكنولوجيا الخضراء ، مضيفة ان تلك الوثائق المسربة أظهرت أن دولاً اعترضت علي توصيات الأمم المتحدة باتخاذ إجراءات من أجل المناخ قبل أيام من انعقاد القمة التي ستطلب منهم الموافقة علي التزامات كبيرة بهدف إبطاء التغير المناخي ، والحفاظ علي ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية
فقد رأت عدداً من الدول والمنظمات ان العالم ليس بحاجة الي التقليل من استعمال الوقود الوقود الحفري بالسرعة التي توصي بها مسودة التقريرالحالي الذي قدمته اللجنة الدولية للتغير المناخي ، وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة مهمتها تقييم الأدلة العلمية عن التغير المناخي
فقد أعترض مسئول كبير في الحكومة الأسترالية ( التي تعد من اكبرمصدري الفحم ) علي خلاصة تفيد بضرورة إغلاق محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم علي الرغم من أنهاء استعمال الفحم من بين الأهداف المعلنة لقمة غلاسكو ( كوب 26 ) ومن جانب آخر نبه خبير كبير في المعهد الهندي المركزي للبحث في المناجم والوقود وهو مؤسسة مرتبطة بالحكومة ، إلي ان الفحم سيبقي مصدراً أساسياً لتوليد الكهرباء لعشرات السنين ، بسبب ما يصفه “ بالمصاعب الكبيرة “ التي تواجه توفير الكهرباء بأسعار مقبولة
وتأتي الهند في المركز الثاني عالميا في استهلاك الفحم
بينما تاتي الصين التي تحتل المرتبة الأولي في انتاج الفحم التي تؤمن لها 60 بالمائة من حاجتها للطاقة الكهربائية ، عمدت مؤخرا الي زيادة انتاجها من الفحم بنحو 6 بالمائة وفق مصادر صحيفة اللوموند الفرنسية في الوقت الذي تعهد فيها الرئيس الصيني بتخفيض حجم التلوث في بلاده قبل حلول عام 2030
ومن جهة أخري دافع عددمن الدول عن التنكولوجيا الصاعدة والمكلفة حالياً باستخلاص وتخزين ثاني أمسيد الكربون في باطن الأرض. فقد دعمت السعودية وأستراليا والصين واليابان ، وهي أكبر الدول إنتاجا أو استهلاكاً للوقود الحفري ، وكذا منظمة أوبك ذلك الأجراء
ويعتقد أن هذه التكنولوجيا بمقدورها تخفيض انبعاثات الغازات من محطات توليد الكهرباء ومن بعض القطاعات الصناعية
في الخلاصة ماذا يمكن استنتاجه من كل ماسبق ذكره ؟ الاستنتاج الاول ان غالبية الدول متفقة من ناحية المبدأ بضرورة اتخاذ القرارات اللازمة لمعالجة أزمة المناخ الدولية ولكنها في الوقت نفسه تتباين مواقفها حول حجم التضحيات الاقتصادية والمالية التي هي مستعدة بتحملها
والاستنتاج الاخر ان المصالح الوطنية هي التي تطغي علي مصالح المجتمع الدولي ، والحاجة الي صيغة وسطية الي ملائمة مصالح امنها القومي الاقتصادي والمالي مع متطلبات الحفاظ علي سلامة كوكب الارض من التلوث والتدهور البيئي ، وما يلفت النظر بهذا الخصوص ان الحرب الباردة الثانية التي تخلف الصراع الصيني – الروسي الأمريكي يواكبه الان ملامح صراع جديد مختلف بمشاهدة دول تحالف “ أوكوس “ والتحالف الرباعي الموجه ضد الصين بعض عناصر لهذا التحالفين تجد نفسها في خندق واحد مع الصين مثل الهند واستراليا