fbpx
لغز زعيم القاعدة الغائب الحاضر في المشهد الأفغاني
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العرب

يعكس الإصدار المرئي الأخير لتنظيم القاعدة أنه يريد إثبات أن زعيمه أيمن الظواهري لا يزال على قيد الحياة، لينفي شائعات دارت حول موته راجت العام الماضي، والحرص على إقناع طالبان بأن تنظيم القاعدة تغير ولن يشكل تهديدا على مستقبل الحركة في الحكم عبر التأكيد على تراجع التنظيم عن أيديولوجيا العنف المعولم وتحول اهتماماته باتجاه قضايا الشعوب الإسلامية والأقليات المسلمة المضطهدة حول العالم.

 

ويدرك زعيم القاعدة أن ما يهم طالبان الآن في المقام الأول تثبيت قدمها في السلطة والحصول على اعتراف دولي بشرعيتها وجذب الاستثمارات والمساعدات الاقتصادية من الخارج لتمكينها من الإقلاع بالدولة والخروج من سيناريوهات الفوضى والصراعات الاجتماعية والحرب الأهلية، ما يعني احتمال تدهور العلاقة مع التنظيم إذا لم يُجرِ مراجعات على مناهجه وتوجهاته وخطابه القديم الذي كان سببًا في إنهاء حكم إمارة طالبان منذ نحو عشرين عاما.

 

وحاول أيمن الظواهري عبر ابتعاده المتعمد عن نظرية استهداف العدو البعيد والتركيز على أوضاع وقضايا محلية وتسليط الأضواء على العدو القريب ممثلًا في الأنظمة الإسلامية والعربية المستبدة التي لا تحكم بالشريعة -وفق وصفه- إنقاذ علاقة تنظيمه مع طالبان متداركًا الأثر السلبي الذي تركه بيان القاعدة المركزي الأخير الصادر في الأول من سبتمبر الماضي والخاص بتهنئة طالبان بالنصر الذي وردت به عبارات قاسية في وصف الولايات المتحدة وهزيمتها المذلة، كذلك وقع الحفاوة التي قابلت بها بعض أفرع القاعدة عقب الانسحاب الأميركي ودخول طالبان كابول.

 

بعث الظواهري من بين سطور كلمته، والتي يبدو أنه جرى تسجيلها في وقت سابق لدخول طالبان كابول الشهر الماضي، رسائل لمن يهمهم الأمر في أفغانستان وخارجها فحواها أن تنظيمه لم يعد كما كان في السابق كحركة جهاد عالمي تستهدف المصالح الغربية والأميركية، وأنه توقف عن الصراع الساخن مع الغرب ويُلزم نفسه بما التزمت به طالبان بشأن عدم جعل الساحة الأفغانية مركزًا للتدريب والتخطيط لتنفيذ عمليات ضد قوى خارجية بعيدة أو قريبة.

ميت أم حي؟

واضح أن الظواهري الذي يعتمد على هيئة إعلامية محدودة المستوى تعاني من البطء الشديد في التفاعل مع الأحداث نتيجة استهداف أهم رموزها وكوادرها، في مقدمتهم حسام عبدالرؤوف ذراع الظواهري الأيمن والمسؤول الإعلامي بالتنظيم ونتيجة التضييق الأمني، لم يعد يهمه في المقام الأول إثبات حياته من عدمها بقدر توخيه تأمين مستقبله وانتهاز الفرص لإظهار أن تنظيمه نفسه لا يزال يتنفس وعلى قيد الحياة ولم ينحدر بعد إلى هاوية التفكك والانهيار.

 

يدحض الخروج الآن إلى العلن بالفعل شائعات وفاته التي تم إطلاقها من خلال أحد الصحافيين المتخصصين في شؤون الإرهاب بناءً على معلومة استقاها من بعض قادة تنظيم حراس الدين المرتبط بالقاعدة في سوريا في نوفمبر 2020، فيمَا خرج الظواهري في فيديوهات بعد هذا التاريخ منوهًا بأحداث وقعت بعده.

 

تطرق زعيم القاعدة في الإصدار المرئي الأخير إلى وقائع مثل هجوم تل السمن في يناير 2021 ضد القوات الروسية في الرقة والانسحاب الأميركي من أفغانستان وإن كان لم يصل إلى مستوى مواكبة دخول طالبان كابول وهيمنتها على الحكم في أفغانستان ما يعني أنه حي لكنه يعاني نتيجة ضعف أداء منظومته الإعلامية وعزلته الإجبارية عن الواقع من عدم المقدرة على مواكبة الأحداث والعجز عن التفاعل اللحظي مع التطورات الحالية المتسارعة.

 

ورغم أن فحوى خطابات الظواهري عادة تكون بعيدة عن الأحداث الجارية وغير مواكبة للحدث الآني، إلا أنها من خلال التركيز على قضايا فكرية وفلسفية مثل “الإلحاد” و”اللاهوت المسيحي” فضلًا عن تناول قضايا سياسية بعيدة عن قضية القاعدة المركزية الأم وهي العداء للولايات المتحدة والتحريض على تقويض هيمنتها وضرب مصالحها ومواجهة نفوذها، تحمل العديد من الدلالات بشأن التحولات التي يجريها الظواهري على منهجية القاعدة واستراتيجيتها بما يتواءم مع مصالح طالبان وحرصها على تأمين سلطتها الجديدة.

لم يذكر أيمن الظواهري في كلمته الأخيرة اسم الولايات المتحدة ولم يتطرق إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلا على سبيل التأريخ كما لو كان باحثًا سياسيًا أو مراقبًا للأحداث وليس صانعًا لها، وتحدث في سياق سرد تاريخي لما تعرضت له الأمة الإسلامية من تحديات آتية من الخارج قائلًا “وها هي الولايات المتحدة تخرج من أفغانستان منكسرة بعد حرب عشرين سنة”.

 

وبقطع النظر عن اللهجة المخففة التي وصف بها الظواهري الخروج الأميركي من أفغانستان التي لطف بها الأجواء بعد العبارات القاسية التي استخدمها بيان تنظيم القاعدة المركزي السابق في تهنئة طالبان بالنصر وبيانات أفرع التنظيم وتصريحات قادته وعناصره، فسياق الطرح الذي يلح عليه زعيم القاعدة يؤشر إلى تحول يبدو أنه لا رجعة فيه عن توجه استهداف العدو البعيد أي الولايات المتحدة والغرب، والانشغال بما تنشغل به طالبان بشأن تكريس هيمنتها وإنهاء أي حركات تمرد ضدها من خصوم ومنافسي الداخل.

 

ويتسق التحول الواضح في استراتيجية القاعدة ليس فقط مع ما تريده طالبان من التنظيم حتى لا تتجاوز الأخير الأحداث وتضطر الحركة الأفغانية لخيارات أخرى لحماية مصالحها وإمارتها الجديدة، علاوة على أنه لا يتعارض مع مساعي وخطط سابقة لتعديل منهجية التنظيم على ضوء ما جرى بعد تفجيرات سبتمبر 2001.

 

وكانت وثائق “آبوت آباد” التي عثرت عليها القوات الأميركية التي قتلت بن لادن في مخبئه بباكستان أظهرت إرادة مشتركة بين الظواهري وأسامة بن لادن تتعلق بالحاجة إلى إعادة تسمية تنظيم القاعدة بما يشمل تعديل منهجيته، حيث صار الاسم والمنهج مرادفين لأعمال عنف مروعة ضد المسلمين والعرب، فضلًا عن نفور غالبية العرب والمسلمين من سيرة التنظيم الذي تسبب نتيجة مغامراته غير المحسوبة في كوارث ومآس مؤلمة لبلدان وشعوب إسلامية،علاوة على المعاناة التي لقيها مسلمون يقيمون في الغرب.

أخبار ذات صله