fbpx
الدبلوماسية الناجحة من يضع حدودها ومن ينفذ مساراتها؟!

كتب/ علي عبد الله البجيري.
قبل أيام كتبت مقالا بعنوان ” الدبلوماسية اليمنية… ماضي مقبول وحاضر مزري “. لقي هذا المقال تفاعل عدد كبير من الدبلوماسيين اليمنيين اصحاب الخبرة والتجربة والذين اصبحوا جزء من الماضي الجميل، في زمن فشل الدبلوماسية اليمنية الحالية المعبرة عن فشل الشرعية المغيبة، وقد تلقيت عدد من الاتصالات والرسائل بين مؤيد ومعارض للمقال. وهذا امر طبيعي. فالمقال لم يروق لهؤلاء من ينطبق عليهم المثل القائل “مصائب قوم عند قوم فوائد”، بينما لقي استحسان هؤلاء الدبلوماسيين الحريصين على نجاح الدبلوماسية اليمنية ولو في ظل اشد الظروف قساوة.

ما أود الوصول اليه من مقالي السابق هو الدفع  إلى تلمس مكامن النجاح في العمل الدبلوماسي وتحييدها عن مكامن اخفاقاته، وهو ما ينعكس ايجابا على تفعيل التحرك الدبلوماسي بما يتوائم وحقائق الأحداث وطبيعة الاوضاع في اليمن، ولما من شانه الدفاع عن مصالح الوطن ورعاية مواطنيه، والبحث عن المصالح والمنافع المشتركة مع دول العالم المختلفة.

ومع كتابة هذه المقال التوضيحي لا تفوتنا الاشادة بكل فخر واعتزاز بما حققته الدبلوماسية الناجحة لليمن جنوبه وشماله في تلك الحقبة  المفصلية من تاريخنا في شتى المحافل الدولية، وصولا إلى تبوى بلادنا العضوية الغير دائمة في مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة.

وهذا يقودنا إلى أهمية انصاف من حققوا الإنجازات الدبلوماسية لليمن في ذلك الزمن الرائع فمن حقهم ومن حق أبنائهم واحفادهم التفاخر بما حققوه لصالح اليمن من تواصل مع الدول المختلفة ومع القوى المتعددة. لقد كانو محط اهتمام واستقبال يليق بهم في اي بلد او مطار يحطون فيه. واجدها مناسبة ان أشيد بالدبلوماسية الناجحة التى تولى رسم  خطوطها العريضة رؤساء العزة والوطنية والكرامة الرئيس سالم ربيع علي، والرئيس إبراهيم  محمد الحمدي رحمة الله عليهما، فهما من وضع حدود للدبلوماسية اليمنية، وقام بتنفيذها وزراء مقتدرون، امثال الوزراء محمد صالح مطيع، محسن العيني، عبد الله الاصنج، سالم صالح محمد، عبد الكريم الارياني،  عبد العزيز الدالي رحمة الله عليهم وأطال الله في عمر الأخ العزيز سالم صالح محمد . فقد حافظوا على علاقات متوازنه مع جيرانهما المملكة العربية السعودية وعلاقات مستقرة مع بقية الدول الخليجية الأخرى، وكذا مع كل الاقطار العربية، وعلاقات احترام ومصالح متبادلة مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي ومنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية ومظمة الوحدة الافريقية.. فالدبلوماسية الناجحة هي من تستطيع ان تخلق وتحتفظ بعلاقات مستقرة مع كل دول العالم مهما كانت التباينات في المواقف السياسية بشأن الأحداث الإقليمية والدولية.

‏وعودة الى نجاحات العمل الدبلوماسي، فلنا فى هذا السياق عدد من الملاحظات:

أولًا: إن رسالة ومهمة الدبلوماسية اليمنية في ذلك الزمن الجميل، أنها لم تقف أمام حدثٍ واحد، وتغلق أبواب الحركة للمبادرات. فقد كانت منفتحة وتتفاعل بشكل ايجابي مع حركة التوازنات في العلاقات بما يخدم المصالح الوطنية العليا لليمن.

ثانياً : ان الملاحظات التي اوردتها في المقال المشار إليه اعلاه، هي حصيلة لتجاوزات أدت إلى تعثر الدبلوماسية اليمنية، مستنداً إلى معلومات ووثائق متكاملة لكل شاردة ووارده كتبت في المقال.

ثالثاً:  لقد اطلعت على دراسات وابحاث حول خطوات الدبلوماسية الناجحة كتبها بعض من المختصين في الشأن الدبلوماسي من جامعة لندن، أكدو فيها أن دبلوماسية الخطاب و التركيز في العمل الدبلوماسي على تبادل الزيارات و صرف الأموال في الاستقبالات والتوظيف العشوائي لا يتماشى مع مقومات الدبلوماسية العالمية.

فالدبلوماسية الناجحة في العصر الحالي تراهن على تنويع الشراكات الأفقية والمتعددة الأبعاد و تستحضر البعد التعاقدي في هذه العملية، كما تضع الآليات الكفيلة بالتتبع و التقييم والتجديد .

رابعاً: في ضؤ ذلك، لن يكون مسلك الديبلوماسية اليمنية في الإتجاه الصحيح إلا إذا وجد الكادر الدبلوماسي المؤهل من أصحاب الخبرة والباع الطويل في المؤتمرات الدولية والإقليمية والعربية، وملء الفراغ الكبير الذي احدثته الحرب ولا تزال، بما في ذلك الانقسام في المجتمع اليمني وانتشار الفساد في كل مؤسسات الدولة، ومنها الخارجية اليمنية وبعثاتها الدبلوماسية.

خامساً: ان المهام الدبلوماسية تتغير بتحرك الأحداث ومتطلبات العصر الحديث، إلا أن الوصف العام للدبلوماسية يأخذ دائما حقيقة النظم والوسائل، التي يُمارس بها “فن وعلم” إدارة التواصل في العلاقات القائمة بين الدول، والتي تنشأ تعبيرا لمصالحها المتبادلة.
والخلاصة.. أن متطلبات النجاح في العمل الدبلوماسي تتمثل في امتلاك قدرات واضحة من الأفضليات الإنسانية.وتعتمد على الأسلوب الذي ينتهج به الدبلوماسي تصريف مهامه، والذي يجب أن يتسم بسعة الاطلاع، والفهم، والحصافة، والتقدير، والقدرة على التوقع، والمرونة .