مقالات للكاتب
كتب: علي عبد الله البحيري.
على وقع الأحداث المتسارعة في كابول، والتي انتهت بتمكن حركة طالبان من فرض سيطرتها على أفغانستان، تدور تساؤلات حول امكانية اسقاط ذلك السيناريو على الحالة في اليمن، وهل تقتدي المملكة السعودية بالموقف الأمريكي وتسحب قواتها من اليمن؟ وهل تكرار السيناريو الأفغاني وارد أم إن اختلاف الموقع الجغرافي والسياسي بين اليمن وأفغانستان يحول دون ذلك؟!
الواضح أننا نقف أمام استراتيجية أمريكية غربية تستهدف” محاصرة روسيا والصين “، عن طريق الانسحاب من المواقع العسكرية المتقدمة للقوات الامريكية وحلفائها الغربيين، وايجاد دول تشكل بؤر عدائية لهما، علاوة على تأجيج الصراعات الحدودية فيما بينهم البين. هذه الاستراتيجية تعيد الى اذهاننا سياسة القطبين والحرب الباردة التي سادت بينهما طوال العقود الماضية.
هكذا نرى إن العالم يتغير ويختل توازنه، ويتجه إلى صياغة تحالفات جديدة، تشمل ايضا الساحة العربية التي نلمس احدى مؤشراتها في العلاقات السعودية اليمنية، تلك العلاقات التي اخذت منحى المساس ليس فقط بمصالح السيادة الرسمية للدولة اليمنية بل والمساس بالمصالح الفردية للمواطن اليمني عبر التضييق على المغتربين اليمنيين، واستخدام سوط القوانين المفتعلة للاضرار بالعمالة اليمنية، إبتداء من اعذار التجديد للإقامة وزيادة الرسوم عليها وانتهاء بالاستغناء عن خدماتهم وترحيلهم قهريا من على اراضيها. هكذا تتم مذبحة المغتربين اليمنيين على طاولة ” سعودة الوظيفة ” وباسمها تتم تصفية العمالة اليمنية، والطرد من الوظائف وإلغاء كثير من التعاقدات الرسمية لليمنيين، دون مراعاة لواقع الحرب التي تعم بلادهم، ونتائج ما احدثته ما تسمى ” عاصفة الحزم ” من احراق للحرث والنسل، وملاحقة من يتجاوز تدابيرها بالقصف الجوي او بالسلاح الارضي. انها الماسأة بكل ماتعنية الكلمة.
التفسير الوحيد لكل تلك الأفعال وفي هذا التوقيت بالذات هو تهيئة الساحة لأحداث كبرى سوف تعم المنطقة، وتزيدها دمارا فوق دمار، وجعل اليمن يغرق في دوامة من الحروب الاهلية والمحن والفوضى الخلاقة أكثر مما هو عليه الان. هكذا يخطط له بهدف ضمان ترك اليمن يواجه مصيره المجهول. وهذا لا يمكنه ان يتم الا بانسحاب القوات السعودية من اليمن على غرار السيناريو الامريكي تجاه افغانستان. وان قلنا ان الانسحاب الامريكي من افغانستان يستهدف استراتيجية مدروسة من قبل الامريكان بهدف محاصرة روسيا والصين، فالسؤال يطرح نفسه حول ماهية استراتيجية الانسحاب السعودي من اليمن؟ فهو لايمكن ان يكون هدفه محاصرة احدى الدول الخليجية ولا ان تستخدم اليمن كبؤرة صراع ضد الغير في المنطقة، هذا ما يدفعنا الى تاكيد رؤيتنا بان هدف اسقاط السيناريو الامريكي على اليمن، هو المزيد من الحروب الداخلية والفوضى العارمة والفتن المذهبية والمناطقبة المقيته وصولا لتدمير اليمن أرضاً وانسانا.
ما حدث ويحدث من ترحيل قسري ومهين للعمالة اليمنية فانه يندرج في نفس التهيئة للأحداث الكبرى القادمة والتي سبق ان اشرنا اليها سلفا، بل ان تاجيج الموقف حاليا هو رد فعل لما تعرض له التحالف العربي بزعامة المملكة من فشل ذريع، بينما أصبحت القوى اليمنية التي ترى نفسها منتصرة في الحرب ومعها حلفائها الإقليميين” إيران وقطر ” في موضع متقدم، محققتا نقاطاً لصالحهما في الصراع على اليمن وموقعه الاستراتيجي وثرواته وممراته، وترى أن ما حدث في صنعاء ضد الشرعية اليمنية أصبح أمراً واقعاً، وما على المجتمع الدولي إلا الاعتراف بذلك الواقع.
على الجانب الاخر للصراع فهناك مؤشرات قوية جدا عن عودة الحرب الباردة بين المعسكر “الأمريكي الغربي” والتحالف الروسي الصيني ” رغم النفي الرسمي لعودة الحرب البارردة إلا ان الواقع يؤكدها، هذا ما نراه على الأرض، من حروب تجارية والتسابق على الاختراعات والتكنولوجيا، والصراع على الفضاء، وتبادل العقوبات الاقتصادية، وصولاً إلى التنافس في صناعة اللقاحات المضادة لفيروس كورونا Covid 19 بهدف الاحتكار والسيطرة على التسويق إلى كل بلدان العالم .
وفي ظل هذا الواقع فإن اليمن بات محطة للاقويا في حلبة الصراع والتنافس الدولي والإقليمي. وما الجلسات الشهرية لمجلس الأمن إلا للاستعراض، يتبارى فيها الحاضرون في تقديم الإحاطات وإطلاق الدعوات إلى ضرورة إنهاء الصراع وتقديم المساعدات الإغاثية، دون أن يكون هناك تحرك عملي فاعل لوقف الحرب. لقد حان الوقت للمجتمع الدولي أن يتدخل بقوة القانون والقوة العسكرية أن لزم الأمر لحسم الموقف، فمساعدة الشعب اليمني الحقيقية تكون بإنهاء الحرب فوراً، وإطلاق مسار سياسي مُلزم لجميع الأطراف.
فالعالم يتجه إلى إعادة تشكيل التكتلات وسط تحديات مستجدة وطموح وأطماع في السيطرة على الممرات الدولية والثروات الطبيعية، وهذا ما يقلق شعوب المنطقة ومنها اليمن، قلق يعبر عنه قطاعات عريضة من المثقفين والمحللين ، وخوفهم من تكرار السيناريو الأفغاني ، مع ما يعنيه من ترك تلك البلدان فريسة للنفوذ الإيراني عبر الميليشيات المسلحة التابعة لطهران، وعودة الإرهابيين من قاعدة ودواعش إلى سابق عهدهما.
على المستوى الإعلامي، حفلت الصحف الغربية والعربية بالعديد من المقالات والتحليلات لما حدث في”افغانستان” وناقش العديد من الكتاب والمحللين الانعكاسات والتأثيرات المحتملة ،وهناك من توقع “تكرار مشاهد أفغانية” في العديد من دول المنطقة، وخاصة في اليمن والعراق وسوريا ” وقد اجمع الكثير من المحللين بان ” ما حدث هو امتداد لاستراتيجية أمريكيه وتطبيق عملي لنظرية الفوضى الخلاقة ( Creative Chaos) لكوندوليزا رايس.
خلاصة القول..نحن هنا لا نطالب باستمرار تواجد القوات السعودية على ارضينا ، ولكننا نطالب المملكة قبل ان تقدم على مثل هذا السيناريو أن تجري مفاوضات مع سلطات الأمر الواقع شمالا وجنوباً، على ان تشمل هذه المفاوضات خطوات الإنسحاب من كل الأرض اليمنية لما بعد عام 2015م، وألغى الاستحداثات والتعدي على الاراضي اليمنية، ثم الاتفاق بحضور دولي على التعويضات لما لحق بمؤسسات الدولة من خراب ودمار وقتل الأبرياء وتدمير البنية التحتية لليمن شمالاً وجنوباً .