fbpx
حسن راتب رئيس جمهورية سيناء الذي استفاد من مبارك والإخوان وسقط في عهد السيسي
شارك الخبر
حسن راتب رئيس جمهورية سيناء الذي استفاد من مبارك والإخوان وسقط في عهد السيسي

 

يافع نيوز – العرب

لم يتخيل كثيرون أن يسقط رجل الأعمال المصري حسن راتب في يد الشرطة بتهمة الاتجار في الآثار، فالرجل نسج جملة كبيرة من العلاقات القوية مع مؤسسات عديدة في الدولة، وتمكن من توسيع أنشطته في توليفة دقيقة وممتدة، حيث فطن مبكرا أن رجل الأعمال بمفرده لن يستطيع حماية مشروعاته ولا بد أن يمتلك شبكة أمان.

 

طرق الرجل باب التعليم وأنشأ جامعة من أوائل الجامعات الخاصة في مصر، واختار تأسيسها في منطقة سيناء الواعدة وبجوار العديد من أنشطته الاقتصادية هناك، واقتحم مجال الإعلام في وقت مبكر وأسس قناة “المحور” الفضائية، واقترب من رموز سياسية وفرت له درجة عالية من الاطمئنان، لكن لم يتخيل البعض أن يكون تاجرا أيضا في الآثار، وهي زاوية تحولت في مصر إلى باب من أبواب المحرّمات الرئيسية.

 

بين يدي القضاء

لا تزال قضيته منظورة أمام القضاء ويتم تجديد حبسه كل 15 يوما منذ ألقت الأجهزة الأمنية القبض عليه من منزله بحي 6 أكتوبر في جنوب غرب القاهرة، في 29 يونيو الماضي، تنفيذا لقرار النيابة العامة بضبطه، حيث كشفت تحقيقات أجريت مع النائب السابق علاء حسنين الشهير بـ”نائب الجن والعفاريت” لكثرة الحديث عنهما وادعاء تسخيرهما، أن راتب متهم بتمويل حسنين ماديا في عمليات التنقيب عن الآثار التي يقوم بها الأول، في فضيحة من العيار الثقيل، لأن رجل الأعمال تدثر بثوب وطني طوال الوقت وأبعد شيء يمكن أن يلحق به أو يشك فيه هو هذه التهمة.

سوء حظ راتب أوقعه في أزمة حادة من حيث التوقيت، لأن ملف سرقة الآثار فتح على مصراعيه وقامت الأجهزة الأمنية بالتركيز على المتاجرين فيها بعد توجيهات صارمة من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بضرورة تنظيف هذا الملف المسكوت عنه كثيرا، والذي يثير شبهات حول نظام الحكم في ظل ما يتردد حول وجود شخصيات نافذة في الدولة توفر الحماية لتجار الآثار، لذلك لم يكن من السهل الصمت على أي شخصية متورطة أو مشكوك فيها تدور حولها شبهات جنائية في مسألة التجارة في الآثار مهما كان حجمها.

 

وجرى خلال الفترة التي تم القبض فيها على راتب الكشف عن قضايا مختلفة جميعها لها علاقة بتجارة الآثار، وقد يكون كبش فداء أوقعه قدره في هذا التوقيت، فالرجل ينشط في مجالات متباينة ومن الطبيعي أن تكون له خصومات مع شخصيات عدة، ربما لعب أحدهم دورا في فضح المستور في حياته أو المسكوت عنه طوال السنوات الماضية للتخلص منه بضربة قاضية.

 

يشير شقيق حسنين في أثناء التحقيق معه في قضية التنقيب عن الآثار وتهريبها، إلى معلومات تؤكد أن حسن راتب قام بتمويل شقيقه بـ50 مليون جنيه للتنقيب عن الآثار في منطقة مصر القديمة.

 

وقد رفعت هذه القضية الحصانة الضمنية التي حصل عليها راتب بحكم تعدد أنشطته، وفتحت الكثير من الملفات التي كان الرجل على علاقة بها من دون التطرق إلى تفاصيلها وخباياها، فقد روّج لنفسه على أنه “مسنود” وهي بالعامية المصرية أنه يملك علاقات متينة مع أجهزة الدولة تبعده عن المحاسبة، وهو الغرور الذي يمكن أن يكون أسهم في سقوطه بهذه الطريقة المهينة.

 

مباركي وإخواني

التعليم يعدّ من المجالات المبكرة التي طرقها راتب، حين أنشأ جامعة من أوائل الجامعات الخاصة في مصر، كما اقتحم مجال الإعلام في وقت مبكر فأسس قناة “المحور” الفضائية.

سواء كانت هذه المزاعم حقيقية أم لا، فقد حرص راتب على الإيحاء بها من خلال كثافة الإعلاميين المقربين منه الذين جنوا فوائد جمة بالعمل في فضائيته “المحور”، أو بالترويج لأنشطته في وسائل إعلام متعددة، حيث أحيط الرجل بهالة معنوية كبيرة، وضعته في صورة متضخمة معنويا بلا مبررات منطقية.

 

حقق راتب المولود في 23 فبراير 1947 شهرته من خلال تعدد تحركاته وتشعبها، والتي حافظ عليها في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك وبعد سقوطه بموجب ثورة يناير 2011 وتولي المجلس العسكري إدارة البلاد لمدة عام، ثم صعود جماعة الإخوان وتوليها الحكم، وصولا عهد الرئيس السيسي، وخلال هذه العهود المختلفة تحرك الرجل بصورة طولية وعرضية ضمنت له البقاء في مركز الأضواء.

 

في عهد مبارك حسبه البعض “مباركيا” جدا، حيث انخرط في صفوف الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، وكان عضوا بارزا في صفوفه، ولم يتورع عن تأييد الترتيبات التي جرى تجهيزها لتهيئة الأجواء لصعود نجل مبارك “جمال” للسلطة، واستغل فضائية المحور في تسويق الأفكار التي كان يحملها ما يسمّى بـ”تيار المستقبل” الليبرالي، والذي بشّر بمبارك الابن ولعبت المحطة التلفزيونية دورا بارزا في تعويم جمال مبارك، وكانت واحدة من المحطات القريبة من الحزب الوطني.

 

عندما سقط مبارك، تحول راتب 180 درجة، واستطاع تغيير جلده السياسي بسهولة ليبدو قريبا من الشباب الذين أسهموا بدور معتبر في الاحتجاجات التي أفضت إلى سقوط نظام مبارك، وأيضا قامت قناة “المحور” باستضافة العديد من الأسماء التي لمعت في ميدان التحرير الشهير بوسط القاهرة واحتوى الملامح الرئيسية للتظاهرات ضد مبارك، وكانت بداية لعهد لا أحد يعرف قسماته بدقة، لكن تحولات راتب أنقذته من الوقوع في فخ الثورة المضادة.

عندما صعدت جماعة الإخوان وتمددت في الشارع ودواليب الحكم وصولا إلى السلطة في يونيو 2012، ارتدى الرجل ثوب رجل الدين التقي والورع، وبدا قريبا من قيادات الجماعة وسخيا في التبرع لها ودعمها للدرجة التي حسبه كثيرون أنه عضو فيها ضمن كتائبها الكامنة وغير المعروفة، حيث كشف سقوط مبارك عن مفاجآت في هذا المضمار، وظهرت شخصيات ادعت إخوانيتها للحصول على مزايا من العهد الجديد.

 

بالغ راتب في إظهار الجانب الديني في أفكاره، وكان يتعمّد الظهور في وسائل الإعلام، وفي قناته “المحور” في شكل الرجل الحكيم والسياسي الرشيد، فضلا عن رجل الأعمال الوطني العصامي، واتخذ من علاقته بالشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي ذريعة للكشف عن جذوره الدينية وتقواه، وحاول توظيف العلاقة في زيادة الثقة في أفكاره التي أراد أن يوحي بأنها مقتبسة من عالم كبير.

 

حظي هذا الجانب بتركيز غير مبرر في الكثير من الأحيان من جانبه، وكأنه يريد إيصال رسائل معينة لمن يهمّهم الأمر، باعتبار أن الشعراوي كان يمثل تيارا وسطيا ضمن عدد من الشيوخ الذين بزغوا ولمعوا في نهاية القرن الماضي بمصر.

 

روى بنفسه أكثر من مرة تفاصيل مثيرة حول علاقته بالشعراوي، وهو داعية مصري كبير جذب بأسلوبه الرشيق العديد من المريدين، من بينهم راتب الذي لم يتردد في توظيف هذه العلاقة للتأكيد على أنه رجل ملتزم، خاصة في الفترة التي راج فيها تيار الإسلام السياسي في عصر مبارك والعاميين التاليين لسقوطه، إلى أن اختفى هذا الخطاب تماما من أجندته.

 

أوضح أن العلاقة مع الشعرواي بدأت بسؤال وجهه إليه حول فوائد القروض في أحد اللقاءات، “قلت له يا مولانا كل قرض يجر منفعة فهو ربا، ما حكم القرض الذي يجر وراءه ضرر، فقال تقصد إيه، فقلت أقصد لو أعطيت لشخص 10 آلاف جنيه ثم أخذتهم 10 آلاف جنيه آخر السنة، والتضخم يقاس بـ6.4 في المئة فلو بلغت نسبة التضخم 10 في المئة، إذن سأستعيد مبلغ 9 آلاف جنيه فقط، ولو أخذتهم 11 ألفا قلتم ربا”.

 

وجذب نسج قصص مثيرة لعلاقته مع الشعراوي في هذا الموقف، أنظار الكثير من متابعيه، منها أن الشيخ نهره، قائلا “هو كل واحد عايز فتوى ربا يجي للشعراوي، هو أنا كنت أوجدت النظام الاقتصادي الفاشل عشان أوجد لكم حلولا له، فتدخل أحد الأشخاص، وقال له إن حسن راتب رجل اقتصاد، فرد الشعراوي قائلا: ماهم دول اللي (الذين) أفسدوا الدنيا”، وبعدها تحسنت العلاقة بينهما وصارت ودودة للغاية.

 

ثقة مريبة

راتب يحسب على عهد الرئيس مبارك، وكان مقرّبا من رموزه، لكن عندما صعدت جماعة الإخوان ووصلت إلى السلطة في يونيو 2012، ارتدى الرجل ثوب رجل الدين التقي والورع، وبدا قريبا من قيادات الجماعة وسخيا في التبرع لها.

تشير الأنشطة التي شُغل بها الرجل إلى أنه يمتلك مواهب متنوعة، وهو ما جعله يبدو كأنه يحظى بثقة أجهزة نافذة في الدولة، فليس من السهل أن يتمدد في منطقة سيناء ذات الأهمية الاستراتيجية وتحيط به أي شكوك أمنية، لذلك من الممكن أن يكون جرى توظيفه لصالح الدولة في هذه المسألة، وعندما خرج عن الخطوط المرسومة له أو انحرف دون قصد كان من الضروري فرملته، بما يعني عدم استبعاد تبرئته من قضية الآثار.

 

وراجت معلومات حول جانبين من الممكن أن يكونا قد أسهما بالتعجيل في سقوط ظاهرة راتب، الأول: تمسكه بعدم بيع قناة “المحور” لجهة تابعة للدولة، والتي باعها في النهاية، حيث كان حريصا على الاحتفاظ بها لأنها تمثل له مركز قوة ونفوذ معنوي، وحاول أن يحصل على استثناء من البيع الذي أقدم عليه كل رجال الأعمال تقريبا ممن امتلكوا قنوات فضائية استمرت معهم فترة طويلة.

 

والجانب الثاني تشبثه برفض بيع جامعة “سيناء” التي أسسها وتوسعت هياكلها، لأنه كان يعلم أن إتمام عملية البيع سوف تفضي إلى القضاء على أنشطته الاقتصادية المتمركزة في سيناء، وجنى من ورائها مكاسب كبيرة على مدار العقدين الماضيين.

 

عندما بدا “مباركيا” كان مخلصا للفكرة التي تحافظ على مصالحه، وعندما بدا “إخوانيا” كان أيضا يخدم مصالحه بالتالي، فالنفعية حكمت جزءا كبيرا من تصوراته وتصرفاته

 

وقد لقبه أهل سيناء على ما وصل إليه من قوة بـ”رئيس جمهورية سيناء” حيث استحوذ على عدد من المشروعات فيها، وامتلك شركة سما سيناء للاستثمار، ومصنع سيناء للإسمنت، وجامعة سيناء، وترأس مؤسسة سما للتنمية الاجتماعية، ومؤسس شركة سيناء للتنمية الاجتماعية، كما عيّن رئيس مجلس إدارة والعضو المنتدب لشركة الإسمنت الإسبانية المصرية (سبيجيكو)، وكان شريكا ورئيسا لمجلس إدارة شركة الغامدي في السعودية.

 

كما عمل راتب وقتا طويلا في السعودية، وشغل منصب المدير المالي في بداية عقد السبعينات من القرن الماضي لوكالة شنكر الدولية للشحن بالسعودية، ثم تقلد منصب العضو المنتدب لمجلس إدارة الشركة الخليجية الدنماركية للألبان بالسعودية، ودخل كشريك في شركة الغامدي السعودية.

 

تكوينه العام يؤكد أنه ليس سياسيا بارعا وقد يكون اقتصاديا واعيا، ولا يحمل أفكارا أيديولوجية تخدم جماعة الإخوان، هو في النهاية ممن يمكن وصفهم بـ”الانتهازيين” الذين يريدون حماية أنشطتهم الاقتصادية بالتغير المستمر والتلون الدائم وفقا للتيار الغالب في الدولة، فعندما بدا “مباركيا” كان مخلصا للفكرة التي تحافظ على مصالحه، وعندما بدا “إخوانيا” كان أيضا يخدم مصالحه بالتالي، فالنفعية حكمت جزءا كبيرا من تصوراته وتصرفاته.

 

مع انتهاء هذه المعادلة في الوقت الراهن، لن تكون لحسن راتب وأمثاله مكانة بارزة، فتحقيق الثروات وتراكمها ليسا من سمات العهد السياسي الحالي، شريطة المشاركة في عدد من المشروعات التنموية غير الربحية، فهناك طريق واحد يضمن البقاء وهو عدم مناطحة الدولة في المجالات التي تدخل في نطاق اهتماماتها القصوى.

وسوم