يافع نيوز – العرب
في سوق سيدي البحري بالعاصمة تونس لا يخفي متسوقون ارتياحهم لجهود الرئيس في مكافحة الفساد والدفاع عن القدرة الشرائية منذ أن استحوذ على السلطة التنفيذية الشهر الماضي، في خطوة لقيت دعما شعبيا ومعارضة من رئاسة البرلمان والأحزاب الرئيسية.
وانتقد الرئيس قيس سعيد السياسة الاقتصادية للبلاد طيلة عقد من الزمن، وحث التجار على خفض أسعار الغذاء والدواء واتهم رجال أعمال -لم يكشف عن هوياتهم- بسرقة مليارات الدولارات بينما تحقق الشرطة في قضية فساد تتعلق بصناعة الفوسفات الحيوية.
وقالت عزة بالواعر (تبلغ من العمر 36 عاما وتعمل في مجال بيع المعدات الطبية) بينما كانت تشتري حاجاتها من سوق سيدي البحري “صار المواطن يشعر بالاطمئنان وانخفضت أسعار كل شيء… نشعر بأن الرئيس يشتغل ويستهدف التجار المحتكرين”.
محمد علي البوغديري: على سعيد الاستفادة من الدعم الشعبي لاقتراح إصلاحات اقتصادية
ورغم ذلك، بعد ثلاثة أسابيع من عزل قيس سعيد لرئيس الوزراء هشام المشيشي وتجميد البرلمان ضمن إجراءات استثنائية، لم يعين الرئيس حكومة جديدة أو يوضح السياسة الاقتصادية العامة أو يحدد كيفية تمويل العجز العام وسداد الديون. ويتساءل اقتصاديون وسياسيون أيضا عن خطط الرئيس لإعداد ميزانية العام المقبل ورؤيته لكيفية وقف نزيف الاقتصاد العليل.
وأدت تحركاته الشهر الماضي إلى توقف المحادثات التي تأخرت كثيرا مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج قرض كان من المتوقع أن يفسح المجال للمزيد من المساعدات الاقتصادية ويجنب تونس أزمة مالية.
وسددت تونس أكثر من مليار دولار من الديون هذا الصيف من احتياطيات العملات الأجنبية، لكن يتعين عليها أن تدبر حوالي خمسة مليارات دولار أخرى لتمويل عجز ميزانيتها المتوقع وسداد المزيد من الديون المستحقة وكذلك أجور الموظفين في القطاع العام.
وانكمش الاقتصاد بنسبة 8.2 في المئة العام الماضي بينما دفع عجز يبلغ 11.5 في المئة الدين العام ليشكل 87 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لصندوق النقد الدولي.
ولا يرى اتحاد الشغل التونسي ذو النفوذ، وهو النقابة الرئيسية في البلاد، والمقرضون الأجانب خيارات متعددة أمام تونس سوى استئناف التفاوض مع صندوق النقد الدولي. وقال محمد علي البوغديري الأمين العام المساعد في اتحاد الشغل لرويترز “ندعم المفاوضات مع صندوق النقد… للأسف ليست لدينا خيارات كثيرة”.
وقال دبلوماسي غربي “الساعة تدق في مواجهة التحدي الاقتصادي”، مضيفا أن “الإصلاحات اللازمة لتأمين قرض من صندوق النقد الدولي ستكون مهمة للحصول على المزيد من المساعدة للاقتصاد المنهار”.
وتلك الإصلاحات، بما في ذلك إعادة توجيه الدعم وتقليص أحد أثقل أعباء رواتب القطاع العام في العالم كنسبة من الناتج المحلي، لا يبدو أنها تحظى بشعبية وستأتي في وقت يكون فيه المزاج العام شديد التقلب.
وساعد الغضب المتنامي من تفشي الفساد وسوء الإدارة والركود الاقتصادي، الذي تفاقم بسبب جائحة كوفيد – 19، على خلق دعم شعبي واسع النطاق لتدخّل قيس سعيد المفاجئ في الخامس والعشرين من يوليو الماضي.
وأخفقت الحكومات المتعاقبة في حل مشكلات البلاد الاقتصادية والاجتماعية وساءت الخدمات العامة بشكل غير مسبوق، خاصة في قطاعات النقل والصحة والتعليم. وأضحت الحكومات بين مطرقة المقرضين الدوليين الذين يطالبون بإصلاحات لا تحظى بالقبول العام وسندان اتحاد الشغل الذي يطالب بتحسين وضع الموظفين.
Thumbnail
وكان الرئيس سعيد مسؤولا عن الشؤون الخارجية والدفاع فقط. وقبل انتخابه قدم مؤشرات نادرة على رؤيته الاقتصادية رغم أن بعض مؤيديه الرئيسيين جاءوا من اليسار السياسي. وكان قيس سعيد يردد أنه سيطبق ما يريده الشعب من المناطق المهمشة والفقيرة.
وقد يكون أحد الخيارات المتاحة أمام قيس سعيد طلب المساعدة من دول الخليج، وذكر الرئيس سعيد أنه أجرى اتصالات مع “دول صديقة” عرضت مساعدة تونس على تخطي الوضع الاقتصادي الصعب. واستقبل مبعوثين من السعودية والإمارات.
وأشار الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان إلى أن المساعدات الخليجية قد تمنح قيس سعيد مساحة للمناورة المالية. وحسب رأيه ستمكّن المساعدات من الشروع في الإصلاحات السياسية فورا، يليها إصلاح اقتصادي من جانب حكومة مستقرة بعد الانتخابات.
وعززت الإجراءات الاستثنائية في الخامس والعشرين من يوليو شعبية الرئيس سعيد، وفي تقدير الخبراء سيدعم الشارع الخطط المرتقبة بعد حالة استياء واسعة من إخفاق الأحزاب والحكومات المتعاقبة منذ ثورة يناير 2011 في إيجاد حلول لأزمات البلاد.
واعتبر البوغديري أن قيس سعيد لديه فرصة حقيقية للاستفادة من “الدعم الشعبي الواسع” واقتراح إصلاحات يحتاجها الاقتصاد، مضيفا أن الاتحاد العام التونسي للشغل أيد بعض الإصلاحات التي من شأنها أن تطال الشركات المملوكة للدولة ومراجعة الدعم. وأبرز أن الإصلاحات العاجلة هي مجابهة الفساد الذي استشرى ومواجهة الاقتصاد الموازي وملاحقة المتهربين ضريبيا، وذلك لإنعاش الاقتصاد.
ويصف خصوم الرئيس سعيد ما يقوم به بأنه إجراءات غير فعّالة تستهدف استمالة البسطاء وتقديم نفسه في صورة المنقذ. وأيًّا كان ما يفعله فسيكون قيس سعيد الآن مسؤولا عن حل المشاكل الاقتصادية المزمنة في تونس، ومن بينها عجز المالية العمومية مما قد يقوض التحول السياسي الذي يبدو أنه مهتم به أكثر من غيره.