يافع نيوز – العرب
أثارت المواقف التي أعلن عنها البيت الأبيض عقب لقاء وفد أميركي رفيع المستوى بالرئيس التونسي قيس سعيّد ردود فعل متباينة في تونس طغى عليها التوجّس من تدخل أميركي في الشؤون الداخلية التونسية بهدف إنقاذ الإسلاميين وترميم دورهم في العملية السياسية رغم موجة الرفض الشعبية تجاههم التي أظهرتها احتجاجات الشارع.
ولكن المحادثات التي أجراها الوفد الأميركي أظهرت في حد ذاتها، حسب مصادر مطّلعة في تونس، رغبة لدى واشنطن في التفاعل إيجابيا مع اتجاهات الرأي العام في تونس وانطلاقا من ذلك في إظهار قدر كبير من التفهم للاعتبارات التي دفعت قيس سعيد إلى اتخاذ الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها في الخامس والعشرين من يوليو الماضي.
كان ذلك واضحا من خلال تنزيل البيت الأبيض للإصلاحات الدستورية والانتخابية التي قد يكون سعيّد ينوي إدخالها في إطار “الاستجابة للمطالب التي أعرب عنها العديد من التونسيين لتحسين مستويات المعيشة وإرساء حوكمة نزيهة ناجعة وشفّافة”.
وكان الوفد التقى مساء الجمعة الماضي الرئيس التونسي قيس سعيّد في قصر الرئاسة في قرطاج بحضور رئيسة الديوان الرئاسي نادية عكاشة ووزير الخارجية عثمان الجرندي.
وترأس الوفد الزائر النائب الأوّل لمستشار الأمن القومي الأميركي جون فاينر الذي كان مرفقا بمساعد وزير الخارجيّة بالنيابة المكلّف بشؤون الشرق الأدنى جوي هود.
وكان اللقاء فرصة للرئيس التونسي للتأكيد على الشرعية الشعبية التي استند عليها تحركه، رافضا بذلك التأويلات التي عبّر عنها منتقدوه في بعض العواصم الغربية من بينها واشنطن من أن الإجراءات التي اتخذها – بتعليقه نشاط البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة من مهامه – تهدّد مسار الديمقراطية والحريات.
واشنطن قد تكون اختارت التعامل مع السلطات التونسية اجتنابا لإثارة الشارع المصطف بشكل كبير وراء سعيّد
وجاء في بيان لرئاسة الجمهورية التونسية أعقب المقابلة أن سعيّد ذكّر مخاطبيه الأميركيين بأن “التدابير الاستثنائية التي تم اتخاذها تندرج في إطار تطبيق الدستور وتستجيب لإرادة شعبية واسعة، لاسيّما في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية واستشراء الفساد والرشوة”.
وتقول المصادر إن الأميركيين حاولوا إظهار مرونة – قد تكون تكتيكية فحسب – في التعامل مع الملف التونسي دون تغيير جوهري في مواقفهم المعلنة من قبل.
وقد حث البيان الصادر عن البيت الأبيض تونس على “عودة سريعة إلى طريق الديمقراطية البرلمانية”، وذلك خلافا للصيغة السابقة التي جاءت بعد المكالمة الهاتفية لمستشار الأمن القومي جايك سيلفن مع سعيّد يوم الحادي والثلاثين من يوليو وتضمنت دعوة إلى “عودة البرلمان المنتخب”.
ويرى المحللون أن الصيغة الجديدة التي اعتمدها البيت الأبيض فضفاضة نسبيا، إذ تلح على اتباع مسار يسمح بإقرار منظومة برلمانية وليس إحياء البرلمان المعلقة أنشطته. وهذا التطور في التعابير يمنح سعيد هامشا زمنيا لإدخال الإصلاحات التي يراها ضرورية وحتى تنظيم انتخابات سابقة لأوانها.
ويقول المراقبون إن الولايات المتحدة قد تكون اختارت التعامل خطوة خطوة مع السلطات التونسية نظرا لدقة الوضع واجتنابا لإثارة الشارع المصطف بشكل كبير وراء سعيّد.
وتقول المصادر إن الأميركيين يتحركون كذلك من منطلق المخاوف على الاستقرار في تونس. وذلك يفسّر على الأقل جزئيا إلحاح الوفد الزائر على ضرورة تعيين رئيس وزراء يشكل حكومة من الكفاءات القادرة على مواجهة الأزمتين الاقتصادية والصحية. وهم يرون أن أي غياب للاستقرار في تونس ستكون له انعكاسات سلبية على محيطها الإقليمي وخاصة على مسار التسوية في ليبيا وهو مسار مضطرب أصلا.
وقد أعرب الوفد الأميركي (الذي تضمن برنامجه لقاءات مع الدوائر الحكومية إضافة الى المجتمع المدني والصحافيين) لمخاطبيه التونسيين عن ارتياحه لتجاوز تونس الزلزال السياسي يوم الخامس والعشرين من يوليو دون عنف أو إراقة دماء. والمأمول أن يحافظ المسار التونسي على سلميته في المستقبل وهي المهمة التي سوف يلعب فيها الجيش والأمن دورا أساسيا.
وتبقى التساؤلات مطروحة حول إمكانية التوفيق بين أجندات الطرفين حتى وإن كان التركيز إلى حد الآن على تهدئة الأجواء والبحث عن نقاط التلاقي.
مرونة تكتيكية
الصحبي بن فرج: الزيارة الأميركية لا تضغط للعودة إلى ما قبل 25 يوليو
يقول المحللون إنه رغم المرونة التكتيكية التي يظهرها الطرف الأميركي في محادثاته مع الأطراف الرسمية التونسية فإنه من غير المرجح أن يتراجع عن الاستراتيجية الإقليمية التي دفع إليها منذ اندلاع انتفاضات “الربيع العربي” والمرتكزة على تشريك الإسلاميين في العمليات السياسية.
وهذا الاعتبار حاضر في الأذهان خاصة وواشنطن تتأهب لتنظيم قمة عالمية للديمقراطيات في ديسمبر القادم.
وإذ لم يشر بيان البيت الأبيض صراحة إلى حركة النهضة فإنه دعا إلى “حوار يشمل الجميع” – في إشارة إلى كل الحركات السياسية في البلاد وذلك يعني بالخصوص حركة النهضة – كإطار لمناقشة الإصلاحات التي يدعو سعيّد لتنفيذها في تونس.
وسوف يشكل موضوع حركة النهضة ربما أكبر مسألة شائكة تواجهها الإدارة الأميركية في تعاملها مع الملف التونسي بعد أن أصبحت أغلبية التونسيين داخل السلطة وخارجها تنظر إلى حركة النهضة على أنها شكلت جزءا من منظومة فاسدة وفاشلة لا يمكن الرجوع إليها.
وكتب البرلماني السابق والمحلل السياسي الصحبي بن فرج على صفحته في فيسبوك “إن تقديم زيارة الوفد الأميركي على أنها تأشيرة أميركية لإنهاء الوضع الحالي وضغط من أجل العودة إلى ما كان عليه الأمر قبل الخامس والعشرين من يوليو (…) هو من قبيل الوهم والهراء”.
وكان سعيّد نفسه أشار في العديد من المرات إلى أنه لن يقبل “العودة إلى الوراء”.
ولكن الرئيس التونسي يجد نفسه اليوم في إطار تعامله مع واشنطن في موقف ليس له فيه أي خيار، وهو مضطر للحفاظ على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة ومواصلة التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري معها أكثر من أي وقت مضى، اعتبارا لكل الأزمات التي تواجهها البلاد.
وقد أكد في لقائه بالوفد الزائر بـ”القيم المشتركة” التي تجمع تونس بالولايات المتحدة وعلى أن “تونس ستظل بلدا معتدلا ومنفتحا ومتشبثا بشراكاته الاستراتيجية مع أصدقائه التاريخيين”، والولايات المتحدة بكل تأكيد في طليعة هؤلاء.
دور متمدّد
Thumbnail
رأى بعض المراقبين في زيارة الوفد الأميركي واستقباله على أعلى مستوى في تونس تكريسا للدور الذي أصبحت تلعبه الولايات المتحدة على الصعيد السياسي والدبلوماسي إضافة إلى دورها على الصعيد الأمني والعسكري في مواجهة الأخطار الإرهابية منذ سقوط نظام بن علي.
ويأتي هذا الدور المتمدد ومتعدد الأوجه على حساب فرنسا المنشغلة بانتخاباتها القادمة والتي اكتفت إلى حد الآن بمكالمتين هاتفيتين واحدة للرئيس إيمانويل ماكرون وأخرى لوزير خارجيتها جون إيف لودريان مع نظيريهما التونسيين.
وتتوقع الأوساط الدبلوماسية أن تتابع واشنطن الأوضاع في تونس بشكل لصيق. ويخلق ذلك ضغوطا جديدة على المنظومة الدبلوماسية التونسية للتكيف مع الوضع الجديد بما يسمح بدرء أي تطور غير محسوب للمواقف الأميركية.
زيارة الوفد الأميركي تكريس لدور واشنطن على الصعيد الأمني والعسكري في مواجهة الأخطار الإرهابية منذ سقوط نظام بن علي
وقد ارتفعت بعض الأصوات في الآونة الأخيرة في تونس داعية إلى حركية دبلوماسية أكبر في اتجاه الولايات المتحدة بما يتناسب والأهمية المتزايدة للعلاقات الثنائية وتتصدى لأنشطة اللوبيينغ المدفوعة وغير مدفوعة الثمن لحركة النهضة وأنصارها إضافة إلى الدعم الذي تقدمه شرائح النخبة الأميركية المتعاطفة مع الإسلاميين والشبكات الإخوانية المتضامنة مع النهضة على الساحة الأميركية.
ويبرر الداعون إلى الاهتمام بالعلاقة مع واشنطن باحتمال تأثير وجهات النظر الأميركية في نهاية المطاف على الموقف الأوروبي من الأوضاع في تونس إضافة إلى الدور الحيوي الذي سوف تلعبه الولايات المتحدة في دعم مطالب تونس من صندوق النقد الدولي.
وقد انتشرت مؤخرا تخمينات عن احتمال إدخال تعديل جزئي على الحكومة يشمل بالخصوص وزير الخارجية وطاقمه إضافة إلى اختيار سفير جديد في واشنطن بعد أن تمت دعوة السفير السابق نجم الدين بالأكحل للعودة إلى تونس بعد الخامس والعشرين من يوليو.