ابن القاضي لن يكون بالضرورة قاضيا: السيسي يخفف التوريث داخل القضاء
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العرب

يسعى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لتغيير الصورة الذهنية الراسخة بشأن احتكار القضاة للمناصب التي يورثونها لأبنائهم فقط، حيث يجري استبعاد أبناء باقي فئات المجتمع، حتى لو كانت تنطبق عليهم كل شروط التوظيف والكفاءة، ما تسبب في اهتزاز صورة القضاء.

 

ورفضت جهات أمنية ورقابية قبل أيام إدراج أبناء قضاة كبار ضمن قائمة الأسماء التي تم التصديق على تعيينها في المجلس، بقرار جمهوري أصدره السيسي.

 

ولوّح بعض القضاة (23 قاضيا) الذين استُبعد أبناؤهم من التعيين في الدفعة الجديدة بتقديم استقالات جماعية، أو رفع دعاوى قضائية للطعن في آلية اختيار الذين جرى تعيينهم، في أزمة لم تشهدها البلاد منذ وصول السيسي إلى الحكم، بينما لا يستبعد مراقبون أن تصل الأمور بين القضاة والسلطة إلى صدام معلن.

 

ويبرر القضاة الغاضبون موقفهم بأن “العُرف القضائي” استقر على أن يتم اختيار أبناء كبار مستشاري الجهة القضائية عند التعيين، لكن السيسي لم تعد تروق له هذه النغمة ويرغب في توسيع قاعدة إدراج أبناء فئات اجتماعية أخرى بحيث تنتهي مشاهد التوريث في السلك القضائي.

 

جهاد عودة: استمرار التوريث في السلك القضائي سيترتب عليه انهيار القضاء

 

وهذه أول مرة منذ ثورة 30 يونيو 2013 تعترض فيها شريحة من القضاة على القرارات الجمهورية المرتبطة بالتعيينات، وسبق لهؤلاء أن تذمروا من إجراءات كان اتخذها الرئيس الراحل محمد مرسي، استهدف بها محاولة أخونة هيئات قضائية بعينها، لكن تحركاته لم يُكتب لها النجاح.

 

ويعتقد مراقبون أن التصعيد الذي هدد به عدد من قضاة مجلس الدولة بعد استبعاد أبنائهم لن يتم تمريره بسهولة من جانب السلطة، لأنه موجه إلى الرئيس السيسي شخصيا بحكم أنه لم يصادق على قرارات التعيين، في مؤشر يوحي بأنه يتحفظ على هؤلاء القضاة وطريقة التعيين بهذه الصورة.

 

وقالت مصادر سياسية لـ”العرب” إن “الإجراءات الكثيرة التي اتخذت لتحجيم نفوذ القضاة وخفض المزايا الممنوحة لهم تسببت في حالة من الامتعاض لدى شريحة تتعامل مع السلك القضائي باعتباره ملكية خاصة تحت مسمى استقلال القضاء”.

 

ولفتت هذه المصادر إلى أن البعض من القضاة الذين هددوا بالتصعيد ضد استبعاد أولادهم من التعيينات من المحسوبين على تيار المستشار يحيى دكروري رئيس مجلس الدولة السابق، صاحب حكم مصرية جزيرتي تيران وصنافير الذي رفض الإقرار بملكية السعودية لهما، في تناقض مع قرار الحكومة، وهو ما يدخل القضية في منحى سياسي.

 

ويتردد بقوة أن شريحة من القضاة الممتعضين من التدخلات لإصلاح مسار العمل القضائي كانت ضمن الأسماء التي صعّدت ضد قانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية الذي تم تمريره قبل أربعة أعوام ليمنح رئيس الدولة سلطة اختيار رئيس الهيئة القضائية دون استناد إلى الأكبر سنا، كما جرى العرف.

 

وترى أصوات معارضة أن الغضب المكتوم داخل مجلس الدولة (جهة قضائية مستقلة تختص بالفصل في المنازعات الإدارية) يعكس تنامي الشعور بأن الحكومة تتمسك بمحاسبة الشريحة المعارضة من قضاة المجلس على فواتير قديمة، مثل تلويحها بعدم الإشراف على الانتخابات والتهديد بحل البرلمان، وهو ما سبق إعلانه عند مناقشة قانون الهيئات القضائية.

 

ويسعى السيسي منذ وصوله إلى الحكم للحد من الامتيازات التي يحصل عليها كبار القضاة، ما تسبب في ضغينة داخل هيئات قضائية؛ فهو الذي اجتمع مؤخرا مع رؤساء الهيئات وأبدى رفضه للاستقلال المالي والوظيفي الممنوحين لكل جهة قضائية دون توحيد الرواتب والمزايا وتنويع أشكال التوظيف.

 

صدام مرتقب بين سلك القضاة والسلطة في مصر

واعتادت كل جهة قضائية أن تقوم بتعيين أبناء كبار رجالها وأقاربهم مع استبعاد أبناء شرائح أخرى، فمجلس الدولة يحتكر التوظيف لأولاد مستشاريه بنسبة أكبر، وهيئة قضايا الدولة بالمثل، ما تسبب في تذمر شعبي مكتوم استدعى تدخل السيسي لتعديل قواعد التعيين بشكل يسمح بالتنوع ويضرب عصفورين بحجر واحد؛ يكسب شعبية جديدة ويحد من دور القضاة.

 

ومعروف أن مجلس الدولة -صاحب أزمة التعيينات الجديدة- يتمتع من يتعين فيه بامتيازات تفوق الامتيازات الممنوحة لباقي الهيئات القضائية، مثل قلة ساعات العمل أسبوعيا وإمكانية الانتداب لشركات ووزارات حكومية وقطاعات حيوية في الدولة، على عكس النيابة العامة التي تتطلب مجهودا مضاعفا وتمنح امتيازات أقل.

 

ويتمسك القضاة باستمرار قواعد التوظيف العرفي التي تطبق منذ سنوات؛ أي بأن يتواصل السماح لأولادهم بالتقدم إلى العمل في أكثر من جهة، وبعد قبولهم يختارون هيئة يستقرون على الاستمرار فيها ويستقيلون من الأخرى. لكن الحكومة ترى أن ذلك يحرم باقي الفئات من التعيين باعتبار أن أبناء القضاة حجزوا أكثر من مكان في وقت واحد.

 

ويقول متابعون إن السيسي كسر الصورة الذهنية الراسخة عن القضاة بأنهم طبقة يصعب الاقتراب منها، فلم يعد مقبولا اجتماعيا إدراج أبناء قضاة بعينهم ضمن قائمة المعينين لمجرد أن آباءهم من “شيوخ المهنة”، وقد يكونون غير مؤهلين لذلك، سواء فكريا أو تربويا.

 

ولدى الشارع حساسية مفرطة تجاه القضاء على خلفية تصريحات أدلى بها وزراء تولوا حقيبة العدل من قبل، فسبق أن قال أحدهم “إن ابن عامل النظافة لا يمكن أن يكون قاضيا”، وذكر آخر “إن القضاة أسياد البلاد”.

وحتى قرار تعيين المرأة قاضية فرضه السيسي على مجلس الدولة رغم رفض شيوخ القضاة وامتعاضهم من ذلك.

 

وظلت السلطة على مدى عقود في مصر مؤمنة بضرورة أن تكون للقضاة امتيازات تبعدهم عن الوقوع في دائرة الطمع والشبهات، وهي توجهات تهدف إلى النأي بهم عن التأثر بالأهواء، لكن الفكرة طالها التشوه فتحول تحصين بعض القضاة إلى تمييز.

 

وقال جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان إن ما يفعله الرئيس السيسي مع القضاء يحظى بتأييد واسع، لأن فكرة التوريث مستفزة، وكانت السبب الرئيسي في قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 ضد نظام حسني مبارك، وبالتالي كل تصرف “يقزم التوريث” سيحظى بالدعم المطلق.

 

وأضاف لـ”العرب” أن “السلطة مقتنعة اقتناعا راسخا بأن استمرار التوريث في السلك القضائي سيترتب عليه انهيار القضاء عاجلا أم آجلا، لأن شرعنة تعيين أبناء القضاة دون احتكام للمعايير والكفاءة ستتسبب في أزمة سياسية مستقبلية وتترتب عليها بعض الأحكام القضائية غير المنطقية”.

 

ولا تستبعد مصادر قضائية أن تكون وراء الأزمة الحالية مع قضاة مجلس الدولة تقاريرُ أمنية ورقابية أثبتت عدم صلاحية الذين استُبعدوا من التعيين لشغل المنصب، وهو ما يرفضه بعض القضاة ويتمسكون بأن يصدق الرئيس على الأسماء المرشحة من المجلس دون تدخل جهات أخرى في عملية التنقيح والمراجعة.

 

وعلمت “العرب” أن إجراءات التحري عن الأسماء المرشحة للعمل في القضاء طالت الأقارب من الدرجة الرابعة للحيلولة دون إدراج أي اسم في التعيينات، واستُبعد من كان في عائلته أشخاص مناهضون للسلطة أو لديهم أفكار وتوجهات متطرفة بشكل قد يؤثر بالتبعية على سمعة القاضي وينعكس سلبا على أحكامه ويطعن في نزاهته وعدالته.

 

وأكد جهاد عودة أن النظام مطالب بالتعامل بصرامة وحنكة سياسية كي لا يتحول الأمر إلى أزمة، وعليه استغلال حالة الغضب الشعبي من التوريث لتدعيم موقفه في مواجهة احتكار التوظيف في السلك القضائي لإشراك باقي أبناء الفئات الأخرى في شغل المناصب القضائية.

 

ولاحظت الحكومة مؤخرا أن هناك قضاة بعينهم يسلكون منهجا مغايرا للسياسة العامة بقبول قضايا يرفعها مناوئون للنظام لتحقيق مكاسب سياسية عبر انتزاع أحكام قضائية تقوي جبهة المعارضة، حتى صارت بعض الدوائر في المحاكم ملجأ لمعارضين سياسيين.

وسوم