يافع نيوز – العرب
اعتاد لبنان على نشوب الحرائق من عام إلى آخر في غاباته الممتدة من الشمال إلى الجنوب، لكنّ حرائق هذا العام اندلعت لتضاعف أزمات بيروت المنهكة والعاجزة اقتصاديا عن الصمود أمام تحديات جديدة.
في أكتوبر 2019 شهد لبنان سلسلة من الحرائق الضخمة، امتدت على كامل أراضيه من الشمال إلى الجنوب، وتمت الاستعانة آنذاك بطوافات من قبرص للمساعدة في عمليات الإطفاء.
وأثارت تلك الحرائق غضبا واسعا وكانت أحد دوافع الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة التي شهدها لبنان في أكتوبر 2019 ضد الطبقة السياسية.
وتكرّر المشهد نفسه هذا العام، فقد نشبت منذ أواخر يوليو الماضي حرائق ضخمة شملت تحديدا غابات عكار (شمال)، واستمرت لأيام بعد خروجها عن السيطرة، إضافةً إلى حرائق طالت مرج بسري (جنوب) ودير القمر (الشوف) وبكفيا (شرق) وعددا من المناطق الأخرى.
لكن لبنان العاجز عن توفير الوقود والكهرباء لمواطنيه بات هذا العام عاجزا عن مواجهة الحرائق التي تستوجب تدخلا سريعا من رجال الإطفاء ومعدات لا يملكها البلد المأزوم اقتصاديا.
ميشال أفرام: خسائر الحرائق في لبنان ضخمة جدا وفاقت التقديرات
وليس خافيا أن التجهيزات والمعدات المخصّصة لإطفاء الحرائق في لبنان محتشمة، فمثلا يعاني سلك الدفاع المدني من مشاكل لوجستية كثيرة. وكشفت مصادر مقربة من هذا السلك أن هناك نقصا كبيرا في العتاد وعدد المتطوعين.
وأضافت أن نحو نصف سيارات الإطفاء معطلة، في ظل توقف إجراءات صيانتها بسبب عدم توفر الاعتمادات المالية وارتفاع سعر صرف الليرة أمام الدولار.
وتكمن المشكلة الكبيرة في أن كمية وقود سيارات الإطفاء غير كافية، وقد تم عقد اتفاق مؤقت مع الجيش اللبناني لتزويد سلك الدفاع المدني بالمازوت. ولم تخفِ المصادر أن هناك هبات قُدمت لهذا السلك لم تُسلم له من قبل الدولة حتى الآن لأسباب عدة.
وليس لبنان البلد الشرق أوسطي الوحيد الذي اجتاحته الحرائق في الأسابيع الماضية، إلا أنه يبقى الأصغر حجما بمساحاته الخضراء والأقل جاهزية لمواجهتها.
وبسبب أزمة اقتصادية حادة مستمرة منذ أواخر 2019 يعاني لبنان من انهيار مالي أدى إلى صعوبة توفير النقد الأجنبي المخصص لاستيراد مشتقات الوقود وسلع رئيسية أخرى كالأدوية والمستلزمات الطبية.
وكانت روسيا أبدت استعدادها لمساعدة لبنان على إخماد الحرائق عبر قاعدة حميميم الموجودة في سوريا، وأرسلت رسالة بهذا الصدد إلى وزارة الخارجية اللبنانية، فيما يحذّر خبراء لبنانيون من تداعيات الحرائق -التي أصبحت حدثا سنويا- على الثروة الغابية للبلاد.
وذكر مدير برنامج “الأراضي والموارد الطبيعية” بمعهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند (خاصة) جورج متري أن “نسبة الغابات في لبنان هي 13 في المئة، أي 1300 كلم مربع من مساحة البلاد الإجمالية (10452 كلم مربعا)”.
واستدرك “أما نسبة الأراضي الحرجية، حيث الأشجار غير المرتفعة والأقل كثافة، فهي 11 في المئة من مساحة لبنان، أي 1100 كلم مربع”.
ولم يخفِ المتحدث أن نسبة الحرائق زادت في السنوات الثلاث الأخيرة بشكل كبير، مشيرا إلى أن المعدّل السنوي للحرائق هو ألف هكتار.
وأوضح أن في عام 2019 احترق 3000 هكتار في لبنان من الغابات والمساحات الخضراء، أي 3 أضعاف المعدل السنوي، وفي عام 2020 احترق 7000 هكتار، أي 7 أضعاف المعدل السنوي.
وتابع “حتى أواخر يوليو الماضي بات مشتعلا أكثر من 1200 هكتار، علما أن المعدل آنذاك كان يصل 300 هكتار، إلا أننا تخطيناه بأشواط حتى اليوم”.
واستطرد “مثلا، خسرت عكار (شمال) في موسم 2020 ـ 2021 حوالي 14 في المئة من مساحة غاباتها”.
Thumbnail
وكشف رئيس مجلس إدارة مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية (حكومي) ميشال أفرام أن الخسائر الناتجة عن الحرائق في لبنان ضخمة جدا، وفاقت التقديرات.
وعدد المتحدث بعض الخسائر البيئية الناتجة عن الحرائق الأخيرة في لبنان، والتي وصفها بـ”المدمرة”، منها: خسارة مساحات كبيرة من الأشجار المعمرة كالصنوبر والسنديان، والأشجار المثمرة، وغيرها. ونفوق عدد من الحيوانات التي تعيش ضمن الغابات والأحراج. بالإضافة إلى خسارة الطيور المحلية أو المهاجرة التي تعيش ضمن الغابات، وكذلك تغير المناخ بحيث أصبح صحراويا أكثر.
واحتراق التربة وكل مكوناتها البيولوجية، بحيث أصبحت ضعيفة وغير متماسكة. هذا إضافة إلى الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بمحاصيل المزارعين ومواشيهم.
وأوضح متري أن الكثير من الغابات المحترقة لا تستطيع الإنبات وتجديد نفسها بشكل طبيعي بعد الحريق، خاصة أشجار الأرز والشوح واللزاب التي تكون خسارتها دائمة.
في المقابل أفاد بأن غابات الصنوبر البري لديها إمكانية الإنبات الطبيعي، ما عدا في حالات معينة تكون فيها النيران شديدة أو بسبب طول فترات الجفاف بعد الحريق.
منذ انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس العام الماضي ما زال البلد يدفع ثمن الحريق الكارثي الذي بلغت تداعياته كل القطاعات ودفعت نسبة كبيرة من الشعب نحو الفقر
وتضاعف هذه الخسائر التحديات أمام لبنان الذي يقف عاجزا عن تأليف حكومة إنقاذ يشترطها المانحون الدوليون للحصول على مساعدات مالية تخرجه من الأزمة الاقتصادية الخانقة.
ومنذ انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس العام الماضي ما زال البلد يدفع ثمن الحريق الكارثي الذي بلغت تداعياته كل القطاعات ودفعت نسبة كبيرة من الشعب نحو الفقر.
وتظلّ الإحصاءات حول مخلفات الحرائق مجرد اجتهادات فردية حيث لم يصدر عن السلطات اللبنانية أي تقرير حول الخسائر الناجمة عن الحرائق السابقة.
ومع كل حريق تطرح أسئلة كثيرة عن أسبابه، وهنا اعتبر متري أن حرائق لبنان دائما تكون مفتعلة، عن قصد وعن غير قصد.
ورغم وجود وثيقة تحمل اسم الاستراتيجية الوطنية لإدارة حرائق الغابات، أقرها مجلس الوزراء منذ العام 2009، إلا أنها لم تطبق، ولا يحمل متري أي إدارة مسؤولية الحرائق ولا يبرر محاسبة أحد.
وبحسب المتحدث جددت هذه الوثيقة مسؤولية كل جهة رسمية في لبنان، ودورها قبل الحرائق وخلالها وبعدها.
وشدد متري على أن عملية مكافحة الحرائق مكلفة جدا، وتفوق قدرات لبنان المالية، أما عملية الوقاية فتكلفتها متدنية.
من جانبه، أكد أفرام أن تحذيرات كثيرة حول الحرائق أطلقتها مصلحة الأبحاث الزراعية منذ بداية يونيو الماضي، ولم يتم الأخذ بها كما لم يتم اتخاذ أي إجراءات وقائية.
واستطرد “لم يؤخذ بالتحذيرات، لأنه لا أحد يحاسب من يتلكأ في القيام بدوره”. ودعا البلديات والوزارات المعنية إلى القيام بإجراءات عدة للتخفيف من الحرائق، منها تنظيف جوانب الطرقات بشكل دائم، ومراقبة الأماكن المخصصة لإشعال النار في الغابات والأحراج، فضلا عن إنشاء طرق خاصة تستطيع من خلالها سيارات الدفاع المدني العبور إلى وسط الغابات، وإنشاء برك للمياه فيها.