يافع نيوز – العرب
عادت الحكومة المصرية إلى تكثيف اهتمامها بقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، بعد أن تأكدت من عدم وفاء تركيا بتعهدات سابقة لها بخروج قواتها العسكرية من ليبيا، وتراخي السلطة التنفيذية بطرابلس في مواجهة الميليشيات وميلها إلى تأجيل الانتخابات، وأن حفتر يمكن أن يكون خيارا مناسبا في الانتخابات القادمة.
وعقد المشير حفتر لقاءات مع مسؤولين في القاهرة الأربعاء للتباحث بشأن المستجدات السياسية، وحضور حفل تخريج عدد من الضباط الليبيين في الكلية الحربية بالقاهرة، وهي إشارة تؤكد الحرص على تقوية الجيش تحت قيادته العسكرية.
وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن زيارة حفتر تستبق جولة للملتقى السياسي الليبي تعتزم القاهرة استضافتها مع نهاية الأسبوع الجاري، بمشاركة أطراف متباينة كانت حاضرة في مؤتمر برلين الثاني في الثالث والعشرين من يونيو الماضي.
وأضافت المصادر ذاتها أن زيارة المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند للقاهرة يومي الثلاثاء والأربعاء هدفت إلى عقد اجتماع مع المشير حفتر والتشاور مع المسؤولين في مصر، لفك عقد الأزمات السياسية المتلاحقة وإيجاد فرصة للوصول إلى توافق يضمن إجراء الانتخابات في موعدها قبل نهاية العام الجاري.
وتأتي زيارة نورلاند في إطار جهود أميركية لعدم تأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية، والبحث عن تسويات ضرورية لإيجاد حل للخلاف حول القاعدة الدستورية، والإطار القانوني المطلوب من أجل إجراء الانتخابات في الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل.
ويعد ملف المرتزقة إحدى القضايا التي أدرجت على جدول أعمال مباحثات القاهرة بين كل من حفتر ونورلاند، لأن لدى جهات عديدة قناعة بأن السلطة التنفيذية في طرابلس تتعامل مع هذا الملف بنوع من التراخي والضعف وموالاة لتركيا التي تسعى إلى هز الثقة في الأطراف المختلفة، الأمر الذي يتطلب المزيد من المشاورات بشأن كيفية حلحلة الأوضاع الراهنة.
وجاءت زيارة حفتر للقاهرة بعد ثلاثة أيام على تأكيد تركيا الإصرار على بقاء قواتها العسكرية في ليبيا والتمسك بعدم خروج المرتزقة، وبعثت برسالة صارمة على لسان وزير الدفاع التركي خلوصي آكار شدد فيها على أن قوات بلاده لن تغادر ليبيا.
وقال الخبير بالمركز المصري للدراسات الاستراتيجية أحمد عليبة لـ”العرب”، إن لقاءات حفتر في القاهرة مع المسؤولين المصريين ونورلاند (وشخصيات ليبية مقيمة في القاهرة) تستهدف مواجهة العثرات التي تواجهها العملية السياسية، في ظل الاشتباك بين مراكز القوى الموجودة في ليبيا ومحاولة تلافي إمكانية تأجيل الانتخابات.
وأكد أن المشير خليفة حفتر معني بالواقع السياسي باعتباره والجيش الليبي جزءا من العملية السياسية، وقد يكون أحد المرشحين المحتملين في الانتخابات المقبلة، بانتظار ما سوف تسفر عنه النقاشات حول القاعدة الدستورية.
وأشار عليبة إلى أن مصر تعمل على تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة بحكم انفتاحها على قوى عديدة، وتحاول المحافظة على قدر من التوافق بين حفتر والسلطة التنفيذية الانتقالية الحالية ومنع انفراط عقدها، وهناك إدراك لدى القيادة المصرية بوجود أطراف ليس من مصلحتها إجراء الانتخابات في توقيتها المحدد.
وتعمل قوى الإسلام السياسي في ليبيا على وضع العراقيل أمام إجراء الانتخابات، وإدخالها في دهاليز ودروب تجعل من إجرائها في موعدها حدثا صعب المنال، وصوبت سهامها مؤخرا بصورة أكثر من ذي قبل تجاه حفتر لقطع فرص ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية، وحرصت على وضع شروط قاسية لا تنطبق عليه.
ويتواجد في القاهرة حاليا رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، ويشارك في المشاورات السياسية ويجري أيضا لقاءات مع أطراف مختلفة، لتحديد كيفية التعامل مع الاستحقاق الانتخابي المتعثر وسيناريوهاته المتوقعة.
ولم تستبعد بعض المصادر التي تحدثت مع “العرب” قيام رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة بزيارة القاهرة قريبا، لإجراء مباحثات حول الوضع المتأزم ومحاولة إيجاد تفاهمات تضمن تسهيل الطريق أمام الانتخابات.
وذكر المحلل السياسي الليبي محمد السلاك لـ”العرب” أن هناك تحركات دبلوماسية أميركية نشطة بالتعاون مع القاهرة لدفع العملية السياسية واستكمال بنود خارطة الطريق، والتركيز على كيفية الضغط على تركيا لسحب المرتزقة الأجانب من ليبيا، إلى جانب ضمان عدم إقصاء أي شخصية وطنية من الترشح للانتخابات.
ولفت إلى أن زيارة كل من حفتر ونورلاند تأتي بالتزامن مع نقاشات حامية الوطيس حول القاعدة الدستورية، في ظل إصرار على عدم إتاحة الفرصة لأي أطراف بإقصاء شخصيات بعينها طالما انطبقت عليها الشروط القانونية والدستورية.
واستأنف ملتقى الحوار السياسي الليبي اجتماعاته التي تنظمها الأمم المتحدة في جلسة افتراضية الأربعاء، لمناقشة القاعدة الدستورية بشأن إجراء انتخابات ديسمبر المقبل.
وتدعم واشنطن حق الشعب الليبي في اختيار قادته من خلال عملية ديمقراطية حرة ونزيهة، وحوى خطابها دعوة لشخصيات رئيسية إلى استخدام نفوذها في هذه المرحلة الحاسمة، مثمنة أهمية الدور الذي يقوم به المشير خليفة حفتر في توحيد الجيش.
ولعبت القاهرة دورا في عملية توحيد الجيش الليبي، وتريد واشنطن منها أن تستأنف اتصالاتها في هذا المجال، حيث يفتح تجاوز هذه المشكلة الطريق أمام المزيد من الضغط لنزع مبررات بقاء القوات التركية واستمرار تواجد العصابات المسلحة، ويضمن إجراء الانتخابات في موعدها وتطبيق نتائجها.
ويلتقي حفتر خلال زيارته للقاهرة بشخصيات ليبية مقيمة في مصر ينتمي معظمها إلى نظام العقيد معمر القذافي، لجس نبضهم والحصول على دعمهم لترشحه لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات، خاصة بعد ظهور سيف الدين القذافي في المشهد السياسي مؤخرا والانقسام الحاصل حول تأييده كمرشح محتمل وكممثل للنظام القديم.
ويحاول حفتر التأكيد على دوره الوطني وتقليص مساحة الخلاف حوله كرجل عسكري يسعى للقفز على السلطة بأي ثمن، والاستفادة من عدم وجود شخصية كاريزمية يلتف حولها الليبيون حتى الآن، من هنا فسر البعض موافقته أخيرا على فتح الطريق الساحلي.
وقال حفتر بمناسبة الذكرى الـ81 لتأسيس الجيش الليبي الاثنين، إن الجيش يمد يده لتحقيق السلام متجاوزا الخلافات التي وصلت إلى حد المواجهة المسلحة في البلاد، لافتا إلى أن قوات الجيش “لن تخضع لأي سلطة تتحايل بالشعارات المدنية”.