fbpx
تركيا لمرشد الإخوان: تخلص من متمردي الجماعة ولك قيادتها خالصة
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العرب

عكست خطوة حل الهياكل التنظيمية التي استحدثتها جماعة الإخوان لإدارة شؤونها خارج مصر وفي مقدمها مكتبها الإداري بتركيا تصميم ورغبة أنقرة في إعادة العلاقات مع القاهرة، وقلقا من تكرار سيناريو تقويض الجماعة في الداخل التركي.

وإذا كانت أنقرة في حاجة إلى إجراءات إضافية تقنع بها القاهرة لاستئناف المفاوضات بعد تجميدها، فالنظام التركي في حاجة أكبر لتأمين نفسه ضد أي خطط وتحركات مضادة لجماعة الإخوان والأجنحة المختلفة داخلها تترجم نغمة التذمر وعبارات الرفض لمسار التقارب والمصالحة مع القاهرة على حساب مكتسبات الجماعة بالداخل التركي إلى أفعال.

القرار الذي اتخذه القائم بأعمال مرشد الإخوان المقيم بلندن إبراهيم منير بخصوص حل مكتب جماعة الإخوان في تركيا ومنع إجراء انتخابات كانت مقررة لتشكيل المكتب مؤخرا، جرى التشاور والتنسيق بشأنه مع السلطات التركية الحريصة خلال هذه المرحلة على كسب ود القاهرة وتحريك ملف المصالحة المتعثر وعدم ترك الساحة التركية مهيأة للنمو التنظيمي والحركي لجماعة الإخوان وعلى فتح الأبواب أمام قادتها وعناصرها للرحيل عن تركيا.

 

بات هناك ما يشبه إعادة الهيكلة المتفق عليها بين إبراهيم منير وأردوغان للإطاحة بالقيادات الإخوانية لتحقيق مصالح مشتركة

هواجس التغلغل

خبرة النظام التركي الطويلة مع تنظيمات الإسلام السياسي وبأساليب تعاطي جماعة الإخوان مع الدول والمجتمعات التي تدير ظهرها للتنظيم وتنفض يدها من رعايته ودعمه، ألهمت المسؤولين فكرة مؤداها استمرار العلاقات الأيديولوجية والترابط الحركي والتوظيف النفعي مع جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي من دون أن تكون تركيا ميدانًا للنشاط الحركي والتنظيمي تجنبًا لسيناريوهات عبرت خلالها الجماعة قديمًا وحديثًا عن مسلكها الثأري ضد الأنظمة التي تخلت عنها أو قللت من مستويات دعمها.

ينظر المسؤولون الأتراك إلى الحضور التنظيمي والحركي للإخوان في تركيا بقلق أكبر من قلقهم حِيال نشاطات إعلامية لأعضاء الجماعة الذين أوقفت السلطات برامجهم مؤخرًا، فالأول يهدد النظام التركي الذي لا تغيب عن قادته تجارب الجماعة في مصر.

وجميعها بداية من تجربتهم مع الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر مرورًا بخلفه الرئيس أنور السادات وحتى عام صعودهم إلى السلطة بعد سقوط نظام حسني مبارك، وما أعقب ثورة يونيو ضدهم من أحداث أبعدتهم عن الحكم، كلها محطات تكشف إلى أي مدى يمكن أن تذهب الجماعة في مسار تدبير القلاقل والتخطيط لزعزعة الأنظمة، حتى تلك التي سبق وتعاونت معها قبل التخلي عنها أو قمعها.

ويذكر أعضاء وقادة بارزون بجماعة الإخوان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم بمزيج من الحسرة والمرارة، فلم يتخيلوا أنهم سيُجبرون على مغادرة ملاذهم الآمن في ظل حكمه وهم من كانوا يعدّونه زعيمهم وخليفتهم المُنقذ.

هناك من قادة وأعضاء الإخوان من يشبّه الرئيس التركي بعد الإجراءات الأخيرة بالرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر الذي حظي بدعم الجماعة قبل وصوله إلى السلطة في أعقاب ثورة يوليو 1952، لكنه بعدها قام بقمع التنظيم وزج بأعضائه في السجون، وهناك من يشبهه بالرئيس الراحل أنور السادات الذي جعلهم عبر دعمهم يضعون كل آمالهم عليه لنيل المزيد من التمكين والنفوذ، لذلك كانت صدمتهم فيه مضاعفة عندما انقلب عليهم في آخر عهده معلنًا في خطاب شهير أمام البرلمان أنه كان مخطئًا في إخراجهم من السجون وتوظيفهم في المشهد السياسي ضد خصومه، وهو ما عجل في التخلص منه بجهود جماعات مسلحة أكثر تشددًا وتهورا من الإخوان.

ويعم الغضب والاستياء أوساط جماعة الإخوان خاصة بين العناصر المتواجدة بتركيا بعد التراجع الملحوظ وبعد الإعلان عن خطط التقارب من النظام المصري على حساب التنظيم، ليس فحسب تجاه إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد نتيجة فشله في ثني السلطات التركية عن قراراتها، إنما أيضًا تجاه الحكومة والأجهزة التي هوت بهم في قاع الخيبات بعد أن رفعت آمالهم إلى حد التيقن بأن عودتهم مظفرين إلى مصر لن تتأخر كثيرًا بفضل وقوف أردوغان ونظامه بجانبهم.

تخسر جماعة الإخوان الآن على كل المستويات، حيث لم يعد بمقدورها الفخر والتباهي بأردوغان الذي كان الإخوان يروجون له كزعامة إسلامية لا يضاهيها أحد، وتقلصت مكانته مقابل ازدهار شعبية ونفوذ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في الشارع، علاوة على خسارة ساحة رئيسية ظلت على مدار سنوات بمثابة أهم ساحات العمل التنظيمي والدعائي والحركي والاستخباري للإخوان ضد مصر منذ العام 2013.

وعلى ضوء ذلك تكون القرارات الأخيرة التي أعلنها إبراهيم منير والمتعلقة بحل مكتب الإخوان بتركيا وإرجاء إجراء الانتخابات لمدة ستة أشهر استبقت صدور بيان بعزله من منصبه كقائم بأعمال المرشد بحجة فشله في الحفاظ على تماسك التنظيم وعلى استمرار دعم الحليف التركي.

خطوة استباقية

 

النظام التركي يعيد حساباته

من جهة أخرى تستبق أي تحركات مضادة تستهدف حكومة أردوغان كان من المحتمل أن يشرع جناح الإخوان بتركيا في تنفيذها عقب الإطاحة بإبراهيم منير وتثبيت القيادات المتواجدة بتركيا، وفي مقدمها محمود حسين كجبهة قيادية منفردة.

“لا تقفوا ضد مصالحنا أو ارحلوا بعيدًا”. هذه العبارة التي أطلقها أحد المسؤولين الأتراك مخاطبًا قادة وأعضاء جماعة الإخوان، يتحرى القائم بأعمال المرشد وجناحه في لندن الاضطلاع بتنفيذها لإشعار الحليف التركي بأن الأجدر بمد يد العون والدعم ليس الجناح القيادي بتركيا مُمَثلًا في محمود حسين ومجموعته، إنما جناح لندن الذي يترأسه إبراهيم منير.

نجح منير في انتهاز فرص سابقة جعلته مطمئنًا أخيرًا وهو يتخذ قراره الجريء الأخير مؤملًا مساندة الأجهزة التركية له، حيث خرج قبلها مبديًا تفهمه للخطوات المتعلقة بالتقارب مع القاهرة ومطالبًا أعضاء جماعته بالتماهي مع المتغيرات الجديدة ومتعهدًا بعدم المساس باستقرار وأمن تركيا، في وقت وصف البعض من أعضاء الإخوان المتواجدين بتركيا موقفه بالمتخاذل.

وسجل إبراهيم منير عبر مواقفه الأخيرة التي جعلته الأكثر مرونة وطواعية بالمقارنة بمراوغات جبهة محمود حسين نقاطًا لدى نظام الرئيس أردوغان الذي التقت مصالحه مع منير، حيث يرغب كلاهما في الإطاحة بمحمود حسين وبقادة الحرس القديم للجماعة المنافسين له في تركيا، ويرغب أردوغان في تقليص نشاط جماعة الإخوان في الداخل لتحسين صورته أمام الرأي العام وحرمان معارضيه من مبررات الهجوم عليه وعلى نظامه، إذ يتهمونه بتفضيل علاقته بجماعة الإخوان، وهو ما يحول دون اتمام المصالحة مع مصر.

واستغلّ إبراهيم منير القائم بأعمال مرشد الإخوان الذي يرغب في الإطاحة ببعض قيادات الجماعة النافذين بسبب خلافات مالية وإدارية رغبةََ في تقليص النشاط الإخواني وتحجيم نفوذ عناصر إخوانية رافضة للتقارب مع مصر، وأصدر قراره الأخير بحل مكتب الإخوان بتركيا وتأجيل الانتخابات بهدف تحقيق مكاسب خاصة به وبجناحه تتمحور حول إحكام السيطرة على التنظيم الدولي للإخوانوالقضاء على إزدواجية القيادة بينه وبين الجناح النافذ في تركيا بقيادة محمود حسين وحلمي الجزار.

وبات هناك ما يشبه إعادة الهيكلة المتفق عليها بين إبراهيم منير وأردوغان للإطاحة بالقيادات الإخوانية في تركيا وإنهاء التنظيم هناك لتحقيق مصالح مشتركة، وفق تطورات ومتغيرات المرحلة الحالية؛ لأن قرار الحل وتوحيد قيادة الجماعة من خلال جهة تدين بالولاء الكامل لتركيا ولا تعترض على إجراءات التقارب مع القاهرة بعكس ما فعلته جبهة محمود حسين معناه تسهيل مهمة النظام التركي في تنفيذ خطط التقارب مع مصر وعدم توريط أنقرة في أزمات مع
القاهرة.

خيط رفيع بين الجانبين

 

جماعة الإخوان تخسر الآن على كل المستويات، حيث لم يعد بمقدورها الفخر والتباهي بأردوغان الذي كانت تروج له كزعامة إسلامية لا يضاهيها أحد، وتقلصت مكانته مقابل ازدهار شعبية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي

يتيح هذا التعاون بين النظام التركي وقيادة التنظيم الدولي للإخوان بلندن استمرار علاقة أنقرة بالإخوان عبر خيط رفيع يربط بين الجانبين، حيث تكون القيادة التركية حاضرة في دعم التنظيم وإدارته من منطلق ساحات ومناطق أخرى من العالم، وليس من الأراضي التركية، مقابل الجهد المطلوب من قيادة التنظيم في ما يتعلق بملف تفكيك التنظيم وملحقاته في تركيا والتأقلم مع مقتضيات المرحلة الراهنة.

كما يمنح نقل نشاطات وقادة الإخوان إلى بلدان أخرى مثل بريطانيا وكندا والبلقان وماليزيا ومنع الأنشطة التنظيمية للجماعة بتركيا بالتنسيق مع قيادة التنظيم في لندن أردوغان القدرة على تحقيق المعادلة الصعبة بالنظر إلى أنه يستهدف تقريب المسافات مع مصر من دون قطع الصلات نهائيًا بالتنظيم، فضلًا عن أن حل شبكات التنظيم في تركيا وفتح الأبواب لرحيل الكثيرين يرفع الحرج عن أنقرة التي تطالبها القاهرة بتسليم قيادات وعناصر الجماعة المدانين أمام القضاء.

في أبريل عام 2018 تحدث إبراهيم منير خلال احتفالية الذكرى التسعين لتأسيس جماعة الإخوان من مدينة إسطنبول عن تركيا كونها الأمل المتبقي لإنقاذ سمعة التيار الإسلامي، وبايع كما فعل غيره أردوغان لزعامة ما أطلقوا عليه “الجهاد المقدس” بالدول العربية.

وتُسند اليوم إلى إبراهيم منير مقابل تمكينه من الانفراد بقيادة الإخوان وإضعاف خصومه مهمة في الاتجاه المعاكس؛ وبعدما كان دوره طوال السنوات الماضية بجانب قادة آخرين بالتنظيم الدولي للإخوان حشد شباب الإخوان من مختلف البلاد العربية لتلقي التدريبات على الأعمال القتالية والحربية ودراسة مناهج جماعة الإخوان في العديد من المدن التركية وفي مقدمتها إسطنبول، صار دوره تفكيك هذا النشاط التنظيمي وإعادة توطين عناصره ورموزه بمناطق مختلفة من العالم.

وأصبحت من ضمن مهام قيادة تنظيم الإخوان الرئيسية، حتى تضمن دعم أنقرة، السيطرة على الاحتقان وبوادر التمرد داخل أوساط التنظيم خاصة بالساحة التركية عقب الإعلان عن مشروع المصالحة بين تركيا ومصر.

وتؤدي إطاحة إبراهيم منير بخصومه المتواجدين بالقاهرة وإنهائه لإزدواجية القيادة وللنشاطات الحركية والتنظيمية للإخوان بتركيا إلى تمكينه من الهيمنة الكاملة على مقاليد قيادة الجماعة، وتطمين القيادة التركية التي طغى على تفكيرها في الفترة الماضية هاجس تكرار تجربة الإخوان بمصر داخل الساحة التركية، خاصة وأن دعاية المعارضة ضد الرئيس التركي ونظامه تدور حول محور رئيسي وهو تفضيل العلاقة مع تنظيم الإخوان على مصالح تركيا وشعبها.

وسوم