مصر تحوّل حفتر من حليف رئيسي إلى ورقة عند الضرورة
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العرب

قلل انفتاح مصر على السلطة التنفيذية في طرابلس من رهانها على المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، واستشهد البعض بعدم حضوره حفل افتتاح قاعدة “3 يوليو” البحرية المجاورة للحدود مع ليبيا قبل أيام للتدليل على الخفوت النسبي في العلاقة بين الجانبين، بينما كان حاضرا ومحتفى به أثناء افتتاح قاعدة محمد نجيب المجاورة لها منذ أربعة أعوام.

 

وجرت مياه سياسية وعسكرية كثيرة خلال هذه الفترة جعلت حفتر ينتقل من خانة الحليف الرئيسي لمصر إلى ورقة أمنية وسياسية يمكن توظيفها وسط التعقيدات والتوازنات التي تمر بها ليبيا.

 

ويرى مراقبون أن حضور رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي وغياب حفتر دليل آخر على أن مصر بدأت تضبط المعادلة وتتعامل مع الأجسام الشرعية في طرابلس؛ فمهما كان النفوذ العسكري الذي يتمتع به حفتر ودوره في مكافحة الإرهاب الذي استفادت منه مصر في تأمين جزء من حدودها، فهو في النهاية لا يتمتع بشرعية سياسية وقوى عديدة تتعامل معه سرا أو علنا بحكم الأمر الواقع.

 

وانجرّ عن انحياز القاهرة إلى حفتر تعزيزُ عدة روايات ليبية يفيد فحواها بأن مصر تدعم الشرق على حساب الغرب وتؤيد الحكم العسكري بدلا من المدني، وأُلصقت بها تُهم صحيحة وأخرى باطلة قللت من فرص انفتاحها على حكومة الوفاق الوطني تحت قيادة فايز السراج.

 

ويشير مراقبون إلى أن تأييد مصر لحفتر دفع السراج إلى طلب الدعم من تركيا بعد أن وجد كل طرق التعاون مع القاهرة مسدودة، بينما يرى آخرون أن هذا التفسير كان ذريعة السراج وأنصاره لأنه كان سيحتمي بأنقرة عاجلا أم آجلا، بعد أن خضع لرؤية تنظيم الإخوان الذي حرص على تمهيد الأجواء لدخول تركيا ومعداتها وفرقها العسكرية إلى ليبيا.

 

وكانت نقطة التحول الرئيسية في علاقة مصر بحفتر قيامه بالزحف نحو طرابلس عسكريا في أبريل 2019 بحجة تحريرها من قبضة الميليشيات والكتائب المسلحة التي رهنت القرار السياسي بإرادتها ومصالح القوى التي تحركها.

 

وذكرت مصادر سياسية مصرية لـ”العرب” أنه تم تحذير القاهرة آنذاك من نتائج تحرك قوات حفتر نحو طرابلس، مشددة على أنه ينطوي على “فخ” نصب له؛ نظرًا إلى طول المسافة بين بنغازي وطرابلس وصعوبة نقل القوات والعتاد وتعقيدات الحرب في مدينة تحولت إلى مرتع للكتائب المسلحة.

 

وصمم حفتر على تنفيذ خطته بذريعة أنه تلقى ضوءا أخضر من قوى كبرى، إلى أن عاد بعد نحو عام بخفي حنين حفاظا على ما تبقى من قواته في منطقة الشرق التي أصبحت مهددة من نفوذ خصومه.

 

وزاد تحفظ مصر على أداء حفتر العسكري غير الاحترافي عندما تحول تضخمه المعنوي إلى عبء مباشر عليها، ففي كل مرة يظهر فيها قوته تتحول الأنظار إلى القاهرة كداعم رئيسي له، ما يفقدها صفة الحياد التي تنادي بها، وبدأ ذلك يتحول إلى ضغوط في المحادثات الجانبية مع القاهرة من قبل بعض القوى الدولية ويقلل من خطابها الرامي إلى التسوية السياسية في ليبيا.

 

وقالت المصادر المصرية نفسها “إن حفتر تحول إلى إشكالية؛ فمصر لا تريد التخلي عنه تماما والبحث عن بديل له، ولا تريد رهن مصالحها به بعد حدوث تغيرات متسارعة عند انسحابه من طرابلس العام الماضي، كما أن برود موقف السعودية والإمارات تجاه قائد الجيش الليبي شجع القاهرة على المضي في خيارها تجاهه”.

 

وانتهزت القاهرة ملامح التحولات لتؤكد عدم حصر علاقتها بليبيا في الشرق فقط، وانفتحت على قوى عديدة في الغرب والجنوب لتتمكن من أداء دورها والحد من تنامي النفوذ التركي الذي استغل غيابها عن طرابلس.

 

وأعادت القاهرة ضبط علاقتها بمجلس النواب الليبي، فرع طبرق، ورئيسه عقيلة صالح، وبالتوازي مع ذلك انفتحت على فرع طرابلس، ما جعل صالح يقوم بتوسيع دائرة علاقاته ويدخل في حوارات مع مجلس الدولة الليبي ورئيسه الإخواني خالد المشري لعدم رهن مصيره بالقاهرة.

 

وجرت قراءة هذا التوجه من القاهرة على أنه براغماتية سياسية يتمتع بها عقيلة صالح، ومع ذلك بذلت جهودا كبيرة للحفاظ على تماسك جبهة الشرق (حفتر- عقيلة) التي أصابها نوع من التفسخ مع تباعد حسابات كل طرف.

 

ويصف متابعون العلاقة بين مصر وحفتر بالمعقدة للغاية، ما يضعها في خانة التذبذب؛ فتارة تبدو هذه العلاقة وثيقة وتارة أخرى تلوح ضعيفة، وفي الحالتين لا يزال الرجل ورقة ضمن عدة أوراق تمنح الدور المصري قوة في الأزمة الليبية، حربًا أو سلمًا.

 

وتخفف مصر من علاقتها بالجيش الوطني الليبي في الشرق دون أن تقطعها، والبديل الوحيد أمامها هو السعي لتنفيذ رؤيتها بشأن توحيد المؤسسة العسكرية كضامن للأمن والاستقرار في ليبيا، ومن بينها الحدود مع مصر.

 

وبإخفاق هذه الخطوة سوف تحرص مصر على تماسك القوات في الشرق تحت قيادة حفتر أو غيره من القيادات الموثوق فيها، خاصة أن أغلب المنتسبين إلى هذه القوات تلقوا تعليما وتدريبا عسكريين في مصر.

 

Thumbnail

ويلمّح المتابعون أيضا إلى أن بقاء هذه الورقة -حفتر والجيش الوطني- مهمّ بالنسبة إلى مصر، فوسط الغموض الذي يكتنف العملية السياسية وعدم جدية المجتمع الدولي في التعامل مع التدخلات الخارجية والمرتزقة قد تعود الحرب إلى ضراوتها السابقة.

 

وينبع تمسك مصر من تخوّفها من انفراط عقد ليبيا والدخول في سيناريو يعيد إليها شبح التقسيم، وبدلا من أن يتعرض الشرق للتمزق تكون هناك قوة عسكرية قادرة على ضبط الأوضاع فيه، باعتباره المجال الحيوي الأول لمصر في ليبيا، والمنطقة التي تتمتع بمخزون كبير من الثروة النفطية في البلاد، وتفضي السيطرة عليها إلى مكاسب لصاحبها وخسائر لخصومه.

 

وتفسر هذه المعطيات المتشابكة أحد أهم أسرار الصعود والهبوط في العلاقة بين مصر وحفتر؛ فقد بات المشير ورقة حاسمة لتعظيم أو تقزيم دور مصر في ليبيا، وتحتاج إدارتها إلى حكمة وليس إلى تفاخر لأنها تتقاطع مع ملفات أخرى ومصالح قوى كبرى.

أخبار ذات صله