مناقشة سد النهضة في مجلس الأمن إبراء سياسي لذمّة مصر والسودان
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العرب

يناقش مجلس الأمن الدولي في الثامن من يوليو الجاري أزمة سد النهضة المحتدمة بين مصر والسودان من جانب وإثيوبيا من جانب آخر، أملا في الحصول على دعم سياسي يجبر أديس أبابا على التوقيع على اتفاق مُلزم يضع حدا للتصعيد المتبادل بين الدول الثلاث الذي دخلت على خطوطه قوى كبرى في الفترة الماضية.

 

وقالت مصادر دبلوماسية لـ”العرب” إنه من الصعوبة صدور قرار من مجلس الأمن يقود إلى تسوية الأزمة في ظل التباين بين القوى الكبرى، حيث ترى الغالبية ضرورة استمرار المحادثات من خلال دولة الكونغو الديمقراطية التي تترأس الاتحاد الأفريقي حاليا، على الرغم من إخفاق الاتحاد على مدار عام في تحقيق اختراق واضح.

 

وأضافت المصادر أن مصالح قوى عديدة مع الدول الثلاث تفرض البحث عن حل ناعم لا يغضب أيا منها ما يمثل مشكلة معقدة يصعب تفكيكها لأن فكرة الحل بالتراضي باتت بعيدة المنال في ظل التنافر في طروحات كل طرف.

 

وقال وزير الموارد المائية والري المصري محمد عبدالعاطي الجمعة إن بلاده تدعم مشروعات السدود المائية بدول منابع نهر النيل، لكن أديس أبابا قابلت مرونة القاهرة بـ”تعنت” في ملف سد النهضة.

 

وقدمت مصر والسودان مذكرات تفصيلية منفصلة بتطورات الأزمة إلى مجلس الأمن الدولي لوضع الكرة في ملعب إثيوبيا، وهو ما فعلته الأخيرة أيضا وشرحت موقفها وألقت باللوم على كل من القاهرة والخرطوم باعتبارهما لا تريدان استمرار التفاوض وتعملان على حرمانها من سبل التنمية التي يوفرها السد.

 

وقامت مصر والسودان بمشاورات مع الأعضاء في مجلس الأمن الفترة الماضية لتأمين الحصول على تسعة أصوات لمناقشة مشروع قرار تقدمت به تونس العضو غير الدائم بالمجلس، وسعتا للتأكيد على ضرورة احترام حقوق دولتي المصب والتوصل إلى اتفاق يحفظ لهما هذه الحقوق.

 

Thumbnail

وتعتقد إثيوبيا أن التوقيع على اتفاق مُلزم مع كل من مصر والسودان يعني رهن مستقبل استخدام مياه النيل بأيدي الدولتين، وعرضت حلولا منقوصة لاستهلاك الوقت وتمرير الملء الثاني للسد في الأيام المقبلة، الأمر الذي رُفض من قبل دولتي المصب.

 

ومرت الأزمة بمحطات متعددة صعودا وهبوطا على مدار عشر سنوات، ووصلت إلى حافة الهاوية الآن، فإما أن تمضي إثيوبيا في المشروع وفقا لما رسمته ضمن خطتها لتمريره والتعامل معه كأمر واقع، أو انتصار مصر والسودان سياسيا أو عسكريا، وفي كل الحالات تحمل الفترة المقبلة مفاجآت حيال أزمة السد.

 

وتحدث المندوب الفرنسي في مجلس الأمن نيكولاس دي ريفيير الخميس حيث تترأس بلاده المجلس خلال شهر يوليو بصراحة عندما قال إن ما يمكن فعله داخل المجلس هو “فتح الباب ودعوة الدول الثلاث وتشجيعها على العودة إلى الطاولة واستئناف المحادثات والمفاوضات”، في إشارة تنفي تبني ضغوط دولية ضد إثيوبيا.

 

وبدا كلام المندوب الفرنسي عمليا ويلخص الموقف العام على طاولة المجلس وتوازنات القوى داخله، فالقوى التي تقف بجانب أديس أبابا لن توافق على إخضاعها لإرادة مجلس بعض الدول الأعضاء فيه مثل الصين لها استثمارات كبيرة ومرامي خفية في إثيوبيا وتعول على تحقيق استفادة اقتصادية كبيرة من سد النهضة.

 

وبصرف النظر عن المضمون الذي حواه خطاب كل دولة لمجلس الأمن، فإن عرض الأزمة عليه وسط تباعد المسافات بين دوله يشير إلى صعوبة صدور قرار، وهو ما تعرفه جيدا مصر والسودان، خاصة أن الصين صاحبة حق الاعتراض بالمجلس من أكثر القوى دعما لإثيوبيا ولوّحت باستخدام “الفيتو” وترفض التدخل العسكري.

 

Thumbnail

وتمتلك بكين حصة كبيرة في مشروع سد النهضة من خلال تسهيل ائتماني بقيمة 1.2 مليار دولار، وهو جزء من قروض صينية بقيمة تصل إلى 16 مليار دولار.

 

ويحول الاحتكار الذي تمارسه الصين على مياه الأنهار داخلها دون إقامة مشاريع تنموية للدول المتشاطئة معها إلا بالتفاهم، ما يجعلها أشد صرامة في دعم إثيوبيا، لأنها لا تريد أن تشكل هذه الدولة سابقة جديدة تنعكس آثارها على بكين.

 

ويرى مراقبون أن القاهرة والخرطوم أرادتا وصول الأزمة إلى طاولة مجلس الأمن من دون انتظار الحصول على نتيجة إيجابية منه، فالهدف هو تأكيد أن البلدين استنفدتا الجهود لحض إثيوبيا على توقيع اتفاق، وإذا أخفق في المهمة سيكون الطريق مفتوحا لاستخدام الخيارات المتاحة بما فيها الخيار العسكري الذي تتحفظ عليه السودان.

 

وراهنت مصر على أن تأثير الأزمة على السلم والأمن يدفع قوى كبرى على ممارسة ضغوط على أديس أبابا لمراجعة موقفها والحفاظ على مصالح الجميع، فالتوترات داخل إثيوبيا يمكن أن تؤدي إلى تفكيك بنيان الدولة وزيادة الصراعات في القرن الأفريقي.

 

ودعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الخميس إلى تكثيف التفاوض بين مصر والسودان وإثيوبيا لحل تناقضات ملف سد النهضة في أقرب وقت ممكن، و”احترام مصالح جميع الدول المعنية على أساس أعراف ومبادئ القانون الدولي”.

 

وحاولت الولايات المتحدة من خلال مبعوثها الجديد للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان تضييق الفجوة بين الدول الثلاث والتوصل إلى قواسم مشتركة تبعد شبح التصعيد عن المنطقة، ولم يتضمن خطاب واشنطن أية إشارة إلى الضغط على أديس أبابا في أزمة السد، بينما تضمن ضغوطا عدة لإجبارها على وقف الحرب في إقليم تيغراي.

 

ويلفت متابعون إلى أن المشاكل الفنية التي ألمحت إليها إثيوبيا أخيرا ربما تحول دون نجاح عملية الملء الثانية كاملة (13.5 مليار متر مكعب) وتمكنها التجهيزات الحالية من تخزين نحو 4 مليارات متر مكعب فقط على غرار الملء الأول، وهو الحل الذي نزع فتيل الأزمة مؤقتا إلى حين البحث عن صيغة جديدة للتفاهم والاتفاق أو حدوث تغيرات تدعم رؤية أحد الفريقين (مصر والسودان أو إثيوبيا).