يافع نيوز – العرب
لم يلق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خطابا كالمعتاد يبعث من خلاله رسائل سياسية إلى دول إقليمية ويرسم خلاله “خطوطا حمراء” عند تدشين قواعد عسكرية أو مناورات كبيرة يجريها الجيش.
وافتتح السبت قاعدة “3 يوليو” البحرية بمنطقة جرجوب القريبة من الحدود مع ليبيا في صمت، مكتفيا بتفقد بعض منشآتها والاستماع إلى شرح من قائد القوات البحرية الفريق أحمد خالد حول مهامّها القتالية النوعية.
وقال مراقبون إن الرئيس المصري لم يعمد هذه المرة إلى وضع خطوط حمر في الرمل والبحر والنهر لكلّ من تركيا وإثيوبيا مثلما دأب على فعله في السابق، لافتين إلى أن هذا الخيار هدفه التخفيف من حالة الاستنفار الدبلوماسي والإعلامي التي جرّتها خطابات سابقة على علاقة القاهرة بكل من أنقرة وأديس أبابا.
وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل يوم واحد من افتتاح القاعدة المصرية أن أنقرة لن تغادر الأراضي الليبية، وأصبح يستعرض قوته السياسية بعد العسكرية هناك، وعازم على مواصلة التنقيب في شرق البحر المتوسط.
اللواء يحيى الكدواني: القاعدة الجديدة رسالة بأن مصر قادرة على حماية سواحلها
وأوحى حديث أردوغان في هذا التوقيت بأنه يتحدى مطالب مصر التي قدمتها على طاولة محادثات جرت بين الجانبين في القاهرة يومي الـ5 والـ6 من مايو الماضي، واشترط فيها الوفد المصري خروج القوات التركية والمرتزقة من ليبيا والالتزام بالقانون الدولي في ملف التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط.
وأعاد رئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد الحديث أكثر من مرة بتأكيده على عدم التخلي عن المضي في عملية الملء الثاني لسد النهضة، ورفض التجاوب مع مطالب القاهرة والخرطوم للتوقيع على اتفاق عادل ومُلزم حول آليات تخزين المياه خلف السد وطرق التشغيل والأمان لضمان عدم وقوع الضرر على كل من مصر والسودان.
وتحدت أديس أبابا تلميحات القاهرة حيال عدم استبعاد استخدامها القوة العسكرية لإنهاء أسطورة سد النهضة، وحاول بعض قادتها الإيحاء بجاهزية إثيوبيا للنزال.
وحيال المواقف المتشددة من قبل تركيا وإثيوبيا، وهما البلدان اللذان يمثلان تحديا إقليميا كبيرا لمصر، لم يجد السيسي فائدة من تكرار تلك التحذيرات حتى لا تبدو مستهلكة خاصة أنه من الصعب المجازفة باختبارها على الأرض بسبب ظروف مصر الداخلية والوضع الإقليمي.
وألمحت مصادر مصرية لـ”العرب” إلى أن افتتاح القاعدة البحرية بالقرب من الحدود مع ليبيا ليس في حاجة إلى خطب سياسية رنانة أو رسائل ضمنية، إذ تكفي الجغرافيا لتتحدث عن نفسها، خاصة بالنسبة إلى أنقرة الراغبة في عدم الخروج من ليبيا والطامحة إلى فرض واقعها في شرق المتوسط.
Thumbnail
وشارك في مراسم افتتاح قاعدة “3 يوليو” الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي والأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع السعودي وعدد من المسؤولين العرب والأجانب.
وسجل مراقبون غياب قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر المعني أكثر من غيره بما ترمز له القاعدة المصرية.
وقال عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري اللواء يحيى الكدواني إن عدم حديث السيسي هو دلالة على أن مصر لديها قوة عسكرية قادرة على ردع المخططات طالما أن الحلول الدبلوماسية للقضايا التي تهدد الأمن القومي غير مجدية.
وأضاف لـ”العرب” أن الإمكانيات المتطورة للقاعدة الجديدة هي رسالة بأن مصر قادرة على حماية مقدّراتها وسواحلها الممتدة على طول البحرين المتوسط والأحمر، إلى جانب حماية الأمن على الحدود الغربية والجنوبية.
محمد حجازي: افتتاح القاعدة بالقرب من الحدود الليبية حدث يتكلم عن نفسه
وشهدت القوات البحرية تطوراً كبيراً ونقلة استراتيجية واضحة في السنوات الماضية من خلال امتلاكها لأكثر من قاعدة وأسطول وقطع بحرية ذات مستوى قتالي عال مصحوبة بمرونة كبيرة في الحركة والوصول إلى الأهداف.
ويتمثل الهدف الاستراتيجي لإنشاء قاعدة “3 يوليو” في خلق كيان عسكري ومركز نقل جديد لمجابهة زيادة التهديدات والعدائيات على الاتجاه الغربي وسرعة رد الفعل لتأمين الحدود الغربية للدولة وحماية مقدراتها المتمثلة في تأمين خطوط المواصلات البحرية وحركة النقل البحري من الغرب وإليه.
وأشار مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير محمد حجازي إلى أن افتتاح القاعدة بالقرب من الأراضي الليبية حدث يتكلم عن نفسه في حضور عدد من القادة العرب والحلفاء للدولة المصرية، فالقاهرة تسير في الطرق الدبلوماسية وتحترم المواثيق الدولية، لكنها لن تتهاون أبدا مع التهديدات التي تواجهها من أيّ طرف.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن ترجمة التصريحات التي جاءت على لسان أحد قادة الجيش وتتمثل في أن مصر تمضي في طريقها نحو إطلاع المجتمع الدولي على تعنت إثيوبيا ورفضها الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم لملء سد النهضة وتشغيله والوصول إلى نقطة النهاية في هذا الملف، ولديها الحق في التعامل مع أيّ تهديدات في شرق المتوسط طالما أنها تلتزم باتفاقيات تعيين الحدود مع قبرص واليونان.
وأشار إلى أن مكان القاعدة ورمزيتها ينطويان على رسائل تؤكد أن مصر تدافع عن مصالحها وحدودها في الاتجاه الاستراتيجي المتوسطي وستعمل على مواجهة الخروقات التي تأتي من جانب الدول المعادية، سواء أكانت تركيا أم غيرها.
وتقع القاعدة المصرية الجديدة على امتداد ساحل البحر المتوسط على مساحة تزيد عن 10 ملايين متر مربع، وتحتل موقعا يحقق المزيد من القدرات العسكرية، وتعد نقطة الانطلاق الأكثر قرباً لمواجهة أيّ مخاطر محتملة من اتجاه البحر المتوسط.
وتعد القاعدة إضافة مهمة إلى البحرية المصرية، وتعزز عملية تأمين قناة السويس، وتسهم في حرية الملاحة الدولية ومنع الهجرة غير الشرعية، وتأمين مقدرات مصر الاقتصادية في شرق المتوسط، وهي مجهزة للقيام بكافة المهام والتدريبات المشتركة.