أي غرب يتشكل اليوم في مواجهة تهديدات الشرق
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العرب

على مدار أربع سنوات قضاها دونالد ترامب في رئاسة الولايات المتحدة أصاب الضرر علاقات أميركا بأوروبا اللتين تشكلان معا ما يطلق عليه “الغرب”. لكن الرئيس جو بايدن ومنذ توليه مقاليد الأمور في البيت الأبيض، سعى لرأب الصدع مع حلفائه على الجانب الآخر من الأطلسي وإحياء وحدة الغرب وتعزيزها في مواجهة تهديدات “الشرق” ممثلة في الصين وروسيا.

 

وأثارت رحلة بايدن إلى أوروبا مؤخرا إحساسا يعود إلى حقبة الحرب الباردة، حيث عقد لقاءات مع حلفاء ديمقراطيين قريبين، وشارك في قمة شابها التوتر مع خصوم مستبدين.

 

ويرى هال براندز أستاذ الشؤون العالمية بكلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز في تحليل نشرته وكالة بلومبيرغ للأنباء، أنه من المناسب القول في ظل هذه الأجواء إن مفهوم الغرب، الذي يعود إلى حقبة الحرب الباردة، يمر بنوع من التجديد. فيما اعتبر منظمو مؤتمر ميونخ للأمن هذا العام أن إدارة بايدن لديها “فرصة لتنشيط الغرب”.

 

وأوضح براندز الباحث أيضا بمعهد أميركان إنتربرايز، أنه إذا كان مفهوم الغرب يعني إحياء التعاون الديمقراطي، وهو أمر هناك حاجة ماسة إليه، قد يكون التعريف ذا نطاق ضيق للغاية في ما يتعلق بالتحديات التي تواجهها واشنطن وحلفاؤها.

 

وفي تقديره فإن مصطلح الغرب دائم التغير ولم يكن أبدا مصطلحا جغرافيا في المقام الأول، حيث يستخدمه بعض المعلقين للإشارة إلى دول تحالفت مع أميركا في الحرب الباردة، ورأى فيه آخرون مؤشرا للتنمية الصناعية، وما زال آخرون يركزون على دول تشدد على القيم الديمقراطية، أو دول تعد جزءا من قوس “الحضارة الغربية” التي تعود إلى الإمبراطوريتين الإغريقية واليونانية.

 

هال براندز: الديمقراطيات في العالم بحاجة إلى استعادة بريقها

 

ومهما كانت هذه التعريفات، فإن الدول التي استخدمتها، وخاصة أميركا وأوروبا الغربية وتلك التي تتحدث الإنجليزية، والتي تعود إلى زمن الإمبراطورية البريطانية السابقة، قد شكلت جوهر الغرب الذي لا خلاف عليه، وأقامت اتحادا قويا من الديمقراطيات الغنية.

 

وكان أحد أهداف هذه المجموعة الانتصار في الحرب الباردة، وهو ما حققه الغرب، ولكن ليضع نفسه في موضع لا يتناسب مع العصر، حيث يؤكد براندز أن فكرة الغرب بدأت فجأة وقد عفا عليها الزمن، بالنظر إلى سقوط الخصم، الكتلة الشرقية.

 

وتحدث مسؤولون أميركيون على نحو متنام عن الديمقراطية وحقوق الإنسان كقيم عالمية، أكثر منها قيم أوروبية.

 

وقد استوعب الغرب ضربات عديدة أثناء ولاية ترامب، الذي استدعى دائما الحضارة الغربية لوصف العلاقات بين بلاده وأوروبا. ولكن بالنسبة إلى البعض، كان هذا حديثا أجوف لأن ترامب ببساطة لم يكن يحب حلفاء أميركا الديمقراطيين.

 

وبالنسبة إلى آخرين، كان ذلك أمرا مشؤوما تماما، حيث بدا أن خطاب ترامب وأفعاله تم تصميمهما لوضع الغرب المسيحي الأبيض في مواجهة باقي العالم من غير البيض. وبحلول عام 2020، تحدثت النخبة في مؤتمر ميونخ عن شعور واسع بـ”انعدام الغرب” تعبيرا عن مخاوف من أن وجود الغرب نفسه كان موضع شك.

 

ويتساءل براندز قائلا “لماذا يعود الغرب بعد عام فقط من ذلك؟”. ولتفسير ذلك يوضح أن مفهوم الغرب برز بقوة في ظل حقيقة أن العالم يتجه إلى الانقسام مجددا، حيث تواجه الديمقراطيات المتقدمة تهديدا متزايدا من الأنظمة الاستبدادية، غير الغربية، مثل الصين وروسيا. وجاء بايدن لينعش الآمال في إعادة توحيد العالم الغربي.

 

وحتى الآن، تركز سياسة بايدن على تعزيز علاقات أميركا مع حلفائها الغربيين في أوروبا، وأيضا في المنطقة الهندية الباسيفكية. وسبق أن بيّن بايدن أن الفرق بين الديمقراطية والاستبداد هو الصدع الأساسي في شؤون العالم.

 

وأصدر بايدن ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون “معاهدة الأطلسي الجديدة” التي تعد تحديثا لإعلان صدر في عام 1941، وأرسى المبادئ الأساسية لعالم الغرب.

 

كما سعت الإدارة الأميركية إلى تحويل المؤسسات التقليدية في الغرب، خاصة حلف الشمال الأطلسي (الناتو)، ومجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى إلى وسائل للتعاون الديمقراطي ضد الصين وتهديدات أخرى. وأشار بايدن مخاطبا حلفاءه إلى أنه إذا “عادت أميركا” سيعود الغرب.

 

الغرب استوعب ضربات عديدة أثناء ولاية ترامب، الذي استدعى دائما الحضارة الغربية لوصف العلاقات بين بلاده وأوروبا

وبرأي براندز فإن هذا لن يكون بالأمر السيء، فرغم أن مفهوم الغرب يبدو غير محدد المعالم، فهو يشمل أفكارا جوهرية، حيث أن الديمقراطيات الأكثر تقدما في العالم مرتبطة بعلاقات أقوى من مجرد تلاقي المصالح. ونقل الكاتب عن وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، قوله إن الغرب ليس “تحالفات مصالح”، ولكن “اتحاد مبادئ”.

 

وبات العالم اليوم بحاجة ماسة إلى الشعور بالهدف المشترك بين الدول الأكثر قدرة على مقاومة التحدي الذي يفرضه الاستبداد، ومواجهة أي قضايا أخرى تتطلب عملا جماعيا، مثل الأوبئة وتداعيات التغيرات التكنولوجية الثورية.

 

ولكن مفهوم الغرب مرتبط بأمور أخرى، فالمصطلح بالنسبة إلى المناطق النامية يحمل إيحاءات استعمارية مرفوضة، وقد يشكل هذا مصدرا للمشكلات في إطار التنافس بين أميركا والصين.

 

إن المنافسة الفعالة مع بكين تتطلب من الديمقراطيات الغربية استدعاء طاقاتها الجماعية، والعمل مع نظم استبدادية ذات مواقع استراتيجية مثل فيتنام، ودول نأت بنفسها طويلا عن كل من الشرق والغرب، مثل الهند، وأخرى نامية في آسيا وأفريقيا. كما سيتعيّن على أميركا حشد تحالفات متداخلة، تكون المجموعة الديمقراطية إحداها، ولكنها الأكثر أهمية.

 

ويدرك الصينيون ذلك جيدا، فقد وسم الإعلام الرسمي في الصين مجموعة السبع على أنها قوى استعمارية تحاول الاحتفاظ بالعالم النامي تحت سطوتها.

 

وتؤكد بكين باستمرار أن “القيم الغربية” مثل حقوق الإنسان والديمقراطية لا تناسب الشعوب غير الغربية. وبعبارة أخرى، بحسب تفسير براندز، فإن الاستبداد ببساطة هو مقاومة للاستعمار السياسي والثقافي. وقد دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ القوى الخارجية مثل واشنطن، إلى أن تدع آسيا للآسيويين، أي أن تتركها فعليا لبكين.

 

وربما يكون ذلك هو السبب الذي دفع بايدن إلى تحاشي “خطاب الغرب” حتى وهو يسعى لتضامن غربي أكثر قوة. وقال بايدن في فبراير الماضي “لا يتعلق الأمر بوضع الشرق في مواجهة الغرب”.

 

ويخلص براندز إلى أن من يروجون إلى تجديد الغرب على صواب في ما يتعلق بجانب مهم، وهو أن الديمقراطيات الرئيسية في العالم بحاجة إلى استعادة بريقها وثقتها. ولكن إقامة تعاون بينها يحتاج إلى الوضع في الحسبان تهديدا جديدا قادما من الشرق، يتطلب منها أكثر من مجرد إعادة توحيد عُصبة الغرب مجددا.

وسوم