fbpx
المبعوثون الأمميون .. وأكوامٍ الرمال اليمنية.

كتب/ علي عبد الله البجيري.

مخطئ من يعتقد إن مهمة المبعوثين الأمميين إلى اليمن، مهمة سهلة، بينما هم في واقع الحال كمن يسير وسط حقل ألغام دون معرفة بمدافنها. قد يلوم المراقبون السياسيون المبعوثين الدوليين على عدم إحرازهم تقدم ونجاح في مهامهم إزاء إطفاء نار الحرب في اليمن، بل قد يتهموهم أحياناً بأنهم يصبّون الزيت على لهيب نيرانها. وقد يرتفع مستوى التحامل عليهم حد الخروج من المعقول إلى درجة اتهامهم بانهم يخدمون مشاريع وأجندات خارجية، تستهدف اليمن بموقعه الاستراتيجي وثرواته.

أثناء الغزو العسكري القبلي الأخواني للجنوب عام 1994 تم تعيين الخبير الدولي الأخضر الإبراهيمي مبعوثا دوليا الى اليمن، بهدف وقف إجتياح القوات الشمالية للاراضي الجنوبية، واصدر مجلس الأمن الدولي حينها قرارين بالرقمين 924 و 931 لعام (1994) يدعو فيهما الى وقف الحرب وإجراء الحوار بين طرفي النزاع. وإلى هنا توقفت جهود الاخضر الإبراهيمي، دون اي تنفيذ لقراري مجلس الأمن الدولي، وقد يكون ذلك لأسباب تعود الى توافق المصالح الأقليمية والدولية على حساب القضية الجنوبية!!
وعلى اثر قيام ثورة احدى عشر من فبراير 2011م التي طالبت باسقاط نظام علي عبد الله صالح، تقدمت دول الإقليم بمبادرة عرفت ب “المبادرة الخليجية”، وفي الوقت نفسه عين الامين العام للأمم المتحدة مبعوثه الخاص الى اليمن المغربي الأصل جمال بن عمر. وبالفعل فان مهمة بن عمر لم تكن باليسيرة، بل كانت بمثابة السير المتعثر في الرمال المتحركة. وعلى اثرها وبعد مرور خمسة اعوام اضطر الى تقديم استقالته بعد ان فقد ثقة بعض اطراف الصراع التي اتهمته بالتمادي مع الحوثيين.
وبدخول البلاد في أتون حرب أهلية، بموجبها تدخل التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية واعلانه عن قيادته لعملية “عاصفة الحزم” يوم 26 من مارس 2015 ضد الانقلاب الحوثي. وبها استمرت الحرب وتعرضت البلاد شمالا وجنوبا الى شتئ انواع الدمار، بعدها تم الإعلان عن مجيئ المبعوث الأممي الثالث، وهو الموريتاني الجنسية “إسماعيل ولد شيخ أحمد” لإنقاذ الموقف، إلا أنه هو الاخر لم يقدّم شيئًا جديدًا لوقف الحرب في اليمن. وبعد ثلاثة أعوام تقريبًا من تاديته لمهمته، اضطر ولد الشيخ هو الاخر الى التخلي عن مهمته الدولية، مقدما إستقالته . وهكذا رحل ولد الشيخ ليحل محله البريطاني “مارتن غريفثتش”. هكذا استمر الملف اليمني بمثابة لغزً للأمم المتحدة وللمجتمع الدولي وللتحالف العربي. واليوم وبعد مضي ثلاثة اعوام على رحلاته المكوكية يعلن السيد غريفيتش عن تقديم استقالته، وابلغها الى مجلس الأمن في احاطته الأخيرة، اوضح فيها عدم تمكن اطراف النزاع في اليمن من الوصول الى اتفاق لوقف الحرب، ملخصا مواقف طرفي النزاع على النحو التالي:
* تمسك جماعة انصار الله الحوثية باولوية ما يعتبرها الجوانب الإنسانية المتمثلة في رفع الحصار على الموانئ والمطارات، كشرط مسبق قبل اية مفاوضات حول وقف إطلاق النار والبدء في العملية السياسية.
* تمسك حكومة الشرعية اليمنية بضرورة تطبيق كافة الإجراءات كحزمة واحدة، بما فيها بدء وقف إطلاق النار والبدء في العملية السياسية.

اما بشأن الجنوب لقد فاقمت الحرب الانقسامات بين القوات الجنوبية وبين قوات حكومة الشرعية، واقترب النزاع في عدة مناسبات لأن يتحول إلى نزاع مسلح شامل آخر. وهنا نؤكد على تمتين الشراكة القائمة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي. وما من شك في أنَّ انعدام الثقة لازال يطل بظلاله بينهما، في ظل الاختلافات الكبيرة في الرأي حول التصوّر لمستقبل اليمن. إلا أنَّ السبيل الوحيد للخروج من هذا المستنقع يتمثل في تطبيق مضامين إتفاق الرياض والتزام قيادة حكومة الشرعية والمجلس الإنتقالي،” بفضّ خلافاتهما بنهج الحوار الآن والمفاوضات السياسية على المدى البعيد” انتهى الإقتباس..
والواضح من افادة السيد مارتن غريفتش امام مجلس الامن أن «اليمن على شفير الهاوية، وأن فرص السلام باتت من الخيال »، وعلى ضوء ذلك فقد حذرت الأمم المتحدة من انه «لا يمكن وصول المساعدة في ظل عدم التوصل إلى اتفاق بين الأطراف المتصارعة»، وهذا يعني أن اليمن مستمر في الحرب حتى الانهيار النهائي، وأن المبعوث الدولي قطع الأمل في أن يخرج اليمن من النفق المظلم.
الحقيقة أن اليمن وشعبه بات مختطفاً من جانب مليشيات حوثية تتبع ايران، وشرعية مغتربة تتبع المملكة العربية السعودية، مليشيات وشرعية استمرأت التسلط والفساد ونهب المال العام ،يصمّون آذانهم عن صراخ مئات آلاف اليمنيين الذين يطالبون بأبسط مقومات الحياة المرتبات والكهرباء والماء والغذاء والدواء.
هذا ما يحدث في اليمن منذ عام 2014م في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية، قضت على الطبقة الوسطى وسحقت الفقراء، وحولت حياة المواطن إلى جحيم.

صرخة مبعوث الأمم المتحدة بعد إجتماعه مع المسؤولين اليمنيين الذين التقاهم في صنعاء والرياض، في رحلة الوداع الأخيرة ، تعبّر عن قلق العالم إزاء شعب اليمن المختطف الذي بات رهينة بيد جماعات سياسية فاشلة ومليشيات قاتلة . والمصيبة أن هذه القوى المسماة حوثية، وشرعية ما زالت قادرة على الإمساك بالخيوط التي تشد من خلالها طبول الحرب متى شاءت لإفشال أية محاولة لاحلال السلام ووقف الحرب.
إن ما ذكرته اعلاه يقودني إلى عدد من النقاط، أوجزها في ما يلي :
اولاً: المطلوب وقف الحرب، وهذا يتطلب شجاعة في الإقدام على القرار، إذ لن يتمكن التحالف من ربحها في اليمن، كما لن تتمكن الشرعية الفاسدة وحلفائها من كسبها.
ثانياً: وقف الحرب مصلحة يمنية وإقليمية ودولية، واستمرار الحشد العسكري على الجنوب وشن حرب الخدمات لا يخدم إلا المليشيات الحوثية ومعهم الاخوان والقوى والإرهابية معاً .
ثالثاً: استقرار الوضع في الجنوب وبناء دولة حديثة، هي مصلحة إقليمية وعربية ودولية، بينما إستمرار التوغل في الأراضي الجنوبية مصلحة حوثية ايرانية إخوانية إرهابية إقليمية.
رابعاً: وحدة الصف الجنوبي بكل قواه السياسية مطلب وطني مهما كانت التباينات،فعلى هذا الموقف الموحد تتحطم خطط الاخوان والإرهاب، وما حدث في مدينة الشيخ عثمان خير دليل، وعلى الجميع ادراك المخاطر القائمة والتحديات القادمة فالكل فى قارب واحد تتقاذفه أمواج عالية ورياح عاتية
والخلاصة..اليمن حرب مستمرة.. والسلام لا يزال تحت الرمال.