القاهرة تتسلح بالدعم الأميركي لترتيب علاقتها مع تل أبيب
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العرب

لم تكن العلاقة بين مصر والحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو تسير على وتيرة جيدة، لكنها احتفظت بقدر من ضبط النفس وتجنب الصدام مباشرة، بينما تحاول الآن القاهرة إعادة صياغة العلاقة مع التحالف اليميني الجديد في إسرائيل بقيادة نفتالي بينيت ويائير لابيد وإيجاد آليات تمكنها من تضييق هامش المراوغات أمامه لتحجيم دورها.

 

وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن القاهرة تحاول أن تستثمر رغبة الحكومة الجديدة في تأكيد مسؤوليتها السياسية وأنها ليست حكومة حرب، وتريد مواصلة دورها لوقف الخلل الفاضح في مفاصل القضية الفلسطينية بما يقلل من فرص دخول أطراف إقليمية لا تريد لمصر مواصلة دورها الذي بدأته مع نجاحها في وقف إطلاق النار بغزة.

 

وأضافت المصادر نفسها أن الدعم الأميركي لمصر يمثل عنصرا داعما لتطوير علاقتها مع الحكومة الإسرائيلية، والعمل على إحياء عملية المفاوضات مع الجانب الفلسطيني على قاعدة حل الدولتين، وهو ما يستوجب التواصل بين القاهرة وتل أبيب دبلوماسيا لتهيئة الأجواء وحتى يتعرف كل طرف على نوايا الآخر.

 

وتلقى وزير الخارجية المصري سامح شكري الجمعة اتصالا هاتفيا من وزير خارجية إسرائيل يائير لابيد، واتفقا على عقد لقاء يجمعهما في القاهرة قريبا للتفاهم حول آليات منع العودة إلى التوتر، وإعادة الإعمار، والدعم التنموي للأراضي المحتلة.

 

وأوضح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية السفير أحمد حافظ، أن الوزير شكري أكد لنظيره الإسرائيلي ضرورة تحريك الجمود الحالي وصولا إلى إطلاق عملية تفاوضية شاملة على نحو يضمن تدعيم ركائز الاستقرار في المنطقة.

 

وجرى الثلاثاء الماضي أول خرق لوقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بين تل أبيب وحماس في غزة بوساطة مصرية في 21 مايو الماضي، بعد أحد عشر يوما من القتال بين الطرفين، عقب إطلاق المقاومة بالونات حارقة ردت عليها المقاتلات الإسرائيلية بتدمير مواقع عسكرية تابعة لحماس من دون وقوع خسائر بشرية.

 

أحمد فؤاد أنور: الملفات التي تواجهها القاهرة معقدة، وتحتاج إلى إرادة سياسية

 

وتريد القاهرة الاستفادة من الزخم السياسي الدولي الراغب في البحث عن صيغة للعودة إلى طاولة المفاوضات وتضييق الفجوة بين الفصائل الفلسطينية التي يمكن أن تدفع الحكومة اليمينية إلى تغليب خيار الحرب على المفاوضات.

 

وتميل بعض التقديرات السياسية إلى عدم استبعاد تكرار الحرب في غضون ثلاثة أشهر بين إسرائيل وحماس، إذا أخفقت القاهرة في هندسة الأوضاع بطريقة تؤدي إلى تهدئة مستقرة والتوصل إلى اتفاق حول إعادة إعمار غزة، وعدم إنجاز صفقة الأسرى التي قطعت شوطا كبيرا خلال الأيام الماضية.

 

وأشار الخبير في الشؤون الإسرائيلية أحمد فؤاد أنور، إلى أن هذه الملفات محاطة بتعقيدات عميقة، ويحتاج كل منهما إلى إرادة سياسية أولا تمكّن القاهرة من تذليل العقبات التي تعتريها، وربما تكون هناك رغبة في الوقت الراهن، لكن الإرادة ليست كافية، لأن الأطراف الرئيسية تدير حساباتها من منطلق أن إطالة عمر الأزمة يمكن أن يسفر عن واقع أفضل لها من حيث المكان والتنازلات.

 

وذكر أنور لـ”العرب” أن هذا الوضع الملتبس لن ينتج تسوية في المدى المنظور، بما يعني تمديد التوترات، وهي صياغة باتت مريحة لبعض القوى التي تفتقر للقدرة على الجرأة وتربط رؤيتها بجمهور اعتاد منها التشدد في المحطات الرئيسية.

 

وتواجه التحركات المصرية تحديات كبيرة بشأن تجسير الهوة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، ودخلت التفاهمات بين حركتي فتح وحماس نفقا مسدودا بعد فشل الحوار في القاهرة مؤخرا وتمسك كل طرف بشروطه في ملف إعمار غزة وإعادة تشكيل منظمة التحرير، وتفاصيل إجراء الانتخابات وحكومة الوحدة الوطنية وأيهما له الأولوية.

 

ويستغرق تجاوز هذه الخلافات وقتا ويمكن أن يفضي إلى مشهد لا يسمح بالتحرك بصورة إيجابية، وهو ما يفرض على القاهرة العمل في مسارين متوازيين، والفصل بين علاقتها بالحكومة الإسرائيلية وبين تحريك قطار المفاوضات الذي يعد مهما، غير أن رهنه بتذويب قدر كبير من التباينات الفلسطينية لن يفيد مصر.

 

ويقول مراقبون إن القاهرة بدأت تميل حاليا إلى تحاشي الأخطاء السابقة التي جعلت من دورها في القضية الفلسطينية عنصرا رئيسيا وحاكما في التقارب والتباعد مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ما أدى إلى إدارة تل أبيب علاقتها العربية من وراء ظهر القاهرة خلال فترة حكم نتنياهو التي امتدت حوالي 12 عاما.

 

ولعل الترويج لـ”صفقة القرن” والتطورالذي حصل بشأن توقيع اتفاقيات سلام مع دول عربية عديدة نبّه مصر إلى سدّ هذه الثغرة التي كاد اكتمالها أن يؤدي إلى تهميش دورها الإقليمي، ولذلك تسعى إلى التعاون مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة بجدية، ما يشي بعدم استبعاد انتقال السلام من حالته الباردة التي عاش في كنفها لأربعة عقود.

 

وتيقنت تل أبيب من أن التسلل إلى الفضاء العربي بعيدا عن مصر يمكن تعطيله، فلديها من الأدوات والإمكانيات، بحكم الجغرافيا السياسية والدور التاريخي والارتباط الوثيق بالقضية الفلسطينية، ما يساعدها على فرملة أي اندفاع عربي.

 

لذلك من المهم التنسيق معا، لأن حكومة بينيت-لابيد تواجه اختبارات داخلية وخارجية مختلفة ولا تملك رفاهية الصدام مع القاهرة ولا تزال تعيش أصداء نجاحها في الحصول على موافقة الكنيست بالحد الأدنى من النسبة المطلوبة، بما يعرضها للسقوط في أي لحظة، إذا فشلت في ترتيب أوراقها وإدارة أزماتها بشكل دقيق.

 

وتحتاج القاهرة إلى ضبط آليات علاقتها السياسية مع الحكومة الإسرائيلية، لأن التوتر معها يعرقل مسيرتها للقيام بدور مؤثر في تسوية القضية الفلسطينية، والتي أصبحت مدخلا لإعادة الاعتبار للدور المصري في المنطقة.

وسوم